بقلم : محمد الخواجة
إن ما تموج به منطقة شمال افريقيا في الأسابيع الاخيرة يجعلنا، على الأقل،
نصبو إلى نبذ الأساليب العتيقة التي تسلك في التعامل مع المتغيرات
المنشودة، إن كل خطا سواء كان مقصودا أو غير مقصود يجب تخطيه بسرعة، لأن
نتائجه ستكون لها انعكاسات لا يعلم أحد عواقبها، مهما خمن، على المدى
المتوسط والبعيد.
نقول هذا، ونحن نستحضر التقسيم الجهوي المقترح من لدن اللجنة التي سهرت على إعداده، وتخص بالذكر ما يتعلق بجهتي الشرق – الريف وجهة مكناس – فاس اللتين تتماسان في حدود دائرة أكنول التي تقع في الجنوب الغربي لعمالة الدرويش و في الجنوب لعمالة الحسيمة، والشمال لعمالة تازة.
لقد أبان التقسيم ( المقترح) عن سوء تقدير كبير في إلحاق هذه الدائرة القديمة جدا بجهة فاس – مكناس عوض جهة الشرق – الريف، باعتبار هذه الدائرة من أعرق الجهات التي تنتمي إلى منطقة الريف جغرافيا ولغويا وثقافيا واجتماعيا باستثناء الإلحاق الإداري المتعسف الذي انبثق مع دخول الاستعمار إلى هذه الجهة في سنة 1925.
إن هذه الدائرة كافحث باستماتة كبيرة ضد المحتل سواء عند دخوله أو حينما أرغمته بالحديد والنار على الجلاء في 1956، وبدون شك يشفع لها هذا الكفاح، برفع الظلم الذي ألحقه بها التقسيم الإداري الأستعماري الذي أدخلها ضمن المنطقة السلطانية دون غيرها في القبائل الريفية، وبقي ذلك ساريا إلى أن تم استثناء هذه الدائرة من الانتماء غلى جهة الشرق – الريف طبقا للتقسيم الإداري الحالي هل السبب في هذا التقسيم الأخير، يرجع إلى انتماء الدائرة إداريا إلى إقليم تازة؟
إذا كان الأمر يعود إلى هذا فهو الكسل الذهني وانعدام أعمال الفكر والاجتهاد. ويمكن تداركه بسرعة، أما إذا كان يعود إلى أمر آخر فلا أرى لهذه الجهوية من أهمية إذا كانت لا تراعي مصالح الساكنة، كل الساكنة، حالا ومستقبلا ، لماذا يجب إلحاق دائرة أكنول بجهة الشرق – الريف؟
1- الدائرة كل ساكنتها تنتمي إلى الريف لغويا وجغرافيا واجتماعيا ... إلخ.
2- لو عدنا إلى التاريخ لوجدنا أن الدائرة /القبيلة ألحقت بالمنطقة السلطانية لأسباب استراتيجية استعمارية.
في بداية القرن العشرين كانت أراضي هذه الدائرة في عداد الأراضي التي اقترحت لتؤول إلى جهة مليلية، كما هو الشأن لكافة القبائل الريفية الجنوبية ( مطالسة، آيت بويحيى، اكزناية). وبدون شك لاحظت الجهات العسكرية الفرنسية أن موقع هذه القبائل ، لا سيما اكزناية في حدودها قريبة من ممر تازة، جعلها تتخوف من انعكاسات هذا القرب على مصالحها العسكرية. لأن ممر تازة، كان دائما وابدا الركيزة الأساسية لكل جهة تريد الاستحواذ على المغرب لربط شرقه بغربه. لذا عادت فرنسا كقوة لها نفوذ أكبر من اسبانيا إلى الاستحواذ على مساحات شاسعة من الريف في اتجاه الشمال لتشمل أراضي تعود إلى آيت بويحيى ومطالسة إلى جانب كل المجال الذي يعود لا كزناية (دائرة أكنول حاليا).
اذن أصبح التقسيم الاستعماري البغيض ساري المفعول إلى اليوم مما جلب كثيرا من المعاناة للساكنة على جميع الأصعدة جعلت الدائرة تشهد نزوحا لساكنتها على الصعيد الوطني إلى المدن الداخلية وغيرها طيلة عقود، بالاضافة غلى النزوح الخارجي، في اتجاه أوربا وغيرها بصفة عامة. هذا النزوح / الهجرة حرم الدائرة من كل سبل التنمية رغم الأموال الطائلة التي تأتي من بلاد المهجر.
3- إن الرفع من مستوى دائرة أكنول (القديمة جدا) يتطلب:
أ- ترقية الدائرة إلى عمالة.
ب- إلحاقها بجهة الشرق – الريف.
إن ترقيتها إلى عمالة يعني إيجاد مركز حضري متميز يستقطب رؤوس الأموال العائدة إلى الجالية المتواجدة بدول المهجر، ولما لا إلى الأفراد الموزعين على سائر عمالات المغرب. كما أن سهولة التواصل مع باقي جهات الريف والشرق بصفة عامة التي تربطها بها روابط عديدة تسهل التعامل، وبالتالي الرفع من وثيرة التنمية وسيرورة قنواتها بسلاسة (-التواصل اللغوي،- التعامل اليومي في مجالات مختلفة ،– مركز كاسيطا يستقطب العديد من الكزنائيين، – معظم الرحلات الجوية نحو الخارج التي يستعملها ابناء الدائرة تنطلق من الحسيمة أو العروى، كما يستعملون رحلات ميناءي بني انصار والحسيمة..
وكثير من المعاملات التجارية تكون في اتجاه عمالتي الدرويش والحسيمة، والناظور، ويدل على ذلك كثرة توافد تجار هذه المناطق على أسواق الدائرة).
إن التقسيم الاستعماري المجحف الذي لحق دائرة اكنول مع بداية القرن الماضي جعلها تبقى منعزلة تمام الانعزال. ونظرا لتواصلها المستمر بقبائل الريف الخليفي سابقا جعلها بؤرة لاستنبات خلايا هيئة التحرير في الخمسينيات من القرن الماضي، والتي جعلت من دائرة اكنول "مثلث الموت" لقنت فيه دروسا في الكفاح للمستعمر الفرنسي على مدى سنة كاملة كللت بعودة الملك المحرر واستقلال البلاد.
الا تستحق هذه المهمة التاريخية التي قام بها سكان هذه الدائرة التفاتة، بعد مرور اكثر من نصف قرن، ترقى بها إلى عمالة وتلحق بجهة الشرق – الريف؟
وما يزكي هذا المطلب المشروع هذا الانتماء اللغوي والتاريخي والجغرافي والثقافي، والاجتماعي الذي نوضحه في هذه العجالة:
- اللغوي: الدائرة كلها تتكلم أمازيغية، الريف.
- التاريخي: الدائرة ظلت في تفاعل كبير منذ القدم مع منطقة الريف والتي تشكل أحد أهم قبائلها المنتمية إلى "نفرة" كما هو الشأن لآيت توزين وتمسمان وآيت ورياغل وغيرها. كما أنها لعبت أدوارا طلائعية في بناء امارة النكور
وساهمت في صد غارات النورمانديين إلى جانب آيت ورياغل، ويشهد التاريخ في القرن السادس عشر أن المجاهد محمد أكزياي قاد مسيرتين لفك الحصار على مليلية (سنة 1524) ولا يزال قبره شاهدا على ذلك جرار بني انصار، وقريبا من عصرنا تشهد حربا الشريف امزيان والخطابي ضد الاستعمار على الدور الكبير الذي لعبته القبيلة الأكزنائية فيهما.
وفي أواسط الخمسينيات أخذت دائرة اكنول المشعل لتستقطب رجالات الريف وغيرهم في سائر نواحي المغرب لقيادة الحرب التحريرية ضد فرنسا.
- الجغرافي: دائرة أكنول تقع وسط جبال الريف الوسطى وهي أكثر قربا وتفاعلا مع جهة الريف من سائر الجهات الأخرى.
- الثقافي: مند القدم ظلت المساجد مراكز ثقافية يلجها الراغبون في تلقي صنوف العلوم المعروفة آنذاك، كما يجلب لها المتعلمون (الفقهاء) من بين جهات الريف. فدائرة أكنول (أكزناية) كان ينتقل ابناؤها للتعلم في جوامع الريف، وفقهاء المنطقة ينتقلون بين الجوامع لتلقين القراءة وباقي العلوم الدينية واللغوية بسلاسة. بالإضافة إلى هذا كانت الزوايا الصغيرة المختلفة في جهة الريف تستقطب ابناء هذه الدائرة بشكل كبير، إلى جانب ذلك كان الصلحاء ينتقلون بين هذه القبائل للعب أدوار في لم الشمل وتقريب وجهات النظر. كما أن الأسواق لعبت أدوارا كبيرة في التواصل والتأثير في المجال الثقافي على كافة الأصعدة.
- الاجتماعي : الزيجات بين مختلف عائلات دائرة أكنول تعود قديما في انعقادها إلى التواصل بينها وبين القبائل الريفية المحاذية.
- ولهذا فلا يخلو مد شر من ابناء المطالسية أو التوزينية أو التمسمانية أو الوريغلية أو العمارتية.
اليوم نجد أن المعاملات اليومية تجسم في تنقل الأهالي من الدائرة إلى قاسيطا و نيضار و الحسيمة والعكس صحيح ايضا
نرجو ألا تكون مصالح أفراد معينين، والتي لا ترقى الى ما فرضه التاريخ او ما تفرضه التنمية مستقبلا، هي التي تعلو.
إن مطلب إلحاق دائرة أكنول بجهة الشرق – الريف فيه كثير من التعقل والحفاظ على مسار التنمية بكل عنا صرها على المدى البعيد، حفاظا على مصالح الأجيال القادمة.
ملاحظة: إننا بهذه المبادرة نرغب في فتح نقاش مثمر يعود بالنفع والخير على دائرة أكنول، ويحفظ انتمائها الأصلي والاصيل.