دأبت المندوبية السامية لقدماء وأعضاء جيش التحرير مند سنين طويلة على إحياء ذكرى الثورة التي قادها جيش التحرير في الريف ليلة ثاني أكتوبر من سنة 1955 حيث انطلقت شرارة حرب التحرير في منطقة اﯕزناية.
من خلال جبهات قتالية اتخذت من مثلث تيزي وسلي – أجدير/بورد- أكنول مسرحا لها (وسُميت آنذاك لدى الفرنسيين أنفسهم بـمثلث الموت وكان أنجحها وأقواها على الإطلاق جبهة محور بورد-أجدير وكنت حريصا دائما على حضور هذه الذكرى كلما وُجّهت لي الدعوة (باعتباري جزءً من أسرة المقاومة وأحد أبناء الشهداء وعضوا في المجلس الوطني) وذلك رفقة أشقائي (أبناء الشهيد السي الحسن بن حموش الزكريتي) ومنهم على وجه الخصوص السي عبد الله الزكريتي أحد القادة آنذاك وخليفة والده الشهيد في القيادة وعضو المجلس الوطني لعقود.
ولكن هذا التقليد السنوي لم يكتب له أن يقام سنتي 2020 و2021 بسبب الجائحة التي أصابت العالم بإسره، ومع بروز مظاهر التعافي منها بشكل ملحوظ ارتأت المندوبية السامية أن تستأنف هذه السنة (2022) إحياء هذه الذكرى العزيزة على قلوب المجاهدين والمقاومين من جايَـلهم (أي أبناء جيلهم) بل حتى على ذويهم من الأقارب والأهل و الأبناء.
لكن ما حدث هذه السنة يبعث ليس على الاستغراب فحسب بل على الاستياء أيضا، حيث حدثت أشياء لم نألفها ولم نشهدها من قبل، إذ كنت أسبوعا قبل الحدث رفقة بعض أشقائي في زيارة للمنطقة ولم نتلق أصداء حول إحياء الذكرى ولا شيء كان يوحي بذلك.
و بعد عودتنا لأماكن إقاماتنا تلقينا يومين قبل الحدث خبراً يفيد بتنظيم حفل إحياء ذكرى ثاني أكتوبر في حينها، استغربنا للأمر ولكن حِرصَنا الدائم على إحياء الذكرى جعلَنا -أنا وإخوتي- نتحمل مشقة السفر من جديد وفي هذا السن المتقدم، ولم نفهم السبب لعدم توجيه الدعوة لأحد منّا على غير العادة، و لم نسئ الظن - لأن ذلك ليس من شيمنا- بل اعتبرنا أن ذلك ربما صدر سهواً، و لكن ما حدث إبّان الحدث غيّر نظرتنا للأشياء.
فبعد أن قام مدير الأنظمة والدراسات التاريخية بالمندوبية السامية بإلقاء الكلمة أمام الحاضرين باسم المندوب السامي، تلقى شقيقي دعوة لإلقاء كلمة مرتجلة واعتذر عن ذلك لعدم قدرته بدنياً على ذلك ولعدم ملائمة ذلك مع وضعه الاعتباري لأن إلقاء الكلمة يكون مبرمجاً سلفاً ويتم التحضير له من قِبل المعني بالأمر.
ثم جاء دور المنظمين في توزيع شواهد التكريم والمنح المالية على مستحقيها كما جرت العادة، ومع توالي ذكر أسماء المستفيدين ومناطقهم بدأت الشكوك تتسلل إلينا حول مصداقية منح هذه الشواهد والمنح ثم تحولّت مع مرور الدقائق إلى يقين. فبقدرة قادر -لا ندري من صاحبها- صار أهالي منطقة أجدير- بورد أقلية في تلقي المنح وشواهد التكريم مقارنة مع الباقي من أهالي المنطقة وهم الذين نالوا شرف الجهاد مثل غيرهم و شرف الشهادة أكثر من غيرهم، و الدليل على ذلك واضح ولا مجال فيه للشك! فبزيارة لمقبرة الشهداء التي يرقد فيها ما يقارب الستين شهيدا يتبين مدى الفارق ولا مقارنة مع وجود الفارق كما يقال! فكيف يعقل أن يصيروا أقلية هذه السنة بالذات؟ علما أن السنوات الماضية كان يُحترم فيها هذا المنطق إلى حد بعيد وكانت ريادة محور أجدير-بورد من حيث الاعتراف و التقدير لا تشوبها شائبة.
طبعا نحن لم نُبخس أبدا -و لا نُبخس- و لم نُقلل كذلك -و لا نُقلل- من شأن أحد فيما يخص مشاركة أهالي منطقة اﯕزنّاية برمّتها في المقاومة والجهاد، لكن التاريخ يشهد والأرقام لا تكذب! و حتى ذكر اسم أحد المقاومين وربط مشاركته بشكل مباشر بقيادة السي عبد الله الزكريتي (و التي كانت في مركز أسويل بمنطقة أجدير) كانت ضربا من العبث في الحقائق لأنه بكل بساطة لم يكن تحت قيادته، و ذلك بشهادة السي عبد الله الزكريتي نفسه حيثأخبرني بذلك حينها! لم تكن المحاولة بالتحايل على أهالي منطقة أجدير موفقة، فالذاكرة الفردية والجماعية لا تزالان حيّتان -و الحمد لله- و كل شي كان يوحي بالتلاعب بالحقائق والقفز على الحدث لتمكين بعض المقربين من حقوق غير مستحقة وامتيازات مُصطنعة، لأن من قاموا بذلك - أو كانوا من وراء ذلك- راهنوا كثيرا على غيابنا حتى لا ينفضح الأمر.
وحتى محاولتهم تدارك الأمر بمنح الكلمة للسي عبد الله الزكريتي في المنصة الشرفية - كما سبقت الإشارة أعلاه- كانت ضربا من العبث لأنها خارج النهج السليم وضربا للأعراف، ومحاولة يائسة لذر الرماد على العيون، غير مدركين أن الهدف من حضورنا فعليا لم يكن أبدا ولن يكون من باب التباهي أمام الناس بل لنكون شاهدين على الحدث الذي يتجدد كل سنة وحضورنا واجب و نحن أوفياء له كما هو وفاءنا للوطن الذي ضحى من أجله آباؤنا وأجدادنا وهذا أضعف الإيمان.