المناهج التعليمية قد تكون هي نفسها في كامل تراب المملكة إلا أن ظروف تلقي و تكريس تلك المناهج قد تختلف من منطقة إلي آخرى ولأكون ملتزماً بالموضوع المطروح فهي تتأثر بالبيئة والحالة الإقتصادية والإجتماعية لكل منطقة.
فالحالة الإجتماعية والإقتصادية للأسر الريفية تختلف عن الحالة الإجتماعية والإقتصادية في المدينة نتحدث هنا عن التلميذ الذي يدرس في الريف والتلميذ الذي يدرس في المدينة.
فهل أن أولا طبيعة الدراسة والمادة المدرسة وجودتها والمجهود المبذول من المربي هي نفسها المبذولة في المنطقتين؟ وكيف يكون تأثير الظروف المعيشية على التلميذ في دراسته ونجاحه وآفاق مستقبله ؟ أليس صحيحاً أن التلميذ في المدينة تتوفر له كل الوسائل المادية والظروف التعليمية الجيدة من وفرة الأجهزة والوسائل الحديثة للدراسة وغيرها وبذلك فهو أكثر معرفة و أوفر حظا في النجاج؟ غير أن الواقع أيضاً يخبرنا أنه برغم الحالة السيئة للظروف المعيشية في الريف فإن هذه المنطقة قد أنجبت خيرة من المربين والأطباء والقضاة وفي كل الميادين...
كان هناك فرق في الماضي بين طفل المدينة وطفل القرية أما الآن فقد تساوى الطرفين ، كل ما يوجد في المدينة يوجد في القرية ، التعليم والصحة والفضائيات والإنترنت وكل ما وصلت إليه التقنية موجود في القرية ، أما من ناحية الذكاء أعتقد أن طفل القرية يملك كثيراً من الذكاء والقدرة على التعلم كذلك فيهم صفات الرجولة من صغرهم مثل الكرم والشجاعة واحترام الكبير...
يمكن أن أكون خاطئاً في قول أنه لا فرق بين التجهيزات والظروف الدراسية بين الريف والمدينة وأنا أتحدث عن الإنترنت وغيرها من التقنيات الحديثة أخي يكفي أن نزور مثلا مدارس في أعماق جبال الريف (مدرسة سيدي موسى بدوار إهروشن) على سبيل المثال أو (مدرسة تيزي بودريس)... لنعرف بساطة الفرق بين المحيطين.
بالرغم من
المشاكل التي تعانيها الأرياف و خصوصاً منها بعد التلميذ عن المدرسة حيث
تتجاوز المسافة أحيانا 7 كلم و التي يجد التلميذ نفسه يومياً مجبراً على قطع
المسافة مشياً على الأقدام لما تتصف به بعض المناطق من وعارة جغرافية المكان و
حتى أولئك الذين تتاح لهم وسائل للتنقل ، لكن بمجرد نزول الأمطار حتى تتعطل سبل التنقل لردائة البنية
التحتية (طرقات ترابية غير مهيئة) و إفتقار عديد المدارس الريفية للتقنيات
الحديثة كتوفر ربط بشبكة الأنترنيت و ذلك لأنهم خارج الربط بشبكة الهاتف و إن توفر فعادة ما تكون رديئة جداً و غيرها من باقي المشاكل المادية بدرجة
أولى و التقنية بدرجة ثانية، فإن عديد الدراسات الأكاديمية الحديثة التي
أجريت على مستوى عالمي أثبتت أن التعليم في الأرياف أكثر فاعلية ونجاعة من
المدن، وأن مستويات تحصيلهم وإدراكهم تفوقت على أقرانهم من المدينة نظير
عدة أسباب، أهمها الصفاء الذهني، وإرتفاع معدلات التركيز، والطبيعة
الجغرافية (رغم قساوتها أحيانا و ما تمثله من عراقيل) فهي تساعد التلميذ
في الريف.
تلقي
العلم في الأرياف يعتبر أكثر سلاسة وجدية منه في المدن، و ذلك يعود إلى
تركيز أولياء الأمور على مستقبل أبنائهم وحرصهم على أن يبني الإبن التلميذ
قاعدة تعليمية صلبة، يتمكن من خلالها من الإنطلاق نحو أفق علمية أكثر إتساعا من المتاح له في الأرياف.
وأثبتت
بعض الدراسات أن 80% من تلاميذ الأرياف تعتبر سلوكياتهم أكثر انضباطا،
مقابل 60% بالمدن، وأن نسبة تركيز طلبة الأرياف 85% مقابل 70% مع نظرائهم
في المدن، وأن أولياء الأمور في الأرياف متفرغون تماما لمتابعة أبنائهم،
عكس المدارس في المدن، حيث يكون أولياء الأمور مشغولين بأعمالهم مما يرغمهم
على التقصير في السؤال عن المستوى التحصيلي للابن التلميذ، والإتكال على
بعض أدوات التكنولوجيا والدروس الخصوصية، التي هي الأخرى تشتت تركيز
الطالب ما بين شرح المعلم وشرح المعلم الخاص.
التلاميذ في الأرياف أكثر قدرة على العطاء، فمتطلبات الحياة المترفة في المدن صرف أنظار التلاميذ عن السعي إلى التحصيل العلمي ليوجه أنظارهم نحو التفكير في كيفية التملص من الحصص والبحث عن الترفيه بدلاً من العلم، وأن بعض زملاء الدراسة يعززون تلك الأفكار، خصوصاً إن كانوا تلاميذ مرفهين يزرعون الرغبة للمنافسة في الرفاهية لدى التلاميذ متوسطي الحال، مما يؤثر سلبا على تركيز الطالب في تحصيله العلمي.
الحياة
الريفية تفرض على أولياء الأمور متابعة متطلبات الحياة لأبنائهم، وحثهم
على التوجه نحو مستقبل مغاير تماما لمستقبلهم الذي قضوه في الرعي والزراعة
لجني المال لأبنائهم الذين يرسمون أفقاً علمية مهنية زاهرة بالعلم
والتعليم.
كثافة
المقاعد بالفصل في المدينة أكثر من الريف مما يعسر على المربي عملية ضمان
وصول المعلومة بشكل متساوي بين التلاميذ و تحول دون مراعاة فوارق التملك
الذهني لدى التلميذ ، أما في الريف فالفصول غير مكتضة ففي بعض الأحيان نجد
قسماً لا يتجاوز عدد تلاميذه الــ 10 مما ييسر على المربي عملية توصيل
المعلومة للتلميذ كل و قدرة تملكه تملكه و يساهم بشكل مباشر في إيصال
المادة العلمية بسلاسة ووضوح ، وهذا ما تفتقر إليه أكثر المدارس في المدن
حيث تعج الفصول بالتلاميذ الذين يتجاوز عددهم 35 و 40 ، مما يشكل عائق في
عملية إيضاح المعلومة وترسيخها لدى التلميذ.
الجانب
الجغرافي رغم قساوته أحياناً و إفتقاره للتكنولوجيا أحيانا أخرى فإنه يساعد
التلميذ على مراجعة دروسه ، حيث يجد نفسه مضطرا لمراجعة ما درسه يومها لتناسي
طول الطريق.
التماســك
الأســري هو عملية إجتماعية تؤدي إلى تدعيم البناء الإجتماعي للأسرة و
ترابط أجزائه من خلال الروابط و العلاقات الإجتماعية و هي تعتبر من مظاهر
التماسك الأسري، كالمودة و السكينة و التوافق و التكافل و التآلف و التآزر و
الإحسان و هو ما يعود بالإيجاب على التلميذ .. نلاحظ أن الأسر بالأرياف
التي تتميز إلى حد ما بالكبر وتشتمل على جيلين من الأبناء أو أكثر و
مترابطة في ذات الوقت على عكس ذلك في المدينة حيث يكون طابع "الأسرة
النواة" هو الغالب و سعياً لتوفير جميع متتطلبات حياة المدينة يجد الأبوين
أنفسهما مجبرين على العمل سويا مما يقلل من وقت تعاملهم المباشر على
الأطفال مما يترتب عنه تقصير في حق حياة التلميذ النفسية و التعلمية.