صندوق الاقتراع هو الصندوق الذي تجمع فيه اوراق
الناخبين لفرزها فيما بعد على أن يكون هذا الصندوق شفافا يرى ما بداخله
وفارغا قبل وضعه ٲمام الجمهور، على ألا يرفع إلا بعيد انتهاء فترة التصويت
المعلنة وأي تحريك له من موقع الاقتراع قبل انتهاء هذه الفترة يخدش موثوقية
الصندوق ويعتبر تزويرا في حد ذاته.
وهناك انواع كثيرة من الصناديق ،منها صناديق الذهب والفضة وصناديق الكتب
والمجلدات….. وهناك كذالك صناديق الثعابين يتخذها صاحبها لكسب الرزق في
حلقيات يجمع الناس حولها ويسلب منهم ضحكاتهم كما يسلب منهم الوقت
والدريهيمات القليلة.
يشكل صندوق الاقتراع بالتأكيد أحد عناصر الممارسة الديموقراطية، ولكنه لا
يختزلها ، لان الديموقراطية تحتاج الى مكونات اخرى من بينها توافر مؤسسات
سياسية ومدنية تحمي المسار الديموقراطي وتعطيه أبعاده الفعلية ، في عالمنا
نعيش فوضاه الكيانية الى أقصى الحدود، سيظل صندوق الاقتراع تعبيراً شكلياً
عن ديموقراطية منقوصة الى أبعد الحدود.
هناك من المواطنين من ينتخب ٳما ٲنه باع صوته بثمن بخس او ان المنتخب من
العائلة او من جراء التبعية الابدية او مصلحة من المصالح الانية والشخصية
او خوفا من الوعد والوعيد بقطع الرزق عليه (والرزق كله بيد الله)
وهناك من أعضاء المنتخبين الذين تكون نيتهم صحيحة ومرادهم هو تحسين الوضع
في المنطقة والعمل بكل اخلاص وجد ولكن سرعان ما يصطدمون بالامرالواقع
والمرير،لأنك لن تفعل إلا مكان مقررا ولا علاقة بهذه الانتخابات او تلك بكل
هذه الاصلاحات لأننا نعلم جيدا ان الانتخابات مسرحية موسمية بدعوى
الديموقراطية وان الصندوق النقد الدولي هو الذي يقرر وهناك جهات مختصة تعمل
في صمت لتمرير هذه التوصيات على شعب انهكه الانتظار لتغيير قد يأتي او لا
يأتي
كثيرا ما تختزل الديمقراطية في الدول النامية والمتخلفة في بعدها الإجرائي
بعيدا عن الاستثمار في القيم الثقافية للديمقراطية التي يجب أن تنغرس في
ذاكرة العقل السياسي، وليس من الحكمة في شيء أن نختزل معطى الديموقراطية في
التسابق أو الاستحواذ على نتائج صناديق الاقتراع كغاية في حد ذاتها ونحتفي
بالفوز ونرفع رايات الانتصار ونتبجح بها أمام الخصوم بداعي امتلاك
الشرعية،ونستكين لها دون البذل والعطاء في تدبير شؤون العباد.
لا يمكن للديمقراطية أن تنبعث أو تستقيم في ظل وجود جمجمة منغلقة ومتحجرة
ومتصلبة لا تنتج ولا تفكر ،ودائما ما تجر إلى الوراء ،يتملكها الصدأ
والتفكير الرجعي وتحركها إيديولوجيا المصالح فقط التي تنتعش بفعلها كلما
برزت وبانت وتسلق بها اصحابها لمناصب السرقة والنهب بلا رقيب ولا وعيد.
قد يكون لدينا صندوق اقتراع زجاجي وشفاف لكن لا يستطيب الوضع مع وجود صندوق
جمجمة مهترئ ومشقوق من حيث نمط التفكير والتعاطي مع الديمقراطية،جمجمة
يستكين فيها عقل يكره الممارسة الديمقراطية ويخاف حتى سماعها،عقل يمجد نفسه
،والكارثة العظمى عندما تتناطح جماجم الأغلبية والمعارضة، مما ينتج عنه
رجات وهزات ارتدادية في جسد الديمقراطية ،فيصاب رأس المواطن بالصداع المزمن
والدائم وما يصاحب ذلك من ضبابية في الرؤية والضياع وركوب امواج عواقبها
غير متوقعة وشراعها قد تهوى في أي لحظة.
إن ما يدور في رحى السياسة في المغرب يمينا وشمالا ووسطا ينذر بوجود حالة
التكلس الفكري والسلوك المرضي الذي يستعصي معه العلاج ،والسر في ذلك
الاعتماد على المسكنات دون اقتلاع جذور وثمرات أمراض السياسة والسياسيين
،حيث نعيد نفس السلوكيات والمسلكيات ونستبسل بها في معترك السياسة ونتصارع
في صناعة العبث،بينما الديمقراطية بمعدنها الأصيل تتطلب منا الصراع حول
الأفكار والبرامج و إنتاج كل ما هو في صالح الأمة.
إن صندوق جمجمة الرأس يحتضن عقل مشلول من حيث التفكير والتعبير والإبداع
والابتكار ويرفض التجديد والتحديث ،انه عقل سياسي مشلول ورتيب ينزع نحو
التبعية ،ومكبل بأسيجة السلطوية لدرجة أصبح جزء منها ينهل منها ويتنفس بها
،ومن الصعب جدا على عقل تربى في حضنها أن ينفك منها،حيث الفراق صعب التحقيق
في ظل هذا التزاوج والعشق الأبديين.
إن واقع الحال يثبت بأن جرح الديمقراطية في مغرب اليوم جد عميق وغميق
،ومازال ينزف دون التئام، مادام هناك دائما من يسعى إلى إطالته واستدامته
ويوجه طعناته بشكل يومي إلى جسدها العليل ليزيد من حجم الآهات والمعاناة.
نعم إن المشكل /الإشكال المغربي هو في صندوق جمجمة الرأس وليس في صندوق
الاقتراع فقط.