الجمعة، 7 أبريل 2017

حكومة العثماني وفرصة الوحدة السياسية بين الهوية الأمازيغية والمرجعية الإسلامية .. بقلم : محمد بودهان

بقلم : محمد بودهان

بعد أن نجح الدكتور سعد الدين العثماني في تشكيل الحكومة، التي عيّنها الملك يوم الخامس من أبريل 2017، وأصبح بذلك رئيسا فعليا لها باسم حزبه “الإسلامي”، يجوز لنا أن نتساءل عما سيكون عليه موقفه من الأمازيغية وتعامله معها كرئيس للسلطة التنفيذية؟


هذا التساؤل ليس هو فقط كون الدكتور العثماني ذا موقف شخصي ـ وليس الموقف حزبيا ـ متقدم من الأمازيغية، يتجاوز حتى موقف العديد من النشطاء الأمازيغيين الجمعويين، وذلك لقناعته، التي عبّر عنها في عدة مناسبات، أن المغرب أمازيغي، سواء كان المغاربة ناطقين أو غير ناطقين بالأمازيغية، وإنما مبعثه أنه يمثّل حزبا لا يخفي عداءه للأمازيغية، ولا يتورّع أمينه العام من السخرية منها ومن الأمازيغيين في تجمعات عمومية، وأنه سيقود حكومة لا زال تفعيل الترسيم الدستوري للأمازيغية ينتظرها، وهو التفعيل الذي عطّلته وأجّلته لأكثر من خمس سنوات الحكومة السابقة التي كان يقودها السيد بنكيران، المعروف بغلوّه الأمازيغوفوبي المكشوف والصريح.

فكيف سيتعامل إذن الدكتور العثماني، من موقعه كمدافع عن الأمازيغية وكمدافع، في نفس الوقت، عن إيديولوجية الإسلام السياسي الإخواني للحزب الذي باسمه يقود الحكومة؟ بل كيف سيدافع عن الاثنين (الأمازيغية وإيديولوجية “البيجيدي”) مع العمل، في نفس الآن، حسب توجّهات وتوجيهات وانتظارات القصر الذي اختاره وعيّنه رئيسا للحكومة؟ هذا مشكل “مأزقي” Dilemmatiqueيبيّن أنه لا يستطيع أن يفعل شيئا “خارقا” للأمازيغية إلا إذا كان ذلك برضا حزبه المعادي أصلا للأمازيغية، و/أو بإقرارا من القصر.

في الحقيقة، هنا، بخصوص إرضاء الحزب والقصر، قد يجد الرئيس الجديد للحكومة، الدكتور سعد الدين العثماني، الفرصة متاحة لخدمة الأمازيغية، ودون أن يخرج عن مرجعية الحزب الذي عُين باسمه رئيسا للحكومة، ولا عن سياسة القصر الذي عيّنه في هذا المنصب. كيف يمكن ذلك؟

بما أن “البيجيدي” يدّعي انه حزب إسلامي، يرمي إلى تطبيق تعاليم الإسلام، فإن رئيس الحكومة، الممثّل لهذا الحزب الأغلبي، وحتى يطبّق تعاليم الإسلام انسجاما مع مرجعية حزبه، سيكون ملزما بالقطع مع سياسة التعريب الأمازيغوفوبية، المخالفة والمناقضة لتعاليم الإسلام، والتي ترمي، ليس إلى تطبيق هذه التعاليم، بل إلى تطبيق تعاليم العروبة العرقية، كما يدل على ذلك مفهوم “التعريب”، الذي يعني تحويل ما ليس عربيا إلى عربي، وهو شيء لا يدعو إليه الإسلام ولا يأمر به، بل يمنعه وينهى عنه لأنه يمثّل نوعا من التحول الجنسي المحرّم شرعا. وهنا يجدر التنبيه والتأكيد والتوضيح أن هذا التعريب، الذي يتخذ شكل تحول جنسي هوياتي يستهدف مسخ هويات الشعوب غير العربية، مثل الشعب الأمازيغي، لا علاقة له بتاتا بنشر وتعليم اللغة العربية التي لا يؤدّي نشرها وتعليمها، كما هو حال جميع اللغات، إلى تغيير هوية من يتعلمها ويتقنها. ولهذا نقول، كما نكرر ذلك دائما: نعم للعربية والعناية بها وتنميتها وتدريسها كلغة، لكن لا، وألف لا، للتعريب الذي هو تحويل جنسي للشعوب غير العربية، مخالف لمبادئ وأهداف الإسلام وخارج عنها.

إذن، إذا كانت الحكومة إسلامية حقا لأن وراءها برنامجا إسلاميا لحزب إسلامي يمثّل الأغلبية، ويقودها رئيس إسلامي حقا، وتسعى حقا إلى إعمال المرجعية الإسلامية لحزب “البيجيدي”، فإن مما يندرج ضمن هذه المرجعية الإسلامية محاربة فاحشة التحول الجنسي المسمّى “التعريب”، المخالفة لهذه المرجعية، والعمل على تطبيق مبادئ ومضامين هذه المرجعية في إطار الهوية الطبيعية والأصلية التي ارادها واختارها الله لشعب شمال إفريقيا، الذي يشكّل المغرب جزءا منه، وهي هويته الأمازيغية المنسجمة مع انتمائه الجغرافي الإفريقي.

وعندما ينفّذ رئيس الحكومة الإسلامي هذه السياسة الإسلامية، التي تعيد الاعتبار للأمازيغية كهوية للمغرب وللشعب المغربي وللدولة المغربية، وتضع حدّا للشذوذ الجنسي الهوياتي المنتشر ببلدنا، فلا يمكن أن يعارضه رفاقه في الحزب الإسلامي، لأنه لم يفعل إلا تطبيق المرجعية الإسلامية التي ينادي “البيجيديون” بتطبيقها صباح مساء، وإلا فسيقعون في تناقض صارخ مع هذه المرجعية التي يزعمون أنها علة وجود حزبهم الإسلامي، ويظهرون كمجرد منافقين ومخادعين ودجّالين، لا مبادئ ولا مصداقية ولا مرجعية دينية ولا فكرية لهم، هدفهم ليس الإسلام في ذاته وإنما فقط استعماله للتمكين للعروبة العرقية بمضمونها العنصري الجاهلي الذي حاربه الإسلام ونهى عنه.

فكما نلاحظ ونستنتج، فإن تطبيق أحكام الإسلام، كما يطالب بذلك حزب “العدالة والتنمية” الإسلامي، من طرف الحكومة التي يرأسها السيد سعد الدين العثماني باسم انتمائه لهذا الحزب الإسلامي، لا بد أن يمرّ عبر الاعتراف بالأمازيغية والإيمان بها كهوية للمغرب وللشعب المغربي وللدولة المغربية، اعترافا وإيمانا بقرار ربّاني قضى أن يكون شعب شمال إفريقيا، الذي ينتمي إليه المغرب، أمازيغيا في هويته، وشعب الجزيرة العربية عربيا في هويته، وشعب اليابان يابانيا في هويته، والشعب الإيراني فارسيا في هويته، والشعب البريطاني إنجليزيا في هويته…، انسجاما مع هوية الموطن الجغرافي لهذه الشعوب… أما العمل على تعريب الشعب الأمازيغي أو الفارسي أو الياباني، أو تمزيغ الشعب العربي أو التركي، فذلك نوع من التحدّي لقرار الله، ونوع من الشرْك به بمحاولة القيام بما هو من اختصاصه وعمله، عندما قرّر خلق الشعوب بهويات مختلفة ومستقلة بعضها عن البعض الآخر.

إذا نهج إذن السيد سعد الدين العثماني الإسلامي سياسة إسلامية تحارب التحول الجنسي الهوياتي، ورسّخ الأمازيغية كهوية للمغرب وللشعب المغربي وللدولة المغربية، فسيكون ذلك، كما سبق أن أوضحنا، من باب تطبيق تعاليم الإسلام كما يطالب بذلك حزبه الإسلامي، وهو ما سيحوّل هذا الجزب، من خلال تطبيق هذه السياسة الإسلامية في ما يخص الهوية، إلى حزب إسلامي حقيقي، أي حزب هدفه هو تطبيق أحكام الإسلام في إطار الهوية الأمازيغية التي اختارها الله لشعب شمال إفريقيا، وليس هدفه تغيير هذه الهوية بتعريبها وتحويلها الجنسي، والذي هو عمل منافٍ لأحكام الإسلام. بهذا الموقف الإسلامي إزاء قضية الهوية، سيصبح حزب العدالة والتنمية جزبا إسلاميا حقيقيا مثل الأحزاب الإسلامية الحقيقية في جل الدول الإسلامية، والتي تدافع عن الإسلام لكن في إطار الهوية الأصلية والطبيعية لكل بلد، كما نجد في تركيا وإيران وباكستان وإندونيسيا مثلا، حيث تدافع الأحزاب الإسلامية بهذه البلدان عن تطبيق الشريعة في إطار الهوية التركية والفارسية والباكستانية والإندونيسية، وليس في إطار هوية عربية، مختلفة عن هوية الأرض التركية والإيرانية والباكستانية والإندونيسية، وهو ما كان سيتنافى مع مبادئ الإسلام وغاياته التي ليست هي تغيير هويات الشعوب ولا تعريبها.

وعندما يطبّق السيد العثماني، من خلال الحكومة التي يقودها باسم حزبه الإسلامي، المبادئ الحقيقية للإسلام الحقيقي، الذي يعترف بالأمازيغية كهوية للمغرب وللشعب المغربي وللدولة المغربية، وليس الإسلام التعريبي الذي كان يستعمله حزبه لتحويل المغاربة عن جنسهم الأمازيغي، فسيعود بالدولة إلى ثابتيْها الأصلييْن اللذيْن كانت تقوم عليهما منذ انتشا ر الإسلام في المغرب. وهذان الثابتان هما: الأمازيغية والإسلام، وذلك قبل أن تتدخل فرنسا لتحوّر هذين الثابتيْن إلى العروبة والإسلام، وتستبعد، كهوية للدولة، الثابت الأصلي والأصل الثابت الذي هو الأمازيغية. استعادة هذيْن الثابتين مجتمعيْن، هي استعادة للوحدة السياسية، المفقودة منذ 1912، بين الهوية الأمازيغية والمرجعية الإسلامية. وتتجلى هذه الوحدة في اعتماد الحكم بالمغرب على الإسلام كدين للدولة، وفي ممارسة هذا الحكم باسم الانتماء الأمازيغي باعتبار المغرب دولة أمازيغية في هويتها، التي تستمدها من موطنها الشمال الإفريقي. وهنا نذكّر أنه لا يجب الخلط بين الانتماء الأمازيغي الذي يخصّ الهوية، وبين الانتماء المغربي الذي يخصّ الجنسية، وهو خلط شائع، ناتج عن النظرة الخاطئة إلى مفهومي الهوية والجنسية كمترادفين مع أنهما شيآن مختلفان.

أما في ما يتعلّق بمراعاة اختيارات القصر، فمن المعلوم أن الملك يقود اليوم سياسة إفريقية، إرادية وواعية، وبعزم وتصميم وتخطيط، استرجع معها المغرب مقعده بالاتحاد الإفريقي وعاد بها إلى حضنه الإفريقي. لكن هذه العودة إلى إفريقيا ليست فقط عودة سياسية أو ديبلوماسية أو تجارية أو اقتصادية فقط، ذلك أن العديد من الدول، كالصين أو فرنسا أو الهند أو البرازيل مثلا، قد تقيم علاقات من هذا المستوى السياسي والديبلوماسي والتجاري والاقتصادي مع بلدان إفريقية. عودة المغرب إلى الحضن الإفريقي، قبل أن تكون سياسية واقتصادية، هي عودة هوياتية قبل كل شيء، أي أن المغرب يعود إلى هويته الإفريقية، يعود إلى أصله، يعود إلى نفسه. فانتماؤه الإفريقي ظل ناقصا ومبتورا منذ 1912، عندما أصبح ينعت بالمغرب العربي، في نشاز صادم مع انتمائه الإفريقي. فكان إفريقيّا بجسده فقط دون روحه التي تحوّلت إلى عربية منذ 1912. ففقد بذلك أولا روحه الإفريقية التي تمثلها أمازيغيته، وثانيا سيادتَه الهوياتية عندما أضحى تابعا لنفوذ هوية أجنبية عن انتمائه الإفريقي. مع أن ما يجعل من المغرب بلدا فريقيا هو أمازيغيته التي تمثّل روحه الإفريقية. فهو بلد إفريقي لأنه أمازيغي. وبالتالي فإن استكمال انتمائه الإفريقي يقتضي استعادة انتمائه الأمازيغي كاملا، وهو الانتماء الذي به يستكمل كذلك استقلاله وسيادته الهوياتيين.

ومن هنا فإن عمل حكومة الدكتور العثماني على ترسيخ الهوية الأمازيغية للمغرب وللشعب المغربي وللدولة المغربية، سيكون ترسيخا للانتماء الإفريقي للمغرب، وهو ما سيكون إعمالا للاختيارات الملكية ذات التوجّه الإفريقي. وهكذا ستكون عودة المغرب إلى الأمازيغية، كهوية للشعب المغربي وللدولة المغربية، هو تعبير ـ وشرط لها ـ عن عودته إلى أمه إفريقيا، وهو ما يتماشى مع السياسة الخارجية للملك بخصوص قارتنا هذه.

ومما له دلالة على أن خدمة الحكومة للأمازيغية، كهوية للمغرب وللشعب المغربي وللدولة المغربية، سياسة تخدم الاختيارات الملكية، هو أن الملك قد عيّن الدكتور العثماني كرئيس للحكومة وهو يعرف توجّهه الأمازيغي الذي لا يخفى على أحد، ويعرف أنه عندما كان وزيرا للخارجية اقترح استبدال عبارة “اتحاد المغرب العربي” بعبارة “الاتحاد المغاربي”، للقطع مع أي انتماء عربي مزعوم لبلدان شمال إفريقيا، ويعرف أنه يمثّل النقيض المباشر للسيد بنكيران في ما يخص موضوع الأمازيغية. من هنا قد نستنتج أن هاجس الأمازيغية لم يكن غائبا كلية عن دوافع اختيار الملك للدكتور العثماني. وهو ما قد يعني أن كل قرار تتخذه الحكومة لتنمية الأمازيغية ورد الاعتبار لها والاعتراف بها كهوية للمغرب وللشعب المغربي وللدولة المغربية، لن يلقى إلا التأييد والموافقة من طرف الملك.

هذا هو المنتظر أن تفعله حكومة السيد العثماني على افتراض أنها حكومة إسلامية يقودها حزب إسلامي. أما إذا استمر رئيسها الإسلامي في تطبيق البرنامج التعريبي العنصري والجاهلي، المخالف لمبادئ الدين الإسلامي، والذي يستعمله الحزب لمعاداة الأمازيغية وتعميم سياسة التحول الجنسي التي يحرّمها الإسلام، فلن يختلف الدكتور سعد الدين العثماني السوسي عن ابن منطقته العلّامة المرحوم المختار السوسي الذي كان، كما يفعل السيد العثماني نفسه، يحبّ التذكير بأمازيغيته، لكن فقط كمناسبة للتذكير بفضل العرب والعروبة والعربية على الأمازيغية والأمازيغ، حسب استلابه وقناعته الخاطئة. وهي قناعة كان المرحوم المختار السوسي يفهم من خلالها، كما عبّر عن ذلك في كتاباته، تعريبَ الأمازيغ كإنعام من الله عليهم، وإحسان منه إليهم، وعناية ربّانية خاصة بهم. وهو ما يفتح باب التحول الجنسي الهوياتي للأمازيغ على مصراعيه باعتباره تكريما لهم وحدبا من الله عليهم.

لكن المرحوم العلّامة المختار السوسي كان ينتمي إلى “الحركة الوطنية”، التي بنت مشروعها “الوطني” على إيديولوجية التحول الجنسي الذي سمّته التعريب. أما الدكتور سعد الدين العثماني فينتمي إلى حزب يُفترض أنه إسلامي. يكفي إذن لرئيس الحكومة أن يعمل طبقا للمبادئ الإسلامية الحقيقية للإسلام الحقيقي، الذي يدّعي حزبه أنه يدافع عنها، ليخلّص الحزبَ من توجهاته غير الإسلامية، المتمثّلة في تبنّيه لسياسة التحول الجنسي الهوياتي للمغاربة، ويخلّص في نفس الوقت ـ وهذا هو الأهم ـ الشعبَ المغربي والدولةَ المغربية من خطيئة الشذوذ الجنسي الهوياتي، وذلك بالعودة بالمغرب إلى حالته الطبيعية والسوية ـ غير الشاذة ـ التي يكون فيها على ما هو عليه، مطابقا لانتمائه الترابي ومنسجما مع هويته الأمازيغية الإفريقية.