الثلاثاء، 28 يوليو 2015

مقالات| بُورد.. ويَوْميَّات النِّسيَان (الجزء1) .. بقلم : سعيد البوبكاري

بقلم :  سعيد البوبكاري
   
هُنَا بُورد: مَاضٍ تليد... وتهْمِيش شَدِيد !!
في أقصى الشمال الغربي لإقليم تازة، تتوسَّدُ جماعة بورد سفوح جبال الريف، وبين أوديتها ترقد في دثار النسيان والتهميش. متاخمة مع حدود إقليم تاونات، وعلى الحدود تضيع دوما الحقوق والمسؤوليات.

شتان ما بين بورد اليوم وبورد الأمس، هناك على شريط التاريخ، حيث كانت البلدة على موعد مع مقاومة الاستعمار الفرنسي الغاشم، الذي أذاقته مرارة الهزائم المتتالية. وهنا على شريط نفس التاريخ، بعد أكثر من نصف قرن، تنَكَّرَ لها الجميع وتنَكَّب، وتَمَلَّص.


بورد وبوردو، الفارق الواو، وهنا الواو تصنع الفَرْق. فالأولى نكرة، نكرة في التاريخ، نكرة في الجغرافيا، نكرة على خريطة المغرب السياسي، نكرة في برامج التنمية. والثانية معرفة، أحد جواهر فرنسا. 

يُحكى أن اسم بورد القديم هو نواكشوط، ومع دخول الاستعمار إلى المغرب، ووصوله إلى البلدة، أقامت بها فرنسا قاعدة عسكرية استقدمتها من بوردو، وقد عمدت إلى تسمية البلدة المُقَامِ بها بـ"بورد"، احتفاءً ببوردو الانطلاق، مع إحداث فارق بحذف الواو، لصناعة أُلفة مع المكان لسانيا على الأقل.


في ماض كانت ذرة للبطولات والأمجاد، شكَّلت مع أكنول وتيزي وسلي ما سُمِّي آنذاك بـ"مثلث الموت"، فكانت ضلعا صلبا في مواجهة الغزاة، إلا أن الفرْق بينها وبين الضلعين الآخرين، أنهما نالا شيئا من التقدير وإن قَلّ. فبورد قطعة من نسيان كبير لَفَّ الإقليم برمته. فتموقُع أكنول وتيزي وسلي على الطريق الرابطة بين تازة والحسيمة، جعل حدة المعاناة تقل بالمقارنة مع هذه الجماعة المصنفة في اللائحة السوداء.

وانضافت أحداث الصخيرات  (1971)وتداعياتها، لتُحَوِّلَ المسار، الذي كان مأمولا منه، أن يُخرِجها من العزلة، من البلدة المفخرة التي كان ينشدها أبناؤها، إلى مقبرة الأحلام والتطلعات. فما أحد مهندسي هذا الانقلاب إلا من أبناء بورد (الجنرال امحمد اعبابو).

مُوَجزُ الْمُعَانَاة...
دَعُونَا مِن صفحات التاريخ، فللحاضر يومياتُه أيضا. يوميات المعاناة مع كل شيء. بَدْءاً من الطريق الرابطة بين تازة وتاونات. وإِنَّ قاصد بورد لَيَبدأ في تنفٌّسِ شقاء المنطقة، ورسم ملامحها، وتجاعدها، بمجرد أن يترك أكنول خلفه. طريقٌ يُقال إنَّها جهوية، لكنَّ حالَها أبعدُ عن ذلك، ففي بعض مقاطعها، لا تتسع لسيارتين تقاطعا وتجاوزا، وبها منعرجات خطيرة، ومعها مَهَاوٍ إلى سحيق الواد، غيابٌ شبه تام للتشوير الطرقي الأفقي والعمودي، لا خطّاً أبْيَضَ، ولا لوحاتٍ ولا صُوىً ولا واقيات على رؤوس المنعرجات، كل شيء هنا يدل على أن الموت يسيرٌ ويسيرُ، يركض وراء السكان، يعانق الجميع في لهفة، يشاركهم في كل شيء، يشاركهم في المستوصف المتواضع، أو بالأحرى خزانة الدواء، يشاركهم في ماء الشرب غير الصالح للشرب، يشاركهم في كل هذا ويزيد. يرمقهم عن كثب، ويقترب لأدنى سبب، وكأننا بالموت يسمع لنداء، هنا بورد. فكل شيء في المنطقة يهتف باسمه. هنا في بورد، للموت دواع كثيرة للزيارة، فهو أخو النسيان والتهميش وآثارهما.

ONEP.. !!! مَتى؟؟
معاناة يومية للسكان مع المياه، حيث أن المكتب الوطني للماء الصالح للشرب، إلى حدود كتابة هذا المقال، لم يبدأ بعد في تزويد الساكنة بالمياه، رغم انطلاق الأشغال بعدة شهور. لتتواصل محن البلدة مع البترول الأزرق، فالخزان الوحيد بالمنطقة مصدر مياه الساكنة، هو نفسه مصدر  الأمراض والتلوث، وذلك بشهادة العاملين فيه. علاوة على ضيق الوقت المخصص للتزويد، الذي لا يزيد عن ساعتين أو أقل أحيانا، وصباحا فقط.

المَطْمُورَات: - أَصَالَةً عن نفْسي، ونيَابَةً عن الصَّرْف الصِّحي.. !!
يطول مسلسل المعاناة، إلى أن يصل إلى شبكة الصرف الصحي، فالجماعة التي تُعَدّ،ُ بحِبْرِ السلطات، مدارا حضريا، تفتقد لشبكة رحض المياه المستعملة، فغالبية السكان يعتمدون في ذلك على ما يُعرَف بـ" المطمورات"، ففيها وإليها يتم طمر المياه، ومعها أحلام الساكنة في حياة صحية.

يتبع ..