بقلم : نجيم السبع
لا يخلو بيت ريفي من وجود احتياط من “إِوزان إيمامز” يحتفظ بها للمناسبات ولتقديم أكلتها للأهل والاحباء، هي أكلة شعبية شهيرة، رغم تعاقب عوادي الزمن إلاّ أنها ما زال ساكنة الريف يحافظون على هذه الأكلة؟ فما طبيعتها وما قصتها؟
لا يخلو بيت ريفي من وجود احتياط من “إِوزان إيمامز” يحتفظ بها للمناسبات ولتقديم أكلتها للأهل والاحباء، هي أكلة شعبية شهيرة، رغم تعاقب عوادي الزمن إلاّ أنها ما زال ساكنة الريف يحافظون على هذه الأكلة؟ فما طبيعتها وما قصتها؟
إوزان إمامز:
إِوزان إيمامز هي أكلة يتم تحضيرها من
“دشيشة” الشعير غير المكتمل النضج، حيث يتم قطف سنابل الشعير وهي ما زالت
خضراء شيئا ما ولم يكتمل نضجها، بعد ذالك يتم تفتيت حبات السنابل، إما عبر
حكها بين اليدين او تجميعها وتعريضها لضربات عصا غليظة حتى تتفتت كل حبات
السنابل، ثم يتم الفصل بين حبات الشعير وبقايا السنابل، بعد ذلك يتم تحميص
حبات الشعير على كانون منزلي مع الحرص على تحريكها باستمرار حتى لا تحترق.
بعد تحميصها يتم نشرها قليلا حتى تجف نهائيا، ثم بعد يوم او يومين يعاد
تسخينها في الكانون لتكون مهيئة للطحن وسهلة لذلك، حينها يتم طحن هذه
الحبات في المطحنة اليدوية، وما يتساقط من الطاحونة عبارة عن دشيشة يسمى
“إِوزان إيمامز” اما ما يتساقط وهو طحين يسمى “زمبو”.
طريقة تحضير اوزان امامز:
ثمة عدة طرق لتحضير أكلة من دشيشة الشعير
غير المكتمل النضج، يمكن أن تضيف قليلا من الماء المغلى والملح الى كمية من
الدشيشة وتركها لمدة نصف ساعة حتى تشرب ذاك الماء جيدا ثم يضاف اليه زيت
الزيتون وتأكل هكذا، وغالبا ما يستعمل الريفيون الأكلة فطوراً في بعض
المناسبات مثل عيد المولد النبوي، ويكون مذاق هذه الأكلة لذيذا جدا يختلف
كثيرا عن مذاق دشيشة الشعير المعروفة، كما يمكن أن تُسقى هذه الدشيشة
باللبن عوض زيت الزيتون، كما تستعمل في اعداد حساء “إِوزان إيمامز” والكثير
من الاستعمالات الاخرى.
أما الطحين الذي تخلفه هذه الدشيشة والتي
قلنا انه يسمى في الريف ب”زمبو” فإن طريقة اعداده سهلة جدا، يتم خلطه مع
قليل من الماء والملح وزيت الزيتون، ويأكل هكذا لأن اصلا هذا الطحين يكون
محمصا وذا مذاق جيد، كما يقوم البعض بدحرجة ثمار التين والتين الشوكي في
هذا الطحين “زمبو” وأكلها.
تاريخ الأكلة:
كثيرة هي القصص التي تروى عن تاريخ هذه
الأكلة الشعبية، لكن أكثرها تداولا تتحدث عن رجل ريفي في سنوات غابرة، داهم
الجوع أسرته ولم يجد ما يسد به رمقهم، حدث ذلك اواخر شهر ماي، أي قبل
أسابيع من انطلاق الحصاد، بعد ان استنفذ مخزون الحبوب والتين المجفف
والزبيب الذين كانوا هم عناصر بنك احتياط مقاومة الجوع أنئذ، حتى امكانية
اعداة اكلة من البقول غير ممكن في مثل هذا الوقت حيث تكون أغلب البقوليات
قد يبست او كادت.
ظل هذا الرجل الريفي يفكر كيف له ان ينقذ
اطفاله من الجوع الداهم، استنفذ كل الطرق ولم يهتد الى شيء، الى أن خطرت
على باله فكرة أن يقصد حقله المزروع بالشعير، وراح يقطف السنابل ثم عاد بها
الى المنزل وقام بتفتيتها وتحميصها من أجل طحنها وصنع منه رغيف يسد به
رمقهم، فاكتشف المذاق الرائع لهذه الطريقة التي أعد بها سنابل الشعير،
فأصرّ أن يعيد التجربة الموسم المقبل في نفس هذا الوقت، ومن بعد ذلك اكتشف
معه اهل الدوار مزايا هذه الأكلة وامكانات تخزينها لمواجهة عوادي الزمن،
حتى صارت أكلة شعبية بامتياز، وصارت عنوان المحبة وتجديد اواصر الارتباط
بالارض، حيث عندما بدأت موجة هجرة الريفين الى اوربا بداية الستينيات من
القرن الماضي، كانت أسر هؤلاء تحرص أيما حرص على تخزين كمية من “إِوزان
إيمامز” لتقديمها لابنائها العائدين في العطل الصيفية، كما أن هؤلاء
المهاجرين عندما كانوا يتواصلون مع عوائلهم عبر الرسائل واشرطة الكاسيط
حينئذ كانوا يطلبون منهم أن لا ينسوا ان يحتفظوا لهم بحقهم من “إِوزان
إيمامز”، وما زالت لحد الان لهذه الأكلة شهرة كبيرة في المنطقة والمناطق
المجاورة.
لكن، الآن أضحى إعدادها يتم بطرق عصرية
تدخلت فيها المكننة وهو ما يجعلها لا تحتفظ بقوة ذاك المذاق الرائع،
ومازالت دشيشة “اوزان امامز” تباع في مدن الشمال بثمن يفوق 50 درهما
للكيلوغرام.
انها أكلة قاومت الجوع في وقت كانت
المجاعة فيه مرادفة للموت، ربما لذلك ثمة اصرار كبير من ساكنة الريف على
الارتباط بهذه الاكلة الجميلة كنوع من الوفاء.