الاثنين، 27 فبراير 2017

نجوم اڭزناية عبر العالم| رشيدة الموساوي .. طبيبة الأمراض الباطنية بهولندا

تحرير : نجيم السبع

ولدت رشيدة الموساوي بمنطقة الريف شمال المغرب وتحديدا بمنطقة بني حذيفة ، منتمية إلى أسرة سبق لربّها أن انتقل ضمن تجربة هجرة إلى هولندا عام 1968، بينما ظلت ماكثة بجوار والدتها على أرض الوطن.


تتبّعت رشيدة الموساوي حلمها الطفوليّ بأن تغدو طبيبة لامعَة تمحى على أيديها آلام النّاس، فتشبثت بهذا الخيار الذي عنّ لقلبها في سنّ مبكّرة، حتّى كان لها ما شاءت.. ولم يثنها عن تحقيق مرادها معانقة الحلم في شمال المغرب، بينما أجرأته ارتبطت بالتواجد على التراب الهولنديّ.

تلقّت الموساوي أولى دروس تعليمها الأساس بالفضاء القروي المغربي الذي رأت به النور أوّل مرّة؛ وتقول عن تلك الفترة: “كان جدّي يشجّعني على التعلّم منذ نعومة أظافري؛ وحتّى والدتي حرصت على معاملتي بالمثل رغم أن المدشر الذي تواجدت به لم يكن يتوفر على مدرسَة بعد”.

وتزيد المتحدّثة ذاتها: “مازلت أذكر أنّي كنت متلهّفة لدخول المدرسة غير المتوفرة بالمرّة جوار تجمّعنا السكاني حينها، لكنّني كنت محظوظة بعدما شرع في بناء مدرسة فتحت أبوابها وأنا في عامي الخامس من العمر..وهناك تعلّمت بجوار أقراني لمدّة أربع سنوات”.

تنقلت رشيدة الموساوي صوب هولندا بمعيّة باقي أفراد أسرتها من أجل الالتحاق بالأب المستقرّ في الأراضي المنخفضة، وكان ذلك سنة 1982، ما اضطرّها، في مستقرّها الجديد، إلى معاودة سنوات التعلّم المدرسي من المستوى الأوّل؛ وذلك بفعل عدم إتقانها لغة البلد الأوروبيّ الذي وفدت عليه.

“كنت في العاشرة من العمر حين انتقلت إلى هولندا بعد أن استوفى أبي مسطرة التجمّع الأسريّ التي يتيح القانون لجوءه إليها من أجل نقلنا كي نعيش معا”، تورد رشيدة، قبل أن تفصّل: “عدم إتقاني للغة الهولنديّة اضطرّني إلى أن أعود سنوات إلى الوراء بعدما كنت في المستوى الخامس بمدرستي المغربيّة، لكنني تمكنت من ضبط لسان أهل بلدي الجديد في شهرين كي أتخطّى هذا التعثّر وأشرع في مواكبة الدروس”.

تقرّ الهولنديّة المغربيّة نفسها بأن ما كان يتيحه صغر سنّها من تعلّم سريع، حين وصولها إلى الديار الهولنديّة، لم يكن قادرا على محو تطبّعها بإيقاع الحياة في البيئة الريفيّة المغربيّة بسلاسة، إذ عمدت إلى مطالبة والديها بإعادتها نحو شمال المغرب، غير ما مرّة، عند مصادفتها لأيّ صعوبة في التعاطي مع مشاركيها التواجد بالأراضي المنخفضة.
“وجدت صعوبة في الاندماج لكَون أسلوب العيش لم يوافقني بعاداته التي لم أكن أعرف عنها الكثير، ولو كنت ألفَيْت طريقة تعيدني وقتها إلى المغرب للجأت إليها دون تردّد”، تعلّق الموساوي، ثمّ تواصل: “العامان الأوّلان كانا محنة حقيقية بالنسبة إليّ، واعتيادي الأجواء تحقق بعدها بحكم الاعتياد وأنا في سنّ مبكّرة نسبيا”.
لعب ضبط رشيدة موساوي للغة الهولنديّة أداء الهولنديّين نفسه دورا كبيرا في جعلها تحصّل على نقاط مرتفعة، وجّهتها صوب مدارس ذات مستوى عال؛ فكان دأبها على مجاورة تلاميذ من ذوي أصول أجنبيّة في الفصول وصل إلى نهايته وهي ترتاد ثانويّة في أمستردام لا يتاح التمدرس فيها إلاّ للمتفوّقين، وهم الذين كانوا هولنديّين بالكامل ضمن دفعتها.
“أتذكّر أنني كنت ما أزال بالريف، في المغرب، حين تعرّض أخي البالغ من العمر سنتين لحروق استلزمت نقله صوب المشفى، وذلك بعدما هَوت عليه طنجرة ملحقة أضرارا بجلده .. استغرق الأمر، حينها، ثلاث ساعات من السير إلى جواره، وهو موضوع على ظهر حمار، كي يتلقّى العلاج بالمستوصف الذي قصدته أسرتي كاملة..كنت في عامي الثامن من العمر، لكنّني أخبرت جدّي، رحمه الله، برغبتي في أن أصبح طبيبة .. ومازالت كلماته ترنّ في أذنيّ حين أخبرني بأن إقبالي على الدراسة بجدّ سيتيح لي ذلك، وهذا ما حرصت على فِعله”، تقول رشيدة.
أفلحت الموساوي في ولوج كليّة الطبّ بالعاصمة الهولنديّة عقب بروز اسمها ضمن لائحة ذوي المؤهلات، ممّن اختيروا بالقُرعة، وفقا للقوانين المنظمة لارتياد مثل هذه المؤسسات التكوينيّة بالأراضي المنخفضة .. وفي استحضار لمسارها الملازم بأولى أعوام دراستها للتطبيب تقول رشيدة: “حظيت بهذه الفرصة من بين قلّة قليلة، وخضعت لتكوين نظريّ من أربع سنوات، وآخر تطبيقيّ مدته سنتين، ثمّ تحصّلت على دبلوم الطب الأساسيّ”.
ارتبط أداء الهولندية المغربيّة عينها بالتعاطي مع حالات مرضيّة باطنيّة في أول سنة لاشتغالها بعد تخرّجها، ما أفضى إلى دفعها صوب التخصص في هذا المجال بالخضوع إلى تكوين إضافيّ استلزم إنهاؤه، بجوار الاستمرار في الاشتغال الميداني، سنوات إضافيّة وصلت إلى أربع في مجموعها.
“مكنني تخصصي الجديد من الإقبال على البحث العلميّ على مدى 4 سنوات، مركّزة في ذلك على التعفنات الرئويّة. وقد أصدرت منشورات علميّة كثيرة لقيت اهتماما من لدن المختصين بعد نشرها على مجلات الطب العالميّة؛ بينما أمارس لستّ سنوات حتّى الحين بمشفى في مدينة لاَيليستَات، ضواحي أمستردام”، تفيد الموساوي.
وتضيف المتحدثة ذاتها: “المشفى الذي أعمل به يعدّ صغيرا بالمعايير الهولنديّة، إذ إن طاقته الاستيعابيّة لا تتخطّى 300 سرير، وبه أرأس مجموعة من ثمانية أطباء، كل منهم لديه تخصص معيّن في الطب الباطنيّ أيضا؛ وبذلك نحاول تحقيق التكامل في التعاطي مع الحالات المرضيّة التي تفد علينا .. وبجوار هذا أتولّى مهام تسيير قسم في المرفق الصحيّ نفسه، وأخصص وقتي المهنيّ لهذين الشقين من التعامل؛ بينما ما يتبقّى أخصّصه لرعاية ابنيّ ريان وأمير”.
تطمح رشيدة الموساوي إلى التركيز أكثر في مجال تخصّصها ابتغاء لتطوير أدائها في الطب الباطني وتخصصها فيه، وتزيد في الإطار نفسه: “سبق أن انخرطت في مهمّة إنسانيّة نقلتني إلى موزمبيق من أجل معالجة أناس كانوا في حالات مرضية متقدّمة دون أن يظفروا بفرصة علاج، وأرغب في أن أنجح، مستقبلا، في التواجد ضمن مبادرات مماثلة إن وجدت وقتا لذلك”، .. كما تعبّر الموساوي عن اهتمامها بدراسة علوم التسيير في السنوات القادمة، لترفع أداءها ضمن هذا الشق من الاشتغال الذي تمارسه فعليا بالمشفى الذي تقدّم فيه خدماتها العلاجيّة.
أمّا بخصوص الشباب الراغبين في التميّز ضمن مساراتهم، سواء بأرض الوطن أو وسط دول قد تستقبل هجراتهم، تقول رشيد موساوي: “هناك بدائل قد تغني شباب المملكة عن اللجوء إلى الهجرة.. ينبغي على المرء أن يحدّد ما يريده قبل أن يبحث عن البيئة التي قد توفر له مستلزمات النجاح، وإن أتيح ذلك بالوطن الأمّ فهذا أمر رائع ..المهمّ أن تسود اختيارات القلوب على إملاءات الوالدين أو المجتمع، لأنّ المسارات تتطلب جهودا مضنيّة لا يساعد في تفعيلها غير التوجّه إلى ما يريده الإنسان لنفسه فعلا”.
الفيديو: