تحرير : نجيم السبع
تعد طرق تخزين وإعداد الطعام من بين أهم مواضيع التراث المادي للشعوب المختلفة، فالطعام حاجة بيولوجية حيوية بالنسبة للإنسان، لكن إنتاجه والعمليات المرتبطة بتخزينه وإعداده تحكمت فيها مجموعة من العوامل الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية، لكن يبقى أهمها هي العوامل الثقافية التي صاغت إلى حد بعيد تصورات الشعوب عن الطعام وما ارتبط بها من قيم وطرق وأساليب تحكمت في إنتاج وإعداد وتخزين الطعام.
تعد طرق تخزين وإعداد الطعام من بين أهم مواضيع التراث المادي للشعوب المختلفة، فالطعام حاجة بيولوجية حيوية بالنسبة للإنسان، لكن إنتاجه والعمليات المرتبطة بتخزينه وإعداده تحكمت فيها مجموعة من العوامل الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية، لكن يبقى أهمها هي العوامل الثقافية التي صاغت إلى حد بعيد تصورات الشعوب عن الطعام وما ارتبط بها من قيم وطرق وأساليب تحكمت في إنتاج وإعداد وتخزين الطعام.
ويحفل التراث المغربي عموما والتراث الأمازيغي خاصة في منطقة الريف بطرق وأساليب عديدة عن كيفية وتخزين وإعداد الطعام لدى هذه المجتمعات المحلية، وقد تحكمت في هذه العملية ظروف مختلفة جغرافية واقتصادية واجتماعية، إضافة إلى ثقافة المجتمع التي أبدعت في هذه الطرق بما يتناسب وتصورات وقيم ومفاهيم هذا المجتمع عن الطعام.
1 ـ الحبوب: سوف نتحدث عن طريقة المطامير “ثسرافت”؛ حيث تعتبر أكثر طرق التخزين انتشارا واستعمالا، والمطمورة عبارة عن حفرة لها مواصفات محددة لأداء وظيفتها المطلوبة.
يختار موضعها بعناية وعادة ما يكون مبناها محاط بتربة صلصالية تعيق تسرب المياه، وتتعمق عن سطح الأرض بحوالي مترين، وهي أسطوانية الشكل من قطر يماثل أحيانا نفس العمق، جدرانها الداخلية مبنية بالحجارة والصلصال الممزوج بالتبن ويتم تمليطها من الداخل بالجير المحروق، وتترك مفتوحة في فصل الصيف (أيام العنصرة وهي الأربعين يوما الأولى من فصل الصيف وتنتهي يوم 25 يوليوز) بهدف التهوية والتشميس، وفي بعض الأحيان يتم تعقيمها عن طريق إيقاد النار في أعشاب يابسة تلقى بداخلها بهدف طرد الحشرات الضارة والجرذان.
أثناء عملية التخزين يوضع بعض الهشيم “أمو” أو التبن أو بقايا النبات اليابس بين الجدار الداخلي والمنتوجات الفلاحية المخزنة، ولا تتعدى مدة التخزين أكثر من ثلاث سنوات إلا حسب طبيعة المنتوج (خاصة الشعير)، وإذا طالت المدة فسد المنتوج وعافته الماشية.
2 ـ الزيتون: نميز فيه بين نوعين؛
– “أحباس”: حيث يوضع في ركن من غرفة تسمى “ثيغاغت” في حفرة محاطة بأعشاب زكية (زعتر، ثمينتا، فريو، أزمراز)، وترش عليه الملحة (حجر الملح) ويترك 20 يوما لنضج.
– “أرمشروظ”: تختار حبات ناضجة كبيرة الحجم، تشرط بسكين حاد، ثم يحضر ماء ساخن ورماد مغربل “ثنيفست”، ويوضع الزيتون معها في قلة “ثقبوشت” ويغلق بقطعة ثوب “رمغطا”، بعد 15 يوما يستخرج من القلة ويغسل جيدا ويضاف إليه ماء جديد وملح وأحيانا فلفل حار أو ليمون، ثم بعد 15 يوما أخرى يستخرج ويعرض في سلة “سوكت” في الشمس، ثم يخزن في “ثقنوشت” من جديد للاستهلاك.
3 ـ العسل: كانت تربى النحل في كوخ مصنوع من أعواد الخشب مطلي بالطين، حيث توضع فيه جرار فخارية يربى فيها النحل تسمى “ثغاراست”، وحينما يحين وقت جني العسل يتم تبخير الكوخ لطرد النحل ثم يجنى العسل، وتعصر فطائر العسل “ثنكوشت” وبعد تصفية العسل في غربال “ثجونت”، يخزن في جرة فخارية تسمى “ثقذراث.
4 ـ الكرموس (التين الجاف): بعد نضج ثمار التين “ثزاث”، تشرح وتملح وتوضع على حصير في الشمس على السطح أو في أي مكان مرتفع وترش بالزعتر، ثم تترك مدة فصل الصيف. وهناك طريقة أخرى حيث تأخذ ثمار التين وتعلق في حبل من الصوف على شكل سبحة وتترك في الشمس حتى تيبس ول الصيف. وتخزن التين الجافة “الكرموس” في آنية مصنوعة من الحلفاء تسمى “ثزارحت”.
5 ـ القديد: يوضع اللحم على خيط ليجف بواسطة الشمس، ويصاف إليه الملح والأعشاب وبعض التوابل، ثم يأخذ ويوضع في جرة فخارية “ثقبوشت” مغطاة بثوب.
6 ـ الشحم: “ثدونت”، تجفف في الشمس بعد تمليحها ثم تذاب في النار وحتى تتماسك، تأخذ فتحفظ في جرة فخارية “ثقذرات”.
7 ـ الزبيب: تأخذ حبات العنب الناضجة وتعرض في الشمس لتجف، أو تترك في الكرمة حتى تجف مع إحاطتها بشبكة أو ثوب رقيق حتى لا تتعرض لها الطيور، ثم يخزن الزبيب في “ثزراحت”.
لقد توضح لنا من خلال النماذج المقدمة عن طرق تخزين وإعداد الطعام بمنطقة الريف شمال المغرب، غنى التراث المادي الأمازيغي والمغربي عموما، كما نستخلص من هذا التراث قيم الإبداع والابتكار التي ميزت المجتمع للتكيف مع الظروف الطبيعية والاقتصادية التي مر بها، كما تعكس من جانب آخر ثقافة المجتمع القبلي المتميزة بالاعتماد على الذات واستغلال الموارد المتاحة محليا، مع حس ذوقي وجمالي من خلال طرق التحضير والأدوات المستخدمة التي نجد غالبتها من مواد أولية من البيئة المحلية (فخار، حلفاء، صوف)، إضافة إلى العناية بالجانب الصحي.
تقدم هذه المادة العلمية للدارسين فرصة مناسبة لدراسة المجتمع القبلي الأمازيغي من النواحي الاجتماعية والثقافية والصحية، ومن جانب التاريخ الغذائي للمغرب، في أفق جمع وتدوين كل ما تعلق بالطبخ المغربي عبر العصور التاريخية، قبل أن تأتي موجة الحداثة والمعاصرة على بقية الأشكال التراثية السائدة في المطبخ المغربي.
إليكم الفيديو: