الثلاثاء، 9 أغسطس 2022

من وضع حدّاً لفرنسا في المغرب؟ ومن ساهم في نيل الإستقلال؟ وما المصير الذي آلت إليه؟


باختصار؛ دعك من مناضلي الصالونات، والخطابات، والطرابيش الحمراء، والكتابات المنمّقة في الصحف والمجلات، واعلم أنّ الذي طرد العدوّ الفرنسي من المغرب هي قبيلة إكزناين الريفية الأمازيغية. 

ودون أي مزايدات على باقي قبائل الريف العظيمة. لأنّه كان من سوء حظّ فرنسا أنها لمّا قسّمت المغرب بينها وبين الإسبان، كانت قبيلة اكزناية (إكزنّاين) تحت نفوذها، وللأسف بسبب الجهل المطبق على هذه القبيلة، كانت منذ العشرينات تضغط على الزعيم الخطّابي كي يفتح جبهة ضد الفرنسيين، مع أنه كان في حروب طاحنة ضد الإسبان، كأنّ لسان حالهم يقول (نحن قاتلنا معكم الإسبان ويجب أن تقاتلوا معنا الفرنسيين)، وهذا خطأ كبير.

فلو صبر هؤلاء حتى ينتهي الخطابي من الإسبان لربما عجّل الخطّابي بطرد الفرنسيين عام 1924 بدل أن يُطردوا عام 1956. على أيّ حال، هذه القبيلة (إكزناين) المنبوذة كلياً، والتي سخطت عليها السماء والأرض بحيث زحف عليها التصحّر من الشرق، وتحوّلت تربتها في الجنوب إلى لون الرصاص لا تكاد تنبت شيئاً، هي التي طردت فرنسا، وقد سماها الفرنسيون "مثلث الموت" لأنهم كانوا يرسلون إليها آلاف الجنود ويتساقطون تباعاً كأنّ الأرض تبتلعهم، رغم أنّ الفرنسيين كانوا يحرقون المنطقة بالقصف الطيراني والمدفعي قبل أن ينزل بها جنودهم، ففي ليلة واحدة، وهي ليلة 21 أكتوبر 1955 هاجم المقاومون جميع المراكز الحضرية في هذه القبيلة، وتمت إبادة القادة والجنود الفرنسيين هناك وإطلاق سراح المعتقلين والاستيلاء على الأسلحة، ففي مركز بورد مثلاً استولى المقاومون على 93 بندقية في تلك الليلة وحدها، وكذلك تقريبا في مركز تيزي وسلي، حيث تعرض الفرنسيون لمحرقة لم يسبق لها مثيل في تاريخهم، إذ دخل عليهم رجال عتاة بالفؤوس والسواطير والسيوف والهراوات والأحجار، وفعلوا بهم الأفاعيل والأفاعي.. خاصة وأنّ الكثيرين من هؤلاء المقاتلين جاؤوا من فرع "آيت امحند" (أو بني امحمّد) شرق القبيلة، والذين لم يكونوا يملكون من البنادق سوى ما يُعد على رؤوس الأصابع، لكنهم ذهبوا بالأسلحة البيضاء وعلى أقدامهم ثم عاد منهم من عاد بالأسلحية النارية وعلى ظهور الخيول.

بعد مرور أقل من شهرين على تلك الحرب، أدركت فرنسا بأنّ البقاء في الريف مستحيل، وأن الانسحاب منه يعني أن تنسحب من جميع مناطق المغرب إن لم نقل من جميع شمال أفريقيا، ولهذا وحده خرجت من المغرب.

لكن للأسف عوقبت بالنبذ التام هذه القبيلة العريقة التي تقاوم الأعداء بضراوة دون أن تتحدّث، وقد ألفت مقاوموها أنظار الزعيم محمد أمزيان حيث هبّبوا لنصرته على الإسبان في الناظور، وأشاد بشجاعتهم وصبرهم العجيب واقتحامهم للمخاطر، وكذلك قاتلوا الإسبان في أنوال إلى جانب الخطّابي، ولهم دور كبير في محاصرة الإسبان في سبتة لمدة ثلاثين عاماً، وقد أعطاهم السلطان المولى إسماعيل أرضاً قرب طنجة تحولت فيما بعد إلى مدينة تسمّة "اكزناية"، وكما قلت في هذه الصفحة منذ أكثر من سنة بأنّ هذه المدينة أصبحت أكثر حظّاً وشهرةً من القبيلة الأمّ بكثير. هذا إن جاز لنا الحديث عن الحظ عندما نذكر قبيلة اكزناية.