تحرير : نجيم السبع
ولد
عبد السلام الذهبي بن محمد بن علال سنة 1916 ببويسلي، وتوفي في 23 أبريل
من سنة 2009 بتازة ، لقب بعبد السلام ن تبويسليت لكون أمه فاطمة بنت أحمد
أمازيغية من قبيلة بويسلي، شاركت في الجهاد إلى جانب صفوف جيش التحرير تحت
قيادة ابنها.
كان
عبد السلام في أول الأمر عضوا في الجيش الفرنسي، حارب في الهند الصينية
وألمانيا حتى حمل رتبة "سرجان" ، ولم تدم مدة مكوثه في المغرب بعد عودته من
الهند الصينية "لاندوشين" سنة 1949، إذ سرعان ما نقلته السلطات الفرنسية
إلى ألمانيا في 5 شتنبر 1952، لعلمه برغبة السلطات الفرنسية بمحاولة
الإطاحة بمحمد الخامس، وتنصيب مكانه ابن عرفة، فحاول قتل الجنرال "دوتفيل"
والباشا "التهامي الكلاوي" ، اللذان كانا يخططان لهذا الأمر لكنه تراجع
قائلا "ربما قد يكون عندي حظ أكبر في المستقبل للدفاع عن الوطن ومحمد
الخامس وهدأت من روعي" ، ومرة أخرى يعود السرجان عبد السلام إلى المغرب سنة
1954 "حيث منحت له رخصة ثلاثة أشهر للاستراحة ، فتم إرساله إلى مدينة تازة
حيث بدأ في التفكير بالعمل الذي يمكنه القيام به، قال:" في المنزل بدأت
أفكر في العمل الذي يمكنني القيام به، ولكنني كنت غريبا عن كل شيء لا أعرف
أحدا ولا أحد يعرفني، ففكرت في الكفاح" ، لكنه واجه عدة عراقيل أهمها أنه
كان غريبا عن الأفراد الذين قابلهم، وعدم ثقة الناس في شخص كان يعمل لصالح
الجيش الفرنسي، بالإضافة إلى منع سلطات أكنول عبد السلام من شراء شاحنة،
كان يرغب في ابتياعها، لكن هذا المشكل حل بمساعدة أحد أصدقائه كما ورد في
مذكراته، حيث "كان لي صديق من أصدقاء روك، وساعدني في أن يجعل روك قابلا
لأن اشتري الشاحنة".
بعدما علم السرجان عبد السلام بوجود مركز بوسكور، وأعضاؤه يبحثون عن أناس لهم خبرة عسكرية طلب من صديقه أن يخبرهم برغبته في الانخراط "وكان أول اتصال مع المرحوم عباس في ثلاثاء أزلاف بين اكزناية في منزل السيد أبو الخريف الذي سيصبح من أعضاء الحركة التحررية" ، ثم تابع الاتصال مع الأعضاء الآخرين ومارسوا "تدريب الناس على حرب العصابة في مركز الناظور الذي يشرف عليه عباس والصنهاجي".
انضم عبد السلام الذهبي لجيش التحرير حتى أنه عد من المؤسسين والمسيرين لفرقة، كما يعتبر من الجنود المغاربة الذين مارسوا دورا حاسما في الثورة المغربية، حيث التحق بجيش التحرير المغربي وهو في بداية تكوينه ونظرا لتجربته القتالية وصدق وطنيته، فقد كلفته القيادة بالإشراف على مركز أكنول الذي يعد من المراكز التي انطلقت منها ثورة أكتوبر 1955، وذلك بعد فشل مسعود أقجوج في تنفيذه للهجوم يوم 2 أكتوبر1955. وبهذا أصبح عبد السلام الذهبي معتزا ومفتخرا بوطنيته لأنه انتقل من جندي يخدم الاحتلال إلى مناضل ومجاهد في سبيل تحرير بلاده.
كان في أول الأمر يحارب بنفسه، أما فيما بعد فقد بدأ يصدر الأوامر ويقود الفرقة، ويرشد المنخرطين ويدربهم، وحسب رواية محمد الذهبي فإن الفرقة كانت تتحرك تبعا لأوامر عبد السلام الذهبي، حيث يقول: "كنا نذهب إلى مختلف المناطق للهجوم حسب تعليمات عبد السلام الذهبي، ومن بين الأعمال التي أمرنا بها تدمير القناطر وقطع الأسلاك الكهربائية" ، فهو من كان يصدر الأوامر لأفراد الجيش بمنطقة أكنول، أوامر تظل خاضعة لمراقبة القيادة العامة بالناظور.
أما أهم الأعمال التي قام بها عبد السلام الذهبي فتتمثل في "أنه ذهب لتسليم السلاح رفقة مسعود أقجوج وآخرين" ، ويضيف بوجعيد محمد في نفس السياق " أنهم أتوا بالسلاح من عند الغابوشي من منطقة تيزي ويسلي ثم فرقوه في الخفاء" ، بل كان عبد السلام الذهبي يقوم بشراء السلاح من ماله الخاص أحيانا.
وفي رحلته الجهادية ضد المستعمر كان يقاسم المجاهدين معاناتهم سواء من انعدام الأكل لمدة قد تزيد عن اليوم، وقلة السلاح وانعدامه في أحيان كثيرة مما يهدد نجاح العملية الجهادية، أو أنهم كانوا أحيانا ينامون في العراء رغم قساوة الطقس، وهذا كله في سبيل تحرير البلاد من قبضة المستعمر، ويؤكد هذه الصعوبات عبد السلام الذهبي في مذكراته حين يقول: "وفي أيام الشتاء كنت أنام فوق الأحجار لكي أتمكن من اجتناب الماء".
إن الجهود التي قام بها عبد السلام الذهبي في المرحلة الأولى لكسب ثقة الأهالي في شخصه، أهلته ليقود فرقة أكنول بمركز بوسكور، بل أهلته بعد الثورة لأن ينضم إلى صفوف القوات المسلحة الملكية ليترقى إلى رتبة قبطان، لكن ورغم الأعمال التي قام بها إلا أنه لم ينل حظه من التكريم والتقدير، ومازالت مذكراته لم تحقق بعد.