تحرير : نجيم السبع
لمْ يذر نجلُ عباس المسعدِي، شهادَة المحجوبِي أحرضان، حولَ حقبَة مهمَّة
من تاريخ المغرب، وردت في مذكراته، تمرُّ دونمَا تعقيبٍ، حيثُ نفَى خليلُ
المسعدِي، وهُو الابنُ الوحِيد للراحل المسعدي، أنْ يكون أحرضان قدْ كان
يومًا في صفوف جيش التحرير، الذِي أسسهُ عباس المسعدي والدكتور الخطيب،
كمَا يعودُ خليل إلى واقعةِ اغتيال والده فِي السابع والعشرين من يونيو
1956.
يتحدثُ المحجوبِي أحرضان في مذكراته عن مشاركةٍ له في جيش التحرير،
الذِي قادهُ والدكم عباس المسعدي، إبَّان الخمسينات. لكنكم لا تتفقون معه
فِي ذلك على ما يبدُو؟
أنَا لا أنفِي ذلك فقطْ، وإنمَا أكذبه
تمامًا، لأنَّ المحجوبي أحرضان لمْ ينتسب يومًا إلى جيش التحرير. ولا هُو
كان مقاومًا في لحظةٍ من اللحظات. السيد أحرضان عسكريٌّ من حيث التكوين،
وبعد ولوجٍه في سنٍّ مبكرة إلى المدرسَة العسكريَّة بمكناس. تمَّ توظيفه من
قبل الجيش الفرنسي، الذِي عينَ معهُ قائدًا على ولماس.
*كيفَ تعرفَ إذن أحرضان إلى والدك؟
لقد تعرفَ إليه في بداية
الأربعينات، حين استقرَّ والدِي إلى جانب أسرته في مولاي بوعزة في الأطلس
المتوسط، بعدمَا غادر منطقته الأم الواقعة في تزارين، بآيت عطَّا.
المحجوِبي أحرضان يقولُ إنهُ كان جدَّ قريب من عباس المسعدي، بل إنه كان رفيق طريقه، كم هو الشأن بالنسبة إلى عبد الكريم الخطيب..
التحقَ والدِي بالدار البيضاء في بداية الخمسينات، وببيت المقاوم الكبير
إبراهيم الروداني، تحديدًا، الذِي كلفهُ بإدارة مصنعه. وحين دخل والدي في
المقاومة ففقد كلَّ اتصالٍ له بالمحجوبي أحرضان. أمَّا الدكتور عبد الكريم
الخطيب فقدْ كان، في المقابل، رجلًا على قربٍ كبير من عباس المسعدِي. وجود جيش التحرير يرجعُ فيه الفضلُ إلى الدكتور الخطيب، كما لوالدِي. لأنهما هما من استعانا بمصر من أجل محاربة الاستعمار.
*أولمْ يكن المحجوبِي أحرضان من بين مؤسسي حزب الحركة الشعبيَّة؟
كلًّا، على الإطلاق، أحرضان لم يكن من بين مؤسسي حزب الحركة الشعبية.
تأسيس ذلك التنظيم السياسي في 1958، كان ثمرة عمل للمقاوم الكبير لحسن
اليوسي، ثمَّ مبارك البكاي، الوزير الأول السابق على عهد محمد الخامس. وقدْ
التحقَ بهما فيما بعد زعماء في جيش التحرير من عدة مناطق، سيما من الأطلس
المتوسط والريف، يمكن أن نذكر من بين آخرين أبناء الحاج عْمَارْ الريفِي،
ومحمد، وميلود القايد، وشعيب الغرناطي، وعبد الله زهرات، ومحمد علال. هدفُ
التنظيم كان هو التصدي لليد الطولى للاستقلال التي أخذ يبسطها على البلاد،
سيما بعد اغتيال والدي فِي سنة 1956.
*نفهم من كلامكم أن المحجوبي أحرضان لم يكن من مؤسسي الحركة، فهل كان الخطيب بينهم؟
كلَّا الخطيب لم يكن عند التأسيس. لكن مؤسسي الحركة الشعبيَّة والمنظرين
لها، المقاوم الكبير الحسن اليوسي ومبارك البكاي، كانت لهم الفكرة الحكيمة
في جعله على رأس حزب الحركة الشعبية. لقد كان طبيبًا شابًا. ذا تكوين متين،
قادرًا على تنشيط الحزب، متمتعًا بقدر كبير من الشرعيَّة لقيادة الكفاح
المسلح ضدَّ المستعمر، وقد التحق به أحرضان في وقتٍ لاحقٍ.
*في كتابه دائمًا، يشيرُ أحرضان إلَى أنَّ اغتيالَ والدكم كان بإيعازٍ من بنسعيد آيت يدر، هل أنتم متفقُون مع ذلك؟
بنسعيد آيت يدر لهُ مسئولية في الاغتيال. لكن من وقفُوا خلفهُ بالأساس،
وبدون شك؛ هما المهدي بن بركة والفقيه البصري. لقد وردت أسماء قتلة والدِي
أمام المحققين. وقد كان الحسن الثاني، وليًّا للعهد آنذاك، هو من يديرُ
التحقيق، بطلبٍ من والده محمد الخامس.
*هلّا حكيت لنا قليلًا عن تفاصيل ذاك الاغتيال...
اغتيلَ والدي خليل المساعدي في السابع والعشرين من يونيو 1956، في فاس.
فيما كانَ يهمُّ بالدخول إلى مرآبٍ كيْ يركب سيارته، ناداهُ ثلاثة مسلحِين،
ثمَّ قذفوه بعدما رفضَ أنْ يتبعهم. أخبروه أنهُ مدعُوٌّ إلى اجتماعٍ على
أقصَى درجةٍ من الأهميَّة مع المهدي بنبركة.
*لماذا لمْ يمثل كلٌّ من الفقيه البصري والمهدي بنبركة أمام اقضاء ما دام اِسماهما قد وردا خلال التحقيق؟
لأن حزب الاستقلال كان قوة سياسية مهمة حينها. وكان ثمَّة خوفٌ من تأجيج
اضطرابات في النظام العام، في حين كان الوضع لا يزالُ مكهربًا، فكان أنْ
آثرَ القصرُ عدم متابعتهمَا أمام القضاء.
*لكن بنسعيد آيت يدر، يقول من جانبه، إنَّ القصر هو الذي اغتال عباس المسعدي، بمَ تجيبون؟
الراحل محمد الخامس كان يحبُّ والدي كثيرا، ولا أجدُ سببًا يجعلهُ يفكر في
قلته. بل على العكس من ذلك، كان محمد الخامس في حاجةٍ إلى جيش التحرير كما
إلى الحركة الشعبية، لتحقيق نوعٍ من التوازن مع حزب الاستقلال. أتوفرُ على
رسالةٍ تاريخيَّة بعثَ بها والدِي إلى محمدٍ الخامس، يؤكدُ فيها تشبثهُ
بالعرش العلوِي. كمَا أنَّ والدِي تحدثَ فيها، موازاةً مع ذلك، عن ضرورة
تقوية جيش التحرير، من أجل حماية البلاد، والملكيَّة إزاء تسلط حزب
الاستقلال.
*هل كان علال الفاسي على علم بمشروع اغتيال والدكم؟
لا أعتقد ذلك، علال الفاسي وأحمد بلافريج لم يكونَا يشاركان في اجتماعات
اللجنة المركزيَّة للاستقلال، التي كانت تخطط لمشروع اختطاف عباس المساعدي،
تلك الاجتماعات كان يترأسها بنبركة بالأحرى.
*كيفَ ولد جيش التحرير؟
بعدما كان عضوًا في حزب الاستقلال، فهم والدي أنَّ ذاك الحزبُ كانت لهُ
نزعة نحو الهيمنة على البلاد، بصورة تنذر بمخاطر؛ سواء بالنسبة إلى
الملكيَّة أو البلاد. وهو ما جعلهُ يغادرُ حزب الاستقلال في بداية
الخمسينيات كي يلتحق بجيش التحرير؛ الذي رأى النور بفضل الغيورين على
البلاد كما الوطنيين الذِين كانت الرغبة تحدوهم فى إنهاء الوجود
الاستعماري؛ الفرنسِي كما الإسبانِي.
أحد عشرَ شخصًا شاركُوا فِي
إحداث جيش التحرير، وأمنُوا قيادته، فإلى جانب والدِي، كان هناك عبد الكريم
الخطيب، وعبد الله الصنهاجِي وبنداودْ.