تحرير : عبد الإله الشيخي
إن بلاد باكرامان،تارچيست،تزخر بالمواقع التاريخية، يعود تاريخها لفترات تاريخية مختلفة و متنوعة، منها ما يعود للحقبة المرينية، و ما قبلها لكن تلك المواقع الموغلة في القدم، نال منها الهدم و عوامل التعرية و تدخل الانسان بطبيعة الحال.
أما المواقع و البنايات التاريخية التي تعود لبداية القرن 20، فيمكن تصنيفها الى صنفين،صنف محلي، و هو من بقايا حركة المقاومة المسلحة بقيادة المجاهد البطل محمد بن عبدالكريم الخطابي، كالطرق و المحاكم الشرعية.
و الصنف الثاني يعود للفترة الاستعمارية الاسبانية بالمنطقة، ونظرا للبس الحاصل لدى مجموعة من سكان المدينة، يتم تسمية البناية التاريخية بمركز أو دار المقيم العام الاسباني،،،، و هذا خطأ فادح، لا أعرف كيف تم تسريبه و تداوله.
حينما سلم المجاهد محمد بن عبدالكريم الخطابي نفسه للفرنسيين بتاريخ 27 ماي 1926 بمقر المحكمة الشرعية بالمكان المعروف حاليا ب ” تشايف” ، ستستقر الجيوش الفرنسية بالمنطقة فترة من الزمن،و لا زال النقاش قائما حول مدة تلك الفترة، إنسحبت تلك القوات ، و حلت محلها القوات الاستعمارية الاسبانية مزهوة بنصر زائف طالما طمحت إليه و لأجل القضاء على المقاومة الشرسة التي أبدتها قبائل المنطقة، شرعت الادارة الاستعمارية الاسبانية في تشييد مركز يأوي مجموعة من الادارات و الثكنات و المصالح الادارية العسكرية و المدنية بالمنبسط الكائن تحت دوار ” المعلمين” و أطلقت عليه ” تاركيست” المقتبس من إسم القبيلة،فتم تأسيس المركز الحضري ” تاركيست “سنة 1929، وذلك بالإعتماد على وثائق تاريخية تتحدث عن تواريخ إحداث المراكز الحضرية بالمنطقة الاستعمارية الاسبانية و منها تاركيست،فكانت البداية عبارة عن أكواخ و بنايات بسيطة.
و لكن بداية من سنة 1940 ستعرف تاركيست تطورا عمرانيا مهما،حيث تم انشاء مجموعة من البنايات الكبيرة و بهندسة معمارية جميلة غالبا ما كانت مستوحاة من العمارة الأندلسية،و في هذا الصدد تم بناء المركب الاداري العسكري وسط المدينة والذي يتشكل بناية مكونة من طابق أرضي و طابق علوي، وبجناحي البناية منزلين بطابق أرضي فقط. أما الميزة الغالبة على الفن المعماري للمعلمة التاريخية فهو نموذج عمران إشبيلية و غرناطة.
تم احداث البناية سنتي1941 – 1942. ، و كانت البناية الوسطى المكونة من طابق أرضي و آخر علوي مقرا إداريا للحاكم العسكري الاسباني بمدينة تاركيست،الذي كان يمتد نفوذه إلى دائرتي تاركيست و كتامة، و منه كانت توجه عمليات الوجود الاستعماري الاسباني بالمنطقة، و ما يميز الطايق العلوي كونه توجد به شرفة مطلة على ساحة كانت تقام بها الاستعراضات العسكرية،و بعد الاستقلال تم استغلال تلك الساحة كملعب لكرة القدم. أما المنزلين اللذين يشكلان حناحا البناية فكانا مخصصين كسكن راق للمسؤولين العسكريين بتاركيست، الجناح الشرقي ل “تيلينتي كولونيل”، و الجناح الغربي ل”الكوماندار”.
خلال الزيارة التاريخية التي قام بها المغفور له محمد الخامس رفقة ولي عهده الأمير مولاي الحسن لتاركيست سنة 1957،خصص له أبناء المنطقة استقبالا كبيرا، و توقف قبالة هذه البناية،و البناية بصفة عامة تشكل جزء من الذاكرة الوطنية المغربية، و جزء لا يتجزء من الذاكرة المشتركة المغربية الاسبانية.
و إيمانا من مجموعة من الفعاليات المحلية، بضرورة الحفاظ على هذه البناية لما تمثله من إرث تاريخي و حضاري ثمين، فقد تم بذل مجموعة من الجهود أسفرت عن إصدار قرار السيد وزير الثقافة لتصنيف البناية في عداد الآثار.، و القرارتحت رقم 1986.13 بتاريخ 24 رمضان 1434 ه الموافق ل 2 غشت 2013 م، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6180 بتاريخ 14 شوال 1434 ه الموافق ل 22 غشت 2013 م.
جدير بالاشارة إلى أنه بعد استفادة أسر كانت تقطن بالجناحين الشرقي و الغربي للبناية من السكن في إطار عملية إعادة قاطني الثكنة العسكرية ،تعرضت أجزاء البناية للهدم من طرف المجلس البلدي ، بحجة عدم استعمالها للسكن . و بذلك تم الاجهاز على أجزاء منها، و لا زالت تتعرض للهدم مما يؤثر على عملية اعادة ترميمها و تثمينها في أي نشاط.
و يبقى السؤال مطروحا و بإلحاح ، ما هو دور النخب و المسؤولين عن تسيير الشأن المحلي خصوصا في الحفاظ على مكونات و فصول الذاكرة التاريخية المحلية؟