بقلم محمد مكاري
يروي السيد الحاج العربي البالغ حاليا من العمر 107 سنة، أنه
كان في عمر الثالثة عشرة، عندما اندلعت أعمال السيبة الآثمة،
وأن أول دار حرقت في منطقة بني يحي كانت دار عمة له، وأن قبائل بني يحي التي تضم دوار تونس، دوار بوشن، دوار بني عيسى، دوار خندق سلان، ودوار الزاوية، أعدت عدتها وجمعت أغراضها، وسرجت الأبقار والبغال والحمير، وحملت ظهورها بالأفرشة والبطانيات، وانطلقت لاجئة وباحثة عن مكان أكثر أمنا، وأنه خلال هذه الرحلة قضى عدد لا يستهان به من المرضى وكبار السن، وعندما وصل اللاجئون إلى وادي بورد، اعترضت قبائل صنهاجة طريقهم، وأنهم لما سمعوا جلجلة بنادقها، حولوا وجهتهم إلى وادي صاغور قرب أربعاء بورد..
ويذكر أيضا كيف أن وابلا من المطر
أصابهم وجعلهم يقضون ليلتهم هناك في إحدى غابات الوادي، وخلال تلك الليلة
أضرموا النار وأعدوا الطعام، قبل أن يسمع صوت مناد – وقد كان جده – ينادي
يا قبائل بني يحي وقد عرض أسماءهم واحدا بعد الأخر، خذوا حذركم فاللصوص
كثر هنا ولا تناموا أو تغفلوا أبدا عن الأسلحة التي بحوزتكم.
ومن النوادر الغريبة التي حكاها السيد الحاج والتي تظهر حجم ما
كان من غل في صدور الناس في ذلك الوقت، أن أما حلقت رأسها كالرجل تماما،
وأقسمت اليمين أن لا تدع أية شعرة تنمو في رأسها ما لم يتم الانتقام لدم
ابنها الذي راح ضحية جريمة شرف، وقد برت بقسمها وظلت على ذلك مدة من الزمن،
إلى أن شفى صدرها وتحقق غيها، عندما طعن القاتل بمدية كبيرة من طرف قتلة
مأجورين بعد أن أوقعوه في كمين رهيب.
ومن المشاهد المثيرة والطريفة
التي حكاها السيد الحاج العربي أيضا، قصة مصرع رجل يدعى “بوكاس” الذي قيل
عنه أنه كان أمين سر القائد عمر دحميدو وذارعه اليمنى، حيث أنه عندما أراد
القائد إخضاع قبيلة بني يحي، اندلعت معركة طاحنة بين قبيلة بني يحي من جهة،
والقبائل التي كان يتزعمها القائد – الذي كان مدعوما من طرف فرنسا – من
جهة ثانية، وقد كان وادي أسفالو نقطة التماس بينهما، وخلال دوارن رحى
المعركة تمكن “بوكاس” الذي كان يملك منظرا أحادي العين من قنص أحد مجندي
قبيلة بني يحي، عندما أطل برأسه من خلف شجرة بمنطقة البيبان، فانتشر الخبر
بين مئات المقاتلين المرابطين، فوقع خلط في الأسماء، فاعتقد شخص منهم أن
الأمر يتعلق بأخ له، فتسلل متواريا ومتبعا أحد مجاري المياه إلى حيث المكان
الذي كان يتواجد فيه القناص “بوكاس” فأمهله حتى وضع المنظر في عينه لرصد
هدف جديد، وباغثه على حين غفلة منه بضربة في الرأس ثم أصابه شخص ثاني من
رفاق المهاجم بكسر في فخذه، قبل أن يلتف باقية المقاتلين عليه ويأسروه،
وبعد ذلك تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود وعرف من المقتول الحقيقي،
فأراد أخ القتيل الفعلي الانتقام لأخيه عن طريق حرق الأسير بوكاس حيا، غير
أن الجميع اعترضوا على ذلك معتبرين ذلك يخالف ديننا الحنيف ووصايا نبيه
الكريم عليه أزكى الصلاة والسلام.