بقلم : محمد إكعبوني
في
يوم من أيام الشتاء البارد.عندما كنت تلميذا في السنة الأولى إعدادي.صحوت
باكرا على نداء والدتي : محمد انهض كي تذهب إلى المدرسة انهض هيا انهض.
كانت الساعة تشير الى السادسة صباحا.لم يبق إلا نصف ساعة.واذهب لكي لا يفوتني الوقت ،رفعت الفراش عني قليلا،فأحسست بالبرد يطوف في الغرفة.شممت رائحة خبز الشعير وهو يسخن فوق النار.
عندما انتهيت من فطوري.خرجت من المنزل مع السادسة والنصف صباحا.قطرات المطر بدأت تذاعب أذني وتهبط من رأسي على خدودي كالدموع.لازال من الليل بعض الظلام.وصوت الرَّعدِ يدوِّي من حينٍ لأخر،يرافقه برقٌ يضيء البلدة كأنه مصباح يتوهج نوره وينطفىء.الطريق طويل جدا.وأمامي واد كبير مليء بالماء والطين.لم يكن الماء صافي .البرد قارس جدا.وأنا افكر كيف أقطع ستة كيلومترات إلى الإعدادية.مشيا على الأقدام في قسوة الزَمْهرير.مشيت جنب الواد.فلا أدمي غيري في هذا الصباح يقاوم خشونة الشتاء من اجل الدراسة.فالناس يحتمون في منازلهم من هذا الجو القاسي.
قطعت أكثر من نصف الطريق ولم يبق لي إلا بعض الأمتار وأصل إلى أجدير.وقعت في الماء عندما حاولت وثوب الماء في ملتقى الوديان (سوق أقديم).تبللت كلي بالمياه.
ساحت دموعي من شدة البرد.وامتزجت ببعض قطرات المطر،ورحت افكر وأسألني: هل أرجع على عقبي أم أكمل طريقي ؟ لم يبق الا قليل يجب ان أكمل فالدراسة أهم شيء كما يقولون.وأي دراسة هذه.وأنا افكر فقط كيف أنشف وأنظف ثيابي.فالبرد يغزو جسدي كالأشواك.
اكملت طريقي حتى وصلت إلى القرية(اجدير).ولم انهي طريقي بعد.تنتظرني تلة أعوج فيها ظهري في الأيام الخالية.حتى ادرك الاعدادية.حينما ارتقي تلك التلة.أقول في خيالي معاتبا من شيد الإعدادية : إن هذا عندما هندس على بناء هذه الإعدادية لاشك أنه ضرب (شقف من السبسي).أو فرط في تدخين الحشيش.
وصلت باب الإعدادية مع الثامنة وربع ساعة.اتجهت إلى قاعة مادة الإجتماعية عند الإستاذ(...)كان طويل القامة.ونحيف الجسم.وأنفه طويل كصومعة المسجد.عيناه كبيرتان سوداء تعجن بالشر والحقد والكراهية.وكان نحيف البنية.ترتسم على ملامحه القسوة والمقت.أما وجهه كالنساء لم تنبت فيه شعرة واحدة من الرجولة.
طرقت الباب بظهر يدي وأما الأصابع خارجة التغطية,لم اعد اتحكم فيها من شدة البرودة.فتح الباب بعد دقيقة أو أكثر.دخلت.فأغلاق الباب.وقال ساخرا مني :
- تحب النوم ولا تأتي إلا متأخرا.
قلت في نفسي قبل ان اجيبه : يا ابن الحرام ا لا ترى ثيابي مبللة.أ لا تعرف أني قمت من النوم مع السادسة صباحا وقطعت ستة كلومترات.بينما كنت أنت تتقلب في فراشك.تعانق وسادتك.
اجبته والحروف تعجز عن وصف حالي :
- لا يا استاذ أنا بعيد جدا لذلك أصل متأخرا احيانا.
تركني واقفا.فأخرج من محفظته انبوب بلاستيكي قصير أحمر اللون (تيو ديال بوطة).فأمرني ان اطلق يدي جيدا.كي يدلكها بأنبوبه تدليكا.رغم أنه عرف أن ملابسي مبلله عن أخرها.ويدي منكمشتان وﺒﺎﺭﺩﺘﺎﻥ.وأنا أرتجف من البرد.ضربني على يدي عشرين ضربة دون رحمة ولا شفقة.رأيت النجوم ترقص حولي،إلا أنني لم انزل دمعة واحدة٬كنت ارشف سم قسوته.كان يحب أن يرى دموع التلاميذ.كنت أقول في نفسي : أقسم أنك لن ترى دموعي،فأنا من الذين يبكون بدون الدموع.
إن الفأس والمحراث جعلا من يدي كالحجرة صلبة لا تحس بشيء.عندما يتعب من الضرب،اذهب الى مقعدي.فاجلس.وأتذكر كيف يعاملني الاستاذ اللغة الفرنسية(بن عيسى).عندما أصل في مثل هذه الحالة يشعل لي المدفأة ويقول لي لا تلتحق بالدرس حتى تنشف ثيابك.لأنه إنسان يشعر بنا وأنت أيها الوحش تعاملنا بلؤم.كأننا نعيش على حسابك..الحيوان أرحم منك.
تنتهي الحصة وادخل إلى حصص أخرى.ولا أذكر الا الأوقات التي دخلت فيها وخرجت فيها من القاعات.وأي درس افهم وأنا افكر فقط كيف سأعود في المساء إلى المنزل وجسدي يرتجف بالبرد.ومعدتي تغني بالجوع والأمعاء ترقص.والمطر يهطل بغزارة.ولا شك أن الواد هائج.
خرجت من اعدادية غسقا.ميؤوس من حالي.همي الوحيد كيف سأصل إلى المنزل.واتخلص من هذه الثياب واجلس أمام النار وأدفئ جيدا.وأكل بشهية أي شيء من الطعام صادفته امامي.
بدأ الديجور يطرد بقايا النهار والليل يسدل أولى خيوطه.وأيام الشتاء قصيرة جدا.لكي أصل إلى منزلي قبل العشاء يجب ان اجري بسرعة أربعة أحصنة.
وأنا مازلت في أجدير.تذكرت أن الناس كانوا في البلدة يتحدثون كثيرا عن وجود الجن في (أغبار أهراسن)أو(إِوَاثَ نْيَعْرَا).وأنا سأمر في طريقي على هذه الأمكنة.فإذا أدركني الظلام في الطريق،فلا مفر من الجن.
نسيت البرد والجوع ونسيت حتى ضربات ذلك الأستاذ.وجريت مع الواد دون توقف حتى ادركت عتبة باب منزلنا.
عندما دخلت إلى البيت لم أعرف هل أكل أولا أم أدفئ أولا أم اسب وأشتم ذلك الوحش.
بينما كنت جالس مع والدتي أمام المدفأة وأحشو الخبزة بالجبن،سألتني :
ـ هل عدت من الحقل أم من المدرسة؟ ثيابك متسخة بالتراب،ومبللة.
تلاطمت أحاسيسي.وفي قلبي نار متأججة.قلت حزنا :
ـ أنت في الصباح.تنادنني باكرا لأذهب إلى جهنم.هل تظنين أنهم يوزعنا علينا الحلوة.أو سندخل إلى الجنة إذا ذهبنا كل صباح إلى ذلك السعير.ألا تعرفين أن الكلب ابن الكلب.اعطاني فطورا شهيا هذا الصباح.اهكذا يعاملنا التلاميذ.أنهم يدرسوننا العنف.ذلك الأستاذ يظن أن يدي كتاب الجغرافيا ليرسم فيه الخرائط.
مسكت يدي وراحت تقربها من المدفأة وتدلكها بالحنان والحب.فتقول : اصبر يا ولدي اصبر حتى يرزقنا الله الهجرة من هذه البلاد التعيسة.
ملاحظة : أحداث القصة وقعت ما بين (بلدتي اكعبونن وقرية اجدير إقليم مدينة تازة) وهذه القصة مقتطفة من مذكرات معاناة تلميذ في الإعدادية وهي قيد التنقيح لذلك ان ظهرت بعض الأخطاء الأملائية او النحوية أغفروها لي.