بقلم : محمد الخواجة
نظمت "جمعية أكنول للتنمية والثقافة وحفظ الذاكرة" و "جمعية أجدير اكزيانة للتنمية والتواصل" و"جمعية بورد للتنمية والرياضة للجميع" بمناسبة الذكرى 62 لانطلاق جيش التحرير بالشمال الشرقي عامة وقبيلة اكزناية بصفة خاصة بمركز أجدير يومي 17 و18 نونبر 2017 ندوة علمية وتاريخية.
وعلى هامشها تم تنظيم معرض للكتاب ومعرض للمنتوجات المحلية أشرفت عليه بعض جمعيات أجدير، إلى جانب معرض لبعض الأدوات والأواني وغيرها تذكر بالموروث المحلي الضارب في أعماق التاريخ. وقد امتدت الأنشطة المختلفة إلى جانب الجلسات العلمية التاريخية على مدى يومين، واستقطبت عددا كبيرا من المهتمين، قدموا من مختلف جماعات دائرة أكنول: أجدير، أكنول، تيزي وسلي، إلى جانب فعاليات ثقافية جاءت من مختلف المدن المغربية القريبة والبعيدة، وقد كللت الندوة بعدة جلسات:
-الأولى تم خلالها استقبال المشاركين، ثم ترأس فقراتها صبيحة 17 نونبر ذ. مراد اجوز توزعت على كلمات الجمعيات المنظمة وجمعيات صديقة، إلى جانب مداخلة د. عبد الرحمن الطيبي تحت عنوان: "مسار مقاومة قبيلة اكزناية ومقتل عباس المساعدي من خلال كتاب ذ. محمد لخواجة: "جيش التحرير المغربي..."، قدم خلالها للكتاب بعرض جوانب من فصوله مع إنهاء مداخلته بمجموعة من التساؤلات والملاحظات حول بعض القضايا المثارة في المؤلف، وعلى رأسها مقتل عباس المساعدي الذي تأوى مقبرة الشهداء بأجدير رفاته. -وقد ذيلت المداخلة بفترة خصصت للمناقشة، أثيرت فيها عدة إضافات وأسئلة طرحت من لدن الحضور تنم عن تعطش كبير لاستيعاب جوانب من تنظيم (ج.ت). -الثانية كانت تحت رئاسة ذ. عباش رضوان وهمت ثلاث مداخلات إلى جانب عرض لفيلم "أنعاق" (سنهاجر).
1-المداخلة الأولى تحت عنوان "رجال السلطة المغاربة من التعاون إلى الثورة" للأستاذ: عبد العزيز بودرة، تناول من خلالها، انطلاقا من مجموعة من الوثائق الفرنسية الفترة التي تشمل بضعة شهور قبل الانطلاق جيش التحرير وبعده. وقد أشار من خلالها إلى المراقبة اللصيقة لأعوانها من قائد وشيوخ ومقدمين فلاحظت أن جنابهم لا يؤمن نظرا لانحياز كثير منهم إلى مقاتلي جيش التحرير، لاسيما بعد أن شاع مقتل قائد مزكتام في صدام مع بعض مقاتلي جيش التحرير.
2-مداخلة ذ. عبد الوافي المسناوي تحت عنوان: "مذكرات احرضان" المتمحورة حول الجزء الأول من مذكرات احرضان أثار فيها على الخصوص علاقة احرضان بجيش التحرير التي شابها كثير من الغموض والادعاء المفضيين في الواقع إلى نفيها.
3-المداخلة الثالثة من إعداد د. عبد المجيد العزوزي تحت عنوان: "مذكرات لاريونيون بقلم محمد بن عبد الكريم الخطابي" التي ترجمها وحققها إلى جانب ثلة من الأساتذة الأجلاء من أبناء الريف. وقد أتحف الجمهور الحاضر بالمنهجية المعتمدة، وبكثير من الصور والوثائق... إلى جانب إبرازه لمضامين العمل الأكاديمي الذي تمحورت حوله الترجمة والتحقيق.... إلخ.
4-عرض فيلم "أنعاق" لمخرجيه محمد بوزية وقاسم أشهبون الذي لامس موضوعات تاريخية واجتماعية لها علاقة وطيدة بالريف على مدى عشرات السنين من القرن الماضي، سواء منها ما يتعلق بالهجرة إلى الجزائر أو إلى أوروبا... وقدم ذ. حكيم كربوز أرضية مهدت لعرض الفيلم أشار فيها إلى حيثيات إعداد الفيلم وجدته.... واختتمت الجلسة الثانية بتدخلات وتساؤلات تنم عن الاهتمام الذي أولاه الحضور للمواضيع المطروحة، بالإضافة إلى تعميق النقاش في مدلول عنوان الفيلم، وما يتعلق بمذكرات "لاريونيون" وغيرها وظروف كتابتها وقيمتها العلمية التاريخية بالمقارنة مع باقي الكتابات التي تعود للخطابي، والأشخاص الذين تناوبوا على تدوين ما أملاه، وهو يقيم بالقاهرة.
إلى جانب هذا أثيرت عدة تساؤلات حول احرضان ومذكراته وعلاقته بجيش التحرير التي لم يشر إليها إلا الجنرال جورج سبيلمان الذي كان رئيسه في إحدى الفرق العسكرية الفرنسية، وأثير كذلك عدم جدية انتساب احرضان إلى جيش التحرير وأحرى أن يكون من رؤسائه. الم يطلب منه أيام الاعداد للكفاح المسلح الالتحاق بقيادته في الشمال. فطار إلى فرنسا على عجل لا ينوي على شيء!...
الجلسة الثالثة: ترأسها ذ. يوسف حموش، وشملت أربع مداخلات:
-الأولى: كانت للأستاذ عمر لمعلم، تحت عنوان: "دروس وعبر من ملاحم جيش التحرير بالريف". تعرض فيها لمراحل تأسيس وكفاح جيش التحرير، وربط ذلك بالحضور الوزان لدى أبناء اكزناية للموروث التاريخي المتصل بحرب الريف (21-1926) والذي كان فيه هؤلاء جنودا وقادة ميدانيين، ولا شك أن هذا الموروث العظيم هو ما دفع بهم إلى أخذ المبادرة مطلع الخمسينات لإعداد الخلايا، والدخول في حرب تحريرية مع منتصفها، حذت فيها حذو حرب العصابات الموروثة عن الآباء والأجداد في العشرينات.
-الثانية: كانت للأستاذ محمد لخواجة تحت عنوان: "فرنسا وهاجس انطلاق حركة تحريرية بالمغرب"، تطرق فيها للوجه الثاني من عملة الصراع الذي كانت تقوده فرنسا منذ بداية الخمسينات تجاه العمل السياسي والفدائي، لتتقوى شراسته مه انطلاق جيش التحرير في 2 أكتوبر 1955، ورغم كل الاستعدادات الفرنسية، فقد أبانت عن ضعف مخابراتها واختلال العلاقة بين الإقامة العامة ورئاسة الحكومة أمام الحصار الذي ضرب عليها داخل الميتروبول، وكذا من جانب الإعلام الدولي وغيره، مما أفضى إلى الإسراع بتوقيع وثيقة الاستقلال يوم 2 مارس 1956 بعد أن صعد جيش التحرير ضرباته القوية في كثير من المواقع ضد جحافل جيوشها...
-الثالثة: كانت للدكتور محمد اللحية، تحت عنوان: "مركز بوزينب، إضاءة حول وضعه التنظيمي عند استعادة الفرنسيين له من يد "ج.ت" في 3 نونبر 1955" وقد ركز الأستاذ على مركز بوزينب الواقع شمال غرب اكزناية، والذي بقي مساره غامضا لتسرب جهات مختلفة في إطار محاولة وضع رجل وسط جيش التحرير باكزناية، فكان حضور بعض أفراد حزب الإصلاح (كما يشير الأستاذ) إلى جانب بنعثمان الذي أرسل في ظروف غامضة إلى المنطقة هذه مرة بادعاء القيادة وأخرى بادعاء إعداد تقرير حول سير جيش التحرير.
لكن لجوءه إلى جمع السلاح وتخزينه لتنقض القوات الفرنسية على الموقع وتحتله بعد شهر من إفراغه، لا يدل إلا على ما كان يدبر في خفاء لمسار جيش التحرير الذي استعصى امره على الجميع...
-الرابعة: كانت للطالب الباحث حسن اجوز تحت عنوان: "الحركات التحررية المغاربية من نهاية الحرب العالمية الثانية إلى غاية الاستقلال"، أبرز فيها المراحل التي قطعتها الحركات التحريرية في شمال افريقيا منذ نزول الخطابي بالقاهرة أواخر ماي 1947. كما أشار إلى التعاون الذي أبداه الجميع عند تأسيس لجنة تحرير المغرب العربي (شمال افريقيا) والتي ترأسها محمد بن عبد الكريم الخطابي، وعضوية مختلف شخصيات الأحزاب السياسية لكل من تونس والجزائر والمغرب.
كما تناولت المداخلة الخلافات التي طفت على السطح بعد إصرار الخطابي على ضرورة رفع التحدي الاستعماري باعتماد الكفاح المسلح لأبناء شمال افريقيا.... وقد تخللت المداخلات الأربعة تدخلات مجموعة من مقاومي جماعة أجدير وبورد، إلى جانب قراءات شعرية، من إبداع شباب أجدير، التي كان معظمها باللغة الأمازيغية تمحورت حول أمجاد المنطقة وبطولات رجالها ونسائها أيام حرب الريف (21-26) وحرب التحرير (55-56) من القرن الماضي، وكذا معاناة الساكنة من ظروف التهميش، بالإضافة إلى هذا أبرزت بعض التدخلات ما تعانيه جماعات القبيلة من إقصاء على جميع الأصعدة.
وزكى هذا الطرح ما أشار إليه الكثير من الحضور الذين لا ينتمون إلى دائرة أكنول. ولمس هؤلاء التهميش البين من خلال معاينتهم لأوضاع "أجدير" ببناياتها الجميلة التي لا ترقى إليها ما تعانيه المرافق العامة، والبنيات التحتية، حيث تغيب بشكل صارخ، حينما لا يستسيغ المرء رؤية الأزقة المتربة إلى جانب أرضية السوق الأسبوعي التي توحي بأن المرء يعيش في أجواء تعود إلى قرون مضت، فإذا كانت الساكنة تبذل قصارى جهدها للعناية بمساكها ومحيطها ، على جنبات الطريق العمومية المهترئة، وفي المداشر، فإن الجهات المعنية لا تقوم بأية مبادرة. فتكفي ميزانية إعادة تزيين بضع مدارات طرقية في المدن الكبرى على رأس كل دورة انتخابية، لتصبح أجدير وبورد وغيرهما مدنا صغيرة جميلة بكل المرافق من تعبيد الأزقة وإصلاح الإنارة ومد قنوات الصرف الصحي، وصرف مياه الأمطار، التي تراكم الأوحال، إلى جانب الإمداد بالماء، وتقوية قنوات "الوادي الحار"، والعناية الجيدة بالشارع الرئيسي سواء بتشجيره أو إصلاح جنباته وتبليطها بشكل جيد، مع إضفاء لمسة على واجهة المتاجر والمقاهي ....إلخ.
إن الطاقات الشابة التي تزخر بها أجدير واكنول وبورد كفيلة برفع التحدي نظرا لحيويتها وحسن تعاملها مع الحدث الثقافي والزائرين وسرعة الاندماج بذكاء اجتماعي لافت وسط الآخرين... والأجمل فيما لوحظ خلال أيام الندوة هو تفاعل العنصر النسوي مع كل مجرياتها من إعداد معارض والمشاركة في إعداد متطلبات الضيوف وحضور الندوات. أن يبرز هذا في مجتمع يعاني من التهميش المركز على جميع الأصعدة فهو دليل قاطع على القدرة الفائقة على اختراق الحواجز والاكراهات.
وهذا ما يجعلنا نستحضر أن أبناء هذه المناطق لا يعوزهم إلا تذليل بعض الصعاب ليقفزوا قفزا إلى القمة عاليا. أليست نجاة بلقاسم ابنة بادية الريف، التي وجدت بعض الاهتمام في فرنسا، عند التحاقها بوالديها وهي فقيرة خير دليل أمامنا، وهي التي اعتلت كرسي الوزارة في إحدى أرقى دول العالم؟ !.
حضر للتغطية الإعلامية قناة تامزيغت التي أنجزت عملا تشكر عليه، بحيث لامست أطوار الندوة وأنشطتها الأخرى بمهنية ثمنها كل من شاهد الروبورطاج. لكن القناة الثانية لم تكن في الموعد، حين ادعت أن الندوة عقدت بمناسبة عيد الاستقلال، عوض الإشارة إلى ما هو مدون في اللافتة التي تصدرت قاعة الندوة التي تؤكد على أن الأمر يتعلق بإحياء الذكرى 62 لانطلاق جيش التحرير المغربي.