بقلم : عبد المجيد عموري
حينما غادر "البيرت بارطيلس" هامبورغ على متن سفينة “اوطو فورمان” يوم 6 فبراير 1903 لم يكن قد تجاوز التاسعة عشر من عمره ،وجهة رحلته كانت مدينة مازاغان (الجديدة) على الساحل الاطلسي للمغرب للاشتغال كتاجر لصالح احدى الشركات الألمانية التي تملك فرعا لها هناك.
دامت الرحلة البحرية 14 يوما قبل ان تحط الباخرة رحالها في ميناء كان يعد آنذاك احد اهم الموانئ المغربية المنفتحة على العالم الخارجي ..بدت المدينة لأول مرة بأسوارها وبيوتها المربعة الشكل كدير رهبان او كقبر كبير كما عبر عن ذلك “سي هرمان” في مذكراته الصادرة سنة 1925 باللغة الالمانية تحت عنوان “بمفردي /من تلقاء نفسي ..تجاربي قبل الحرب العالمية وأثناءها في المغرب.
طبيعة عمل ألبيرت فرضت عليه الاتصال اليومي والمباشر بالأهالي وخصوصا التجار منهم ،وبالرغم من وجود مترجم مساعد الى جانبه فان فضوله ورغبته في التواصل وكسب ثقة المغاربة- خصوصا وان هدف إقامته في المغرب كان يتجاوز العمل التجاري الى النشاط الاستكشافي والاستخباراتي ،بالرغم من انه لم يفصح عن ذلك في مذكراته-جعله يتعلم الدارجة المغربية التي صار يتحدثها بشكل جيد بالاضافة الى الفرنسية والإنجليزية . بعد ستة أشهر من قدومه سيغادر الجديدة ليباشر عمله في عاصمة الجنوب مراكش. هناك سيلتقي ببعض القياد ذوي النفوذ كالكلاوي .
خلال شهر ابريل من سنة 1904 سيرافق المستكشف الألماني albrecht wirth -الذي سيصبح فيما بعد احد اهم منظري النازية- ،سيرافقه في رحلة استكشافية لمرتفعات جبال الأطلس المحيطة بمراكش . بعد ذلك بسنة تقريبا ، وبالضبط نهاية مارس 1905 سيسافر الى طنجة ليكون ضمن الوفد المستقبل للقيصر الألماني غيوم الثاني اثناء زيارته الشهيرة للمدينة . لتجربة والخبرة التي راكمها اثناء إقامته المتواصلة في المغرب أهلته سنة 1912 لافتتاح شركة تجارية جديدة باسمه بالرباط ،ليتزوج بعد ذلك من سيدة انجليزية هي ابنة القنصل الانجليزي بمازاغان .
صيف 1914 ستندلع الحرب العالمية الاولى ،الحدث الذي سيقلب حياة ألبيرت والألمان المقيمين بالمغرب رأسا على عقب ،حيث سيتم اعتقالهم من طرف الفرنسيين ويتم ترحيلهم نحو ميناء وهران من هناك سيتم اقتيادهم نحو معتقل سبدو الشهير جنوب تلمسان ،سيتمكن رفقة ألمانيين اخرين من الفرار خلال شهر أكتوبر من سنة 1915 ليصل بعد رحلة على الأقدام دامت 9 ايام منطقة راس الما وبالتالي اللجوء الى منطقة الحماية الاسبانية في شمال المغرب ،حيث سيتمكن من الدخول الى مليلية التي كانت آنذاك تعج بالمخبرين والعملاء الالمان .هناك سيتم تكليفه بمهمة مساندة مواطنه فرانز فار Franz Farr الذي كان يتواجد آنذاك داخل قبائل الريف التي لم تكن خاضعة بعد للاحتلال الاسباني ،بهدف حشد وتجنيد بعض المقاتلين لفتح جبهة على الحدود الجنوبية لمواجهة الفرنسيين .
فرانز فار مهندس سبق له ان اشتغل في الشركة الاسبانية الألمانية la navarette احدى الشركات التي استغلت مناجم الريف . مع اندلاع الحرب الاولى كلفته الحكومة الالمانية بالعودة مجددا الى المغرب لمساندة الشريف عبد المالك بن عبدالقادر الجزائري قائد ما اطلق عليه آنذاك اسم. “عملية المغرب”وهي خطة تركية-ألمانية كانت ترمي الى تجنيد المغاربة وتمويلهم لإحداث إنتفاضة في قبائل المنطقة الفرنسية لطرد الإحتلال او على الأقل منع الفرنسيين من إرسال المزيد من مرتزقتهم الى ساحات الحرب الدائرة آنذاك في أوروبا ، قام فرانز بجولة في العديد من قبائل الريف من بين الأعيان الذين التقى وتفاوض معهم يرد اسم القاضي عبد الكريم الأب .-.هذا موضوع سنعود اليه لاحقا-..لم تكن الإستجابة” لفرانز” في حجم ماكان يأمله ..بل انه واجه صعوبات ولم يستطيع إقناع عامة الناس التي كانت تنظر اليه بعين الريبة والشك .
نوفمبر 1915 سيغادر ألبيرت والذي إتخذ لنفسه إسما حركيا هو سي هرمان مليلية: “”يجب أن أتسلل إلى داخل المغرب ، ليس بغرض التجارة هذه المرة ، ولكن للقتال”” كما عبر عن ذلك في مذكراته قبل ان يستطرد: “أربعة أسابيع بعد فراري من سبدو ،بالضبط عشية يوم 7 نوفمبر 1915 غادرت مليلية بمفردي في هيئة شيخ عربي ودون أن أحمل معي ولو قطعة سلاح واحدة””. مرورا بقبيلة قلعية سيصل الى سيدي عيسى بقبيلة مطالسة حيث سيتم إلقاء القبض عليه من طرف بعض مقاتلي “الشريف الشنكيطي” الذين كانوا في حرب دائمة مع الإسبان ،””بهدوء توسطت جمعهم وخاطبتهم بلغتهم :أتيت إليكم كألماني وكصديق للمحمديين …أطلقوا سراحي وأرسلوني تحت حراسة عشرة من المقاتلين إلى منزل الشيخ بورحايل “”هناك سيلتقي بمواطنه فرانز فار الذي كانت حالته الصحية متدهورة نتيجة عملية تسميم تعرض لها ،مما اضطره الى المغادرة نحو مليلية هناك سيفارق الحياة ثمانية أيام بعد ذلك .
تولى سي هرمان إتمام مهمة فرانز فحاول كسب ثقة بعض أعيان الريف ،كان يتوخى منهم دعما لمشروعه المقبل في محاربة الفرنسيين ،في المقابل كان قياد الريف يرون فيه مصدرا مهما للمال والسلاح الذين هم في أمس الحاجة إليه ،كتب في مذكراته :””بعد يوم من حديثي مع بورحايل ،عزمت على زيارة الشريف الشنكيطي أحد أهم رجالات المنطقة ،كنت على وشك الخروج عندما حضر الى خيمتي عدد كبير من الشيوخ والقياد ، كان من بينهم الحاج عمر لمطالسي وصهره بورحايل ،طلبوا مني 4000 قطعة رصاص ،مدعين أن إحدى القبائل المعادية تستعد للهجوم عليهم ،وبما أن فرانز سلم لي مايقارب 8000 طلقة لبيت طلبهم “”هناك سيتعرف على القائد عبد النور الذي سيصبح اقرب مساعديه .
سيغادر المنطقة تحت حماية قوات تابعة للحاج عمر المطالسي والذي أهدى له فرسا ،ليلتحق بعبد المالك محيي الدين بن عبد القادر الجزائري الذي كان قد أقام معسكرا بسوق الأحد بأجزناية ناحية تازة.
قوات عبد المالك -آنذاك -لم تكن تتعدى 300 مقاتل، جلهم من قبيلة غياتة يترأسهم القائد عزوز ،كان ذلك أقصى ما تمكن الشريف عبد المالك الذي كان يطمع أن يتوج يوما ما سلطانا للمغرب من تجنيده ،اذ أن طبيعة شخصيته المزاجية وتعاليه، جعلت أغلب الأعيان والقياد يرفضون مساعدته أو التعامل معه ،أضف الى ذلك ان سيرة الرجل المتقلبة لم تكن خافية على معظمهم ،حيث سبق له أن قاتل إلى جانب الزرهوني قبل أن ينسحب ليلتحق بالجيش السلطاني ،ثم انقلب مرة اخرى ليساند ع الحفيظ ضد أخيه السلطان ع العزيز ..بعد إنشاء شرطة الموانئ المغربية عين كقائد لها بمدينة طنجة والتي غادرها سنة 1915 بعد تجنيده من طرف الأتراك والألمان لخدمة مشروعهم في المغرب . لكل هذا لم يكن شخصا جديرا بالثقة في نظر أعين الكثيرين .
أمام هذا الوضع كان على سي هرمان أن يتكلف شخصيا بمهمة البحث عن حلفاء جدد من بين أعيان القبائل المحيطة بتازة. فبادر الى الاتصال بالحاج حمادة على الرغم من علمه بعلاقة هذا الأخير بالمقيم العام الفرنسي ليوطي.: “استقبلني قائلا : اه انت هو الألماني سي هرمان ؟ماذا جاء بك ..الا تخاف مني ؟ أجبته :لا ،جئتك عارضاً عليك صداقتي التي أرجو أن تقبلها .أذن لي بالجلوس وقال : هات ما عندك ؟كشفت أوراقي أمامه ،وأخبرته ان عبد المالك كذلك بجانبنا ،رد علي غاضبا فليذهب الشريف الى الجحيم ،انه لا يحظى بثقتنا ،لقد مللنا تهديداته وإهاناته ..لسنا بحاجة اليه كشريف ..””
إستطاع سي هرمان كسب ثقة الحاج حمادة وأقنعه بالوقوف بجانبه .أيام بعد ذلك سيتم القيام بأول هجوم على بعض المواقع المتواجدة في قبيلة ولاد بيكر المتحالفة آنذاك مع الفرنسيين ..لم يتأخر رد فعل القوات الفرنسية ،حيث أنه بعد يوم أو يومين من الهجوم. جهزت قواتها للهجوم على معسكر سي هرمان وعبد المالك . بالرغم ان عدد قواتهم كان قد عرف تطورا ليصل الى عدد 1200 مقاتل الا أنه لم يكن ليصمد أمام آلة الحرب الفرنسية التي تفوقها عدة وعددا لذا تم إرسال الرسل الى القبائل الاخرى طلبا للدعم الذي لم يتأخر حيث حضر الكثير من المقاتلين وان كان بعضهم حضر طمعا في الغنيمة أكثر من رغبة حقيقية للقتال كما عبر عن ذلك ألبيرت ..لتنطلق أولى المواجهات العسكرية والتي أورد ألبيرت بارطيلس تفاصيلها في مذكراته ،التي سأنقل منها النص التالي ..”””وصلتنا أخبار عن تحرك الفرنسيين من جهة الجنوب الغربي في اتجاه مواقعنا ،فإنطلقنا مع الساعات الأولى من الصباح في كتائب متفرقة .فرقة الفرسان التي كنت أتواجد ضمنها عبرت المرتفعات في إتجاه قبيلة البرانس . على الضفة الشرقية لواد مكناسة ترجل فرسان البربر ليعبروا مياه النهر الباردة الى الضفة الأخرى ، مع الساعة 5 صباحا كنا قد وصلنا إلى المرتفع المطل على Ain Cela على الضفة الغربية لواد مكناسة ..هناك استقبلتنا مدفعية الفرنسيين بطلقاتها المتواصلة ،معلنة إنطلاق المواجهات ،لم تسبب لنا مدفعيتهم خسائر تذكر نظرا للموهبة القتالية للأهالي ،حيث يقومون بإستعمال كل صخرة او مرتفع أرضي كمخبأ وملجأ للحماية .لم يبخل علينا مقاتلي القبائل المعادية والذين كانوا الى جانب الفرنسيين بطلقاتهم المكثفة خصوصا وأنهم كانوا أكثر تسليحا منا ،في المقابل كان علينا نظرا لتواضع مخزوننا من الطلقات الاقتصاد الشديد ،كنا ملزمين بالتصويب الدقيق والهادئ. مر اليوم الأول من المواجهة دون ان يتمكن الأعداء من التقدم أكثر من أمتار قليلة .صوت طلقات المدافع المدوية والتي كانت تسمع عن بعد ساهمت في إلتحاق مقاتلين جدد من المناطق القريبة بالجانبين، حيث قدم العديد من المقاتلين من اجزناية و مطالسة لمساندتنا .صبيحة اليوم الثاني إحتدت شدة وشراسة المواجهات وإرتفعت نسبة الخسائر ،بدأ مخزوننا من الطلقات ينفذ ، اضطررنا للتراجع لمسافة 500 متر عن مواقعنا .أصبح الوضع في غاية الخطورة …خلال تلك الأثناء تلقينا دعما جديدا حيث التحق بنا مقاتلوا قبيلة ولاد بوريمة ،القبيلة التي كانت قد أعلنت حيادها سابقا ،التحقوا بنا من الجنوب الشرقي . ومن الشمال التحق بنا مقاتلوا قبائل بني توزين وبن الطيب ذوي التجربة والمتعودين على القتال .
استقبلنا اليوم الثالث بعزيمة أقوى ،اتفقنا على أن تتكلف الفرق الملتحقة حديثاً بفتح جبهتين جديدتين للمواجهه،واحدة في الشمال وأخرى في الجنوب ،بينما ظللنا نحن في مواقعنا المقابلة للعدو شرقا ،نجحت الخطة :أحس العدو ان جناحيه أصبحا محاصرين ،فبادر بالإنسحاب بعد مرور ثلاث ساعات من القتال ،لنعود من جديد لإحتلال مواقعنا الأولى .لكن نظرا لقرب نفاذ مخزوننا من الرصاص لم يكن بإمكاننا الاستمرار في مطادرتهم ، مع ذلك فقد تم تحقيق الأهم :النصر …””
كان لهذا الانتصار الرمزي وقعه وأثره في رفع معنويات المقاتلين وقائدهم عبد المالك الذي اقترح ايام بعد ذلك خطته للهجوم على مركز فرنسي بعين بوقلال . سيفشل الهجوم، لعلم الفرنسيين المسبق عن طريق جواسيسهم بالموعد ..على هذا المنوال سارت المواجهات لمدة ثلاث سنوات كان على معسكر عبد المالك وسي هرمان ان يغير مواقعه مرات متعددة ..حيث تعرض معسكرهم في سوق الأحد لهجوم فرنسي في يناير 1916 أبدى فيه المقاتلون مقاومة شديدة قبل ان يضطروا الى الانسحاب تاركين وراءهم خيامهم وعدة حربية مهمة غنمها الفرنسيين .(انظر خريطة مرفقة من رسم بارطيلس تبين مواقع المواجهات ومعسكرات التجمع ، سواء الفرنسية منها أو تلك التي كانت تحت قيادة عبد المالك وبارطيلس ).
لم تكن العلاقة بين الرجلين على مايرام حاول سي هرمان مرارا إقناع الحكومة الألمانية بضرورة البحث عن حليف جديد خصوصا وان شخصية عبد المالك لم تكن تحظى بسمعة جيدة كما أشرنا الى ذلك سابقا ،لكن الجواب الذي كان يتلقاه كل مرة كان هو ان ظروف سياسية دولية تفرض علينا التعامل مع عبد المالك ..إشارة الى الاتفاق التركي الألماني ..كان بود بارطيلس الالتحاق بقبائل بني وراين في مقدمة جبال الأطلس حيث كانت له اتصالات ببعض القادة هناك ..ساءت الأمور بين الرجلين الى الحد الذي جعل بارطيلس يغادر على غفلة من الجميع الى مليلية .سيعود مرة اخرى تحت ضغط حكومة بلاده .
صيف 1916 سيتلقى معسكر بارطيلس الذي كان انتقل الى منطقة بوحدود دعما من طرف عبد الكريم -الأب-يقول في هذا الصدد””بما ان قوتنا الحربية الجديدة كانت صغيرة نسبيا ، فإنني تلقيت خبر موافقة سي عبد الكريم على دعمنا ب 200 مقاتل بسعادة كبيرة . ..في الوقت الذي انطلق فيه عبد المالك مع المحلة عبر اجبارنة لمواجهة العدو ،بقيت انا في المعسكر للتفاوض مع عبد الكريم الذي كان قد وصل في التاسعة صباحا بعد رحلة دامت يومين ،قدمت لهم الطعام والشراب وتركتهم يستريحون لمدة قبل ان ننطلق جميعا للالتحاق بجبهة المواجهات .التقينا عبد المالك في سفح جبل سوق الأحد جالسا تحت ظلال شجرة متابعا بقلق مآل المعركة ،التحق رجال عبد الكريم برجالنا ليواجهوا العدو بشراسة ، مما اضطره للانسحاب زوالا .قام عبد المالك بتحية رجال عبد الكريم وقدم لهم شكره على دعمهم ،قبل ان يمتطي فرسه عائدا ً الى المعسكر “”.
اذا صدقنا بارطيلس فان العلاقة بين القاضي عبد الكريم والشريف لم نكن على مايرام يقول في الصفحة 136 “”…كان معنا كذلك عبد الكريم ،والذي لم يكن الشريف يطيق رؤيته في صحبتي ،ذلك طبعا لحقده وحسده من موقعه المؤثر ..كان على وشك ان يصير عدوه ، حيث كان يقوم بتحريض القبائل ضد عبد الكريم بقوله انه يعمل لصالح الإسبان ويريد ان يساعدهم على احتلال الريف .في احدى المرات كان على الكريم دفع غرامة باهضة لافراد قبيلته حتى يتمكن من العودة والاستقرار بين ظهرانهم بعد ان قاموا بطرده رفقة عائلته ..كم كنت احس بالاسف لما تعرض له هذا الرجل الشجاع جراء مؤامرات الشريف الخبيثة ..””
تطرق سي هرمان في مذكراته أيضاً الى مشكلة التموين التي كانت تؤرق باله ،اقرب وأسهل منطقة كانت هي الساحل الريفي ،وخصوصا. جزءه الخاضع للأسبان ،شكلت مليلية موقعا هاما ومنطلقا لعمليات تهريب الأسلحة نحو مناطق المواجهات ،مما يؤكد التواطؤ الإسباني ،حيث كانت السلطات الاسبانية تغض الطرف إن لم نقل تشجع مثل هذه العمليات رغبة منها في توجيه أنظار القبائل الى المواجهة مع الفرنسيين. تكلف بعض القواد المحليين في تأمين سير قوافل التأمين مثل الحاج عمر المطالسي والشريف الشنكيطي .
جزء كبير من السلاح كان يشتريه من تجار /مهربين محليين .بالرغم من ذلك ظل بارطيلس يحاول إيجاد طريق جديد للتموين حتى وان كانت أبعد جغرافيا وخصوصا أنه كان يتخوف من أن يسيطر الريفيون على الأسلحة لاستعمالها في المواجهة ضد الإسبان .هكذا كان يأمل في الحصول على حصته من الأسلحة التي حملتها غواصة ألمانية رست يوم 14 نوفمبر 1916 في منطقة كاب درعة في جنوب الساحل الأطلسي محملة بالأسلحة وكميات من الذهب كانت موجهة أساسا لتمويل انتفاضة الهيبة ،استقل ربانا الغواصة مركبا مرافقا بعد ان حملوه بالعتاد الحربي .بالقرب من الشاطئ تعرض المركب لحادث إنقلب على اثره لتتعرض الحمولة للغرق في قاع مياه الأطلسي .
اواخر سنة 1918 بالضبط يوم 11 نونبر سيتم توقيع الهدنة التي أنهت الحرب الاولى وأعلنت انهزام ألمانيا، وبالتالي إنهاء عملية المغرب ، سيضطر سي هرمان الى المغادرة نحو مليلية صحبة 70 مقاتل يزناسي من المخلصين له ،فاوض ألبيرت الإسبان. طالبااللجوء لرفاقه اليزناسيين ،سيوافق الإسبان في البداية ،لكن مع إشتداد الضغط الفرنسي ، خصوصا انهم ينتمون لمنطقة تابعة لهم ،سيضطر معه المسؤولين الإسبان لتسليمهم ، حيث سيتم إعدامهم لتنطلق المواجهات-هذه المرة ضد الاسبان- من جديد في منطقة شهدت اهدأ فتراتها. أثناء الحرب الاولى …(انظر صورتهم مرفقة بالمقال).
سي هرمان سيغادر الى اسبانيا ليقيم هناك مدة قبل ان يعود شهر يوليو من سنة 1920 الى هامبورغ هناك سيمنح له وسام وطني .
فشلت عملية المغرب حيث ان المناوشات التي ظلت محدودة في المنطقة المحيطة بتازة لم تؤدي الى ثورة شاملة تعم كل القبائل لتشكل تهديدا حقيقيا للفرنسيين كما كان يأمل الألمان ،لكن جزء من الأسلحة التي أحتفظ بها من شارك في العمليات ستكون هي الأسلحة نفسها التي ستنطلق منها -بعد ذلك بسنوات-أول طلقة معلنة ميلاد مقاومة بطولية خالدة،أضف إلى ذلك ان العديد من القادة الذين سيشاركون فيما بعد في حرب الريف كانوا هم نفسهم من ساهم في عملية المغرب ..وإن كان بعضهم سيغير مواقعه ليلتحق بصف القوات الاستعمارية .أبرز مثال هو عبد المالك نفسه الذي ستجنده إسبانيا ليتزعم فرقة من المرتزقة المغاربة المنضوية تحت لواء السلطة الاستعمارية الإسبانية لمواجهة جيش الريف الذي أسسه الامير فيما بعد .
سنة 1924 خلال احدى المعارك ببني توزين ،سيسقط عبد المالك قتيلا بعد ان أصابته رصاصة أحد المقاتلين الريفيين .
سيحاول الإسبان تجنيد سي هرمان مرة اخرى لمواجهة محمد بن عبد الكريم الا أنه رفض .سيعود مرة أخرى الى إسبانيا منتصف الثلاثينات ليكون احد أعضاء فرقة كوندورLegion Condor ..وهي فرقة عسكرية ألمانية سرية قاتلت الى جانب قوات فرانكو اثناء الحرب الأهلية الاسبانية وهي الفرقة المسؤولة عن عملية قصف غرنيكا الشهيرة ..توفي albert bartels سنة 1970.