تعاني جماعة بورد من أزمة مياه معقدة، تتجلى في مفارقات مؤلمة تلقي بظلالها على جودة حياة السكان وصحتهم.
فبينما تُعدّ المياه شريان الحياة، يمر مصدر رئيسي لها عبر أراضي الجماعة دون أن يروي عطش أبنائها، وتضاف إلى ذلك تحديات التلوث ونقص البنية التحتية.
قناة سد أسفالو: شريان حياة يمر ولا يروي دواوير بورد
يمر "أنبوب" أو "قناة مياه" قادمة من سد أسفالو، وهو سد حيوي للمنطقة، عبر أراضي جماعة بورد وصولًا إلى جماعات ودواوير أخرى. المفارقة الصارخة هنا هي أن سكان جماعة بورد لا يستفيدون إطلاقًا من هذه القناة. هذه المياه، التي تُعد مصدرًا أساسيًا للمناطق الأخرى، تمر عبر أراضي الجماعة دون أن تُخصص حصة لسكانها. هذا الوضع يثير تساؤلات عميقة حول العدالة في توزيع الموارد الطبيعية وحق المجتمعات المحلية في الاستفادة من الثروات الموجودة في نطاقها الجغرافي.
"شاحنة الجماعة": حل اضطراري ومكلف يعاني من شلل تشغيلي
في ظل هذا الحرمان من المصدر الرئيسي، تعتمد جماعة بورد على حلول بديلة ومؤقتة لتوفير المياه. فتقوم "شاحنة الجماعة التابعة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية" بتعبئة المياه من مصادر غير محددة لتزويد السكان.
ورغم أهمية هذه الخدمة في سد جزء من الحاجة، إلا أنها تعاني من تحديات كبيرة:
* التكلفة الباهظة: تُباع المياه المنقولة بالشاحنة للسكان مقابل مئتي درهم مغربي حاليًا، وهو مبلغ يشكل عبئًا ماليًا كبيرًا على الأسر القروية محدودة الدخل، ويجرد حق الحصول على المياه من قيمته كحق أساسي.
* غياب السائق: تشير المعطيات إلى أن الشاحنة "ليس لها سائق"، مما يعطل دورها الحيوي ويسبب شللاً في عملية التزويد بالمياه، ويفاقم من معاناة السكان في الحصول على هذه المادة الحيوية.
التلوث البيئي: خطر مزدوج يهدد الموارد المائية ومحيط السد.
تتفاقم أزمة المياه في جماعة بورد بفعل مشكلة التلوث البيئي الخطيرة. فالمطارح العشوائية للنفايات، وخاصة تلك التي تلقى في الوادي الذي يصب في سد أسفالو، تشكل مصدرًا رئيسيًا لتلوث المياه. هذه النفايات، التي تشمل مواد عضوية وكيميائية، تتسرب إلى مياه الوادي، مما يهدد جودة المياه التي تُستخدم للشرب والسقي في المناطق السفلية، وربما يؤثر على المخزون المائي في السد نفسه الذي تُجرى له عمليات تصفية.
وبالرغم من وجود محطة لتصفية المياه القادمة من السد، فإن التلوث المنبعث من النفايات يلقي بظلاله على فعالية هذه المحطات، ويهدد صحة مستخدمي هذه المياه، بينما تستمر جماعة بورد في العيش في محيط يتلوث بمخلفاتها دون أن تحظى حتى بالاستفادة من مياه هذا السد النظيفة (بعد التصفية).
تداعيات بيئية، صحية، واجتماعية عميقة
إن هذا الوضع المركب، الذي يجمع بين الحرمان التام من الاستفادة من قناة المياه الرئيسية المارة عبر أراضيها، والاعتماد على حلول بديلة مكلفة ومعطلة، بالإضافة إلى التلوث البيئي المحيط، له تداعيات وخيمة. فالموارد المائية المتناقصة تُصبح ملوثة، مما يقلل من جودتها ويصعب الوصول إليها. وعلى الصعيد الصحي، فإن استمرار وجود النفايات وتلوث الوادي يعرض السكان لخطر الأمراض. أما على المستوى الاجتماعي، فإن هذا الإقصاء يولد إحساسًا عميقًا بالإحباط وعدم المساواة، ويعيق أي جهود للتنمية المستدامة في الجماعة.
حلول مستدامة: ضرورة ملحة لإنهاء المعاناة وإرساء العدالة المائية
لمواجهة هذه الأزمة المتفاقمة، لابد من تضافر جهود جميع الأطراف المعنية، مع إيلاء اهتمام خاص لقضية الحرمان الذي تعيشه جماعة بورد.
يتطلب الأمر:
* ضمان استفادة جماعة بورد من قناة سد أسفالو: يجب إعادة النظر في آلية توزيع المياه من قناة السد، وضمان حق دواوير جماعة بورد في الاستفادة من هذا المورد الحيوي، سواء بتزويدهم بالمياه بشكل مباشر أو بتسهيل وصولهم إليها بتكلفة معقولة.
* معالجة مشاكل "شاحنة الجماعة" بشكل جذري: يجب توفير سائقين للشاحنة وضمان صيانتها لتُشغل بكفاءة وتوفر المياه للسكان بانتظام، مع دراسة تخفيض تكلفة المياه أو توفيرها مجانًا للمحتاجين الأكثر فقرًا.
* تفعيل آليات حماية الموارد المائية ومكافحة التلوث: يجب على السلطات تشديد الرقابة على رمي النفايات في الوديان، وتوفير حلول مستدامة لإدارة النفايات في الجماعة، مثل إنشاء مطارح مراقبة ومراكز للفرز والتدوير، مع إيلاء أهمية خاصة للمنطقة المحيطة بالسد.
* تحسين البنية التحتية للمياه وتوزيعها: ينبغي الاستثمار في مشاريع تضمن وصول المياه الصالحة للشرب لدواوير جماعة بورد، سواء عبر ربطها بالقناة الرئيسية أو عبر حلول بديلة ومستدامة.