في عمق كزناية دائرة اكنول ذات الخاصية الجبلية القروية، حيث الطبيعة البكر تحتضن الإنسان في صمتها العميق، عرفت المنطقة في السنوات الأخيرة حركية جميلة من خلال تنظيم رحلات جماعية موجهة لاستكشاف المؤهلات الطبيعية، التاريخية والثقافية، ساهمت في إعادة ربط الإنسان بأرضه، واسترجاع لحظات من الصفاء والانتماء.
وقد كان لجمعية اكزناين شرف إطلاق أولى هذه المبادرات ما بين 2017 و2019، حيث تمكنت من تنظيم عدد من الرحلات التي جمعت بين أجيال مختلفة، وخلقت لحظات إنسانية صادقة ما تزال محفورة في ذاكرة المشاركين.
◇دينامية متجددة من قلب المجتمع
مع الوقت، تطورت هذه المبادرات بشكل تلقائي، وتوسعت لتشمل مجموعات على وسائل التواصل الاجتماعي ومكونات من المجتمع المدني كانت انطلاقة اغلبيتها من جمعية اكزناين للتنمية، في خطوة تعكس وعيا بأهمية هذه الأنشطة في خلق فضاءات مشتركة للتواصل، والاعتزاز بالهوية المحلية.
ومع هذا التنوع المبارك، تظهر أحياناً تحديات طبيعية تصاحب كل عمل تطوعي عفوي: مثل تداخل التواريخ، تكرار الوجهات، أو اختلاف الرؤى حول أولويات المواقع. وهي ظواهر طبيعية تُسجَّل في أي تجربة مجتمعية ناشئة وتحتاج فقط إلى قنوات تنسيق هادئة وبنّاءة.
◇من الرحلة إلى المبادرة
يبقى السؤال الأساسي المطروح اليوم:
كيف نحوّل هذه الرحلات من متعة آنية إلى بوابة فعلية للتنمية المستدامة؟
الجواب ليس في يد جهة بعينها، بل في روح التعاون بين الجميع. الرحلة قد تكون بداية لفكرة مشروع، أو مدخلاً لتعزيز روح المبادرة في صفوف الشباب، أو مناسبة للتفكير المشترك في مستقبل المنطقة.
ومن هذا المنطلق، يمكن:
• تخصيص جزء من مداخيل الرحلات لدعم أنشطة مجتمعية (غرس، تجهيزات بسيطة، دعم المدارس...).
• التفكير في توثيق الرحلات بطرق تحترم هوية المجتمع وتبرز جمال المجال.
• تنظيم لقاءات تقييمية مفتوحة بين الفاعلين لمشاركة التجارب وتفادي التكرار.
• الانفتاح التدريجي على مشاركة النساء والاطفال في أدوار مناسبة، انطلاقاً من التنظيم أو التأطير.
◇أدوار تتكامل لا تتكرر
اختيار جمعية اكزناين اليوم التوجه نحو مجالات أخرى ذات طابع بنيوي (كالزراعة، الماء، التعليم...) لا يعني انسحابها من الحركية المجتمعية، بل هو اختيار استراتيجي يُراهن على الأثر العميق طويل الأمد. ومع ذلك، تبقى الجمعية دوماً شريكاً معنوياً ومؤطراً محتملاً لأي مبادرة جادة، متى دعت الحاجة.
وإذا كانت الظروف قد خلقت تباينات في الآراء خلال المراحل السابقة، فإن المرحلة القادمة بحاجة إلى إعادة بناء الثقة، وتقوية الروابط، والارتكاز على ما يوحّد، لا ما يفرّق.
وفي الأخير، الرحلة ليست فقط طريقاً في الطبيعة، بل قد تكون أيضاً طريقاً نحو أنفسنا، وهويتنا، وتاريخنا. لنجعل منها جسراً للتعاون، لا ساحة للتنافس. ولنُعد الاعتبار لما هو جميل فينا... حين نكون معاً.