أحمد الهمص، من مواليد "تيغزراتين" اكزناية الجنوبية، مقيم في دولة الدنمارك ما يقارب 4 عقود من الزمن، متطوراً من وافد جديد على منطقة اسكندنافيا، يبحث عن مستقبل يليق بالأحلام التي استجمعها وقت العيش في تازة، إلى فاعل نشيط في المجتمع المدني بكوبنهاغن، وإطار يتوفر على مهارات عالية في توفير التكوين التقني.
ينتمي أحمد الهمص إلى منطقة “تيغزراتين” المنتمية إلى قبيلة كزناية، ضمن النفوذ الترابي لعمالة إقليم تازة، وبالحيز الجغرافي نفسه شب وترعرع ودرس حتى حلول سنة 1986 واتخاذه قرار الهجرة إلى الأراضي الأوروبية، بغرض الاستقرار في مملكة الدنمارك.
متخصصا في الهندسة الكهربائية، رحل الهمص عن الأوراش الميدانية بعدما استشعر ميله إلى مهنة التدريس، راغبا في العمل على نقل المعرفة إلى الأجيال اللاحقة برؤى تربط التنظير والممارسة الميدانية، بينما يبقى فخورا باللحظة التي جعلت اسمه، في مستهل سنة 2008، بين الحائزين على عضوية مجلس الجالية المغربية بالخارج.
يقول أحمد: “كان الحصول على التأشيرات سهلا وقتها، بينما الإمكانيات التي يتوفر عليها كل شخص تتحكم في اختياره السفر جوا أو بحرا ثم برا نحو وجهته الأوروبية. وقد قررت خوض التجربة وصولا إلى الدنمارك بغرض الاستقرار في هذه البلاد”.
وحرص الهمص على تسوية وضعية الإقامة في اسكندنافيا من خلال زواج دنماركي مع امرأة نرويجية، في البداية، ثم أمضى سنتين في تعلم اللغة الدنماركية رغم الصعوبات التي واجهها في ضبط التعامل بهذا اللسان، وبعدها حرص على التكوين في مجال الكهرباء على طورين اثنين.
إذا كان أحمد الهمص، منذ مغادرة الحيز الجنوبي لمنطقة الريف المغربية، يميل إلى التكوين في الميدان التقني، إلا أنه تأرجح بين التكنولوجيا والميكانيك قبل التوجه إلى الدراسات الكهربائية في كوبنهاغن، وقضاء 4 مواسم في معهد متخصص لاكتساب صفة تقني عال.
ويورد ذو الأصل المغربي نفسه: “كنت أجمع بين التعلم والعمل طيلة سنتين استغرقتهما في ضبط اللغة الدنماركية، لكنني انخرطت في مسار مهني مغاير بعد الحصول على الدبلوم في الكهرباء، متواجدا في مجموعة من الشركات ووسط الأوراش التي تمسك بها، ثم عدت لدراسة الهندسة الكهربائية لأتخرج بعد سنتين ونصف من التكوين الإضافي”.
أولى سنوات الألفية الجارية، حدد أحمد الهمص هدفا جديدا لمستقبله حتى يبتعد عن العمل الميداني ويخوض تجربة مغايرة بتولي مهمة التدريس، راغبا في تطوير تموقعه الاجتماعي والوظيفي بجانب تحقيق رغبته في نقل المعرفة إلى الأجيال المتوالية، وقد أمضى إلى حد الآن 14 سنة من التدريس في أحضان المعهد نفسه الذي تخرج منه.
يعترف أحمد الهمص بأن أول موسمين له في تدريس الكهرباء كانا شاقين بالنسبة إليه، لذلك حرص على الخضوع لتكوين في علوم التربية والتكوين، حتى مستوى الإجازة، من أجل تخفيف وتيرة العمل وجعل أدائه أكثر نجاعة؛ من خلال ضبط كيفية التواصل مع الفئة المستهدفة وتمرير المحتوى باللغة الدنماركية.
ويضيف المستقر في كوبنهاغن: “أشرفت على تأطير مجموعات كثيرة من ذوي الأصول الأجنبية، ويعبر هؤلاء عن فرحهم بالانتماء إلى الأفواج التي أتعامل معها، ويرون أنني واحد من شريحتهم التي تلتصق بها صور نمطية سلبية، ثم يشددون على أن حضوري بينهم يمنحهم الأمل في بلوغ النجاحات التي يصبون إليها”.
استنادا إلى معايير ذاتية وموضوعية، بامتزاج تقييمات عقلانية وانفعالية، يشدد الهمص على أنه لم يندم أبدا على اختياره مهنة التدريس التقني، حتى لو كان غير متوفر إلا على 7 سنوات من الممارسة قبل التقاعد، ويزيد: “أقوم بما يجعلني استيقظ فرحا بحلول صباح كل يوم عمل”.
ينجذب أحمد الهمص إلى العمل الجمعوي منذ أيام الشباب الأولى، بينما البداية في الدنمارك جاءت بإطار له أهداف رياضية بجوار أجرأة أنشطة اجتماعية موازية، ثم عبر من تجربة فيدرالية للمجتمع المدني وصولا إلى الإطار التنظيمي للمنتدى الدنماركي المغربي؛ إضافة إلى مجاورة مبادرات للعمل التطوعي تمتد حتى الشأن الديني، من بينها رابطة الأئمة المغاربة في الدول الاسكندينافية، والاشتغال في الإعلام من خلال تجربة “راديو أمازيغ”.
ويعتبر أحمد أن مثل هذه الخطوات، التي تعرف حضور عدد كبير من الغيورين من أبناء الجالية المغربية في الدنمارك عموما، خاصة المستقرين منهم في كوبنهاغن، تبتغي تلبية حاجيات هذه الفئة من “مغاربة العالم”، وتنتعش بالوعي بأن هؤلاء يبقون أقلية في المجتمع الدنماركي، وبلا اجتماعهم لن تكون لهم كلمة تذكر في أي مجال.
بناء على حضوره الجمعوي والإعلامي، تم ترشيح الهمص لعضوية مجلس الجالية المغربية بالخارج في فترة التمهيد لخلق هذه الجهة الاستشارية، ويعلق على هذا المعطى بقوله: “لم أعمل في المجتمع المدني من أجل أي مرتبة رسمية، لكنني فخور بالاتصال الذي تلقيته سنة 2007 لإخباري بوجود اسمي ضمن اللائحة التي أشر عليها الملك محمد السادس وتضم أعضاء مجلس الجالية، بينما التجربة أعطتني فرصة مجاورة كفاءات عديدة رغم انتمائي إلى مجموعة العمل في القضايا الدينية، والوصول إلى آراء تعمل بها العديد من الجهات التنفيذية من أجل التعاطي مع مغاربة الخارج”.
يؤمن أحمد الهمص بأن الطموحات التي يتوفر عليها كل فرد، أينما كان على وجه البسيطة، لا تخمد إلا بمفارقة الحياة، لذلك يركز على تثبيت موقعه المهني في التدريس حتى الوصول إلى سن التقاعد بعد بضعة أعوام، ويعمل على تسطير أهداف جديدة لحضوره في الساحة الجمعوية من خلال إطارات متعددة، وأيضا الانفتاح على الأداء السياسي.
ويذكر المستقر في منطقة اسكندينافيا أن الرغبة في العودة إلى العيش في المغرب مازالت تتملكه إلى هذه اللحظة، سواء من أجل المشاركة في نقل المعرفة المهنية المستجمعة طيلة عقود من الاشتغال في الدنمارك، أو المساهمة بأي كيفية كانت ضمن أوراش التنمية المفتوحة على امتداد التراب الوطني، وفي تازة ونواحيها على وجه التخصيص.
مغاربة العالم يتوفرون على خبرة في أمور شتى يمكنها أن تعود بالنفع على الوطن الأم، ويمكنهم أن يفرزوا قيمة مضافة بجوار جميع المواطنين المغاربة في المملكة، دون أي مزايدة كيفما كان نوعها، للاستفادة من طاقاتنا جميعا في بناء مستقبل زاهر”، يورد الهمص.
الجيل الصاعد الراغب في الهجرة، والتوجه إلى الدنمارك أساسا، مطالب بالحرص على التفوق تعليميا حسب أحمد الهمص، مع إعطاء الأولوية لمتطلبات الوقت الحالي وحاجيات الزمن المستقبلي المرتبطة، أساسا، بالتكنولوجيات الحديثة واستعمالاتها في كافة مناحي الحياة.
ويقول أحمد: “التطورات المتسارعة في العالم بأكمله تسير نحو إيلاء أهمية بالغة للأفكار المنكبة على التعامل مع الرقمنة والذكاء الاصطناعي، وبذلك لم تعد مراكمة المعرفة تكفي صاحبها إن لم يتقن اللغات الإلكترونية في التحصيل والتصريف”.
“السرعة التي يسير بها الناس حاليا، مع توقعات بارتفاعها قريبا، لم تعد تتيح السير على مهل، ولذلك ينبغي أن ينعكس ذلك بعدم التردد في اغتنام الفرص المتاحة أمام كل فرد، خصوصا من يعيشون تجارب هجرة، والحرص دائما على مسايرة العصر في العالم الواقعي ونظيره الافتراضي”، يختم أحمد الهمص.