الاثنين، 5 يونيو 2017

مقالات| سلمية سلمية من أجل الشعب ، يا فقهاء الفتنة وحكامها.. بقلم : عبد الرحيم إدو صالح

بقلم : عبد الرحيم إدو صالح 

يتبجح العبيد و رموز الفساد في وطننا ب " السكون الإجتماعي " مرددين مقولتهم المبتذلة : " الإستتناء المغربي " والذي يقصدون به فتور الحركة الإحتجاجية و عدم بلوغها المراحل الحاسمة التي وصلتها مثيلاتها في الأقطار المجاورة.


و تأكدو من هذا " الإستتناء " عندما تراجع المد الإحتجاجي بعد المقترحات الإصلاحية للحاكم ، وهو بالتأكيد تأويل تفوح منه رائحة الغباء السياسي ، لأن ماعتبروه " استقرارا " ليس مرده اقتناع الشعب بالحاكم ووعوده ، أو ثقته فيه و إيمانه بنيته في الإصلاح بل الحقيقة المقيتة تتجاوز ذالك لمن أراد تعقل الأمور و إذراكها. 

لقد اختار المناضلون المثقفون و المتنورون و الدمقراطيون تهدئة الوضع و التراجع المؤقت و ترك المجال للسلطة كي تلعب أخر أوراقها ، وتخطب كما تشاء وتدجن ما أرادت و ترقع ما لا يمكن ترقيعه ، في مسلسل كوميدي متناثر المشاهد تخللته ارتجالية و عشوائية و ارتباك في ردود الفعل نتجت عنها برامج و همية و إصلاحات على الورق.
 
لم يكن " الإستتناء المغربي " تعبيرا عن تراجع المحتجين أو خوفهم من الحاكم و عنفه ، لكنه كان لحظة تاريخية مهمة ترك فيها المثقفون المناضلون فرصة أخرى للدولة كي تعيد النظر في أنماط السيادة و في نظرتها المحتقرة للمجتمع و الوطن ، ربما قد تفهم الوضع بذكاء و تستغل فرصة الهدوء للقطع مع بنى الإستبداد ، وتعلن إقلاعا اقتصاديا و تنتمية اجتماعية حقيقية و نهضة حضارية تجعل المواطن يبدي ولاءه للدولة ليس خوفا منها أو طلبا لعطاياها ، لكن تقديرا لها و إجلالا لخدمتها له ، كان ذالك ممكن الوقوع من دون صراعات و صراخ في الشوارع ، غير أن دولة الإستبداد لدينا قد فشلت في مقاربة الأمر على هذا النحو ، فاعتبرت كل الشعب في قرارة نفسها متخلفا ، خائفا غبيا ، وفي خطابتها الرسمية تغنت بولائه لها في كل الظروف حتى أنه تنازل على مصالحه المادية من أجل استمرار الحاكم على عرشه ، و لطالما رددت قنواتها ذالك الشعار المقيت " الشعب متمسك بأهداب عرشه الميامين " و كتيرا ما ذكرني هذا الشعار بمشهد عبيد إمبراطوريات الطواغيت في حكم الأقدمين" بفارس " و" مصر " و إمبراطوريات الصين ، عبيد يحملون الملك على أعناقهم لمسافات طويلة ، وضربات السوط على ظهورهم تجلدهم دون أن يثوروا ضد الجلاد أو الحاكم المحمول ، هذه هي الصورة التي سوقتها السلطة عن شعبنا للعالم أجمع ، فنحن في نظرهذا الأخيرعبيد لحاكم جالس على عرشه قبلنا حمله على ظهورنا مند زمن ، فكيف لشعب مثل هذا أن يثور ؟ و كيف نخاف منهم و نخرج عن سكوننا حين يحتجون ؟ هكذا يتساءل المستبد ! .

بهذا المنطق أولت السلطة " الإستتناء المغربي " أو الإستقرار السياسي للمغرب " وما كان خفيا عنها هو تلك الحركة الفكرية التنويرية و الروح الإجتماعية ، و التي تطورت و انتشرت في عمق الجسم الشبابي للوطن عبر اعتماد المناضلين في التواصل و الحصول على المعلومة على وسائل حديثة تمنح المعرفة من دون رقابة ففي الوقت الدي لازال فيه النظام يدعم ترسانته الإعلامية التي لا يولي لها أحد أي اهتمام ، لأنها شاخت على التطبيل لخطابه الرسمي المدجن ، فإن الحقل الإجتماعي إتجه نحو بناء خطاب مغاير تماما للمفاهيم السياسية المتأكلة التي لا زال خدام السلطان يعتمدون عليها من قبيل : الراعي و الرعية - الولاء - البيعة - الوفاء للأسرة العلوية - العرش المجيد .... لقد توجه خطاب الشباب المثقف و المناضل إلى إعادة الإعتبار للمواطن و حقه في ثرواته و تساويه السياسي و الحقوقي مع الحاكم ، هذا الأخير توجب عليه أن يصبح في خدمة الناس لا أن يبقى الناس في خدمته . 

ما وقع في الريف و الوطن الآن ، هو تعبير مادي عن هذا الخطاب المنظم و الشجاع و الجريء و المنسجم ، لأنه نتيجة أملتها الظروف الإجتماعية في تناسق مع تنامي الوعي النضالي لدى الجيل الذي كان محظوظا في الإنفلات من تدجين الأليات الأديولوجية للدولة التي وظفت الدين لشرعنة دكتاتورية الأشخاص فكما تتبعنا جميعا ، وكما أسفر عن ذالك التحليل الإجتماعي ، فإن بنية الإستبداد انتجت أفيونا مخدرا للشعب ، مادته الأساسية هي التأويل المغرض للدين ، سوقته مصانع الأورتودوكسية التي تقتات من أموال الفقراء ، أورتودوكسية تتحدد وظيفتها في تخذير الناس و تهيئتهم لقبول الإستبداد و تجيشهم بفتاويها ضد المعارضين السياسيين حين يتهمونهم بتهم القرون الوسطى فيحاكمونهم كخارجين عن الملة و منتهكين لحرمة المساجد و حق العبادة ، هذا في الوقت الذي ليس فيه هؤلاء سوى معارضين سياسيين للنظام و أسلوب سيادته .

جاء اعتقال " ثوار الريف " على أساس هذه التهمة التي تفننت المؤسسة القضائية لدولة " الأرتودوكس " في نحتها على مقاس المناضلين . 

إن انتهاك حرمة المساجد و تدنيس العبادات بدأته السلطة عبر سياسة احتكار الدين التي مارستها مند بداية ما يسمى بالدولة الوطنية فانتقل التدين من سلوك تعبدي نقي اتجاه الله ، و من شعائر تطهيرية لروح الإنسان إلى قناة يصرف عبرها المستبدون خطابهم الرامي إلى خلق جيل مستكين لا يرى في الحياة سوى طريق نحو الموت حيث النعيم الأبدي ، ففقدت المساجد و ظيفتها و غدت فروعا للإذاعة الوطنية ، و تحول رجل الدين من فقيه إلى مديع أخبار ، يتغنى بمناسبات تحتفي بالحاكم و أسرته ، هذا هو التحريف الحقيقي للدين ، و ذالك هو الإنتهاك الصارخ و البشع لحرمة المعابد ، إنها الجريمة التي يستحق مرتكبوها العقاب و المساءلة القانونية لأنهم دنسوا الدين و جعلوه مبررا للإضهاد السياسي و الإستبداد الأعمى .

إن السلطة هي التي انتهكت حرمة الدين قبل غيرها ، حين احتكرته و قامت بترسيم خطاب ديني محدد، لا يعدو أن يكون في الحقيقة إلا تأويلها الشخصي للدين ، و هو تأويل تتحدد غايته في السيطرة على الناس و إركاعهم عن طريق الترهيب بالله و مثل السماء .

حين سئم الناس الخطب السياسية للفقهاء في المساجد ، تاروا على الفقيه و على عبوديته لغير الله ، حين سئم الناس تغاضي رجال الدين عن الأوضاع المزرية و في المقابل يصيحون بخصال الحاكم و يخصصون نصف وقت الصلاة لمدحه و الدعاء له ، رفضوا الإنصات لما يقوله الفقيه حين يخطب ، رغم أنهم يعرفون أن الكلام ممنوع و الإمام يخطب تحت طائلة اللغو المحرم ، حين تجرأ الفقهاء على نعت دعاة التغير و المناضلين و المحتجين بأبشع الصفات ، قرر الثوار أن يحتجو لينقدو الله و كلام الله و بيوت الله من دنس السياسة العاهرة التابعة لسلطة تبيع الوهم لضعاف العقول . 

ليس مفهوم " اللغو " من الإسلام في شيء ، بل هو مفهوم سياسي أبدعه " العباسيون " و قبلهم " الأمويون " كي لا يكون لأحد الحق في مقاطعة الفقيه و هو يخطب ، في زمن بدأت فيه الملامح الأولى لصراع الملل و النحل ، و تشكل المذاهب الفقهية ، فحاول كل فريق بناء " سياج إديولوجي " يحمي فرقته باعتبارها الناجية من بين كل الفرق الظالة الأخرى ، و بعد ذالك تحول المفهوم إلى الإستغلال السياسي لدولة الإستبداد كي ترغم المصلي رغما عنه للإنصات لطقوس الولاء لحاكم الأرض عوض الصلاة لرب السماء ، و ذالك هو حالنا اليوم ، فهم يطابوننا بأن نسكت و ننصت لثغاء الكهنوت المتعفن ، و يعتقلون من ثار على الفقيه و يعاقبونه بتهمة انتهاك حرمة المساجد و منع طقوس العبادة ، هذه هي التهمة الدينية لتبرير الإعتقال السياسي مايرسم أمامنا صورة واضحة لإفلاس شامل للدولة و فقهائها و فقهها و لتأويلها المغلوط و المنغلق للدين .
يصيح العبيد في الشوارع و على المنابر أن النضال في سبيل الكرامة و العدالة الإجتماعية هو فتنة يوقضها المحتجون ، و ليس " المحتجون " هنا إلا الدمقراطيون المناضلون ، غير أن " القتنة الكبرى " في التاريخ كما نعلم جميعا قد بدأها الفقهاء أنفسهم بل أشعل فتيلها الصحابة و الرواة و القراء المحدثون المبشرون بحنان النعيم ، كما أشعلتها اليوم " داعش " و" بوكو حرام " و " القاعدة" و " أنصار الشريعة " ، و التسميات تتعدد بتعدد النزوعات العدوانية لمؤسسي الملل الإرهابية . 

الفتنة يشعلها أصحاب الجلابيب و اللحي المسدلة و معهم المستبدون الممسكون بزمام الأمور ، فالحاكم الدمقراطي يسعى دوما لسيادة السلام و الأمن في وطنه ، لهذا فإنه يحاول جاهدا إيجاد حلول سريعة منصفة و منطقية للإشكالات و المطالب التي تطرحها الحركة الإحتجاجية في وطنه ، أما الديكتاتور المستبد فهو دائما مايقمع و يرهب الناس بإشهار فزاعة الإرهاب و الفتنة ، إن الحاكم الدمقراطي المواطن لا يخيف شعبه بل يخرج إليهم باستمرار و يستمع لمطالبهم كلما عبروا عن شكوى كيفما كانت بسيطة . 

إلى اليوم ، بقي حاكمنا صامتا ، اتجاه الأحداث الجارية و تقلبات الشارع الذي يشهد غليان غير مسبوق لازال الحاكم جالسا في قصره ينتظر مهندسي الدينامية الإجتماعية ، و منظري السياسات العمومية التابعين للداخلية و الإستعلامات ، كي يهدؤو له الأوضاع ، دون أن يخسر هيبته بأن يخرج للعموم و يظهر في صورة الحاكم الدي يحركه احتجاج الشارع ، لذالك بقي صامتا صمت الأموات ، إنها غلبة الأنفة و العزة المتوهمة على مصالح الشعب و مصائر أبنائه . 

إدا كان حاكمنا يخشى على وطنه من الفتنة و القلاقل فقد كان عليه أن يواجه الحقيقة و يخرج علنا إلى الشعب و يستجيب لمطالبه مادام كل شيء بيده ، فقد قلنا سابقا أن لا حكومة و لا أحزاب و لا نواب و لابرلمان في هذا الوطن ، هناك شخص واحد فقط : الملك ، فعليه إذن أن يتحمل مسؤولياته في ماوقع ويقع و سيقع إن لم يتخلص من الإستعلاء على المواطن و يغير نظرته لنفسه و موقعه فيتقبل كونه خادما للشعب . 

على السلطة أن تغير من سياستها المعتمدة على الروحانيات و توظيف المقدس ، فذالك مظهر من مظاهر تخلف السلطة و نظامها و تقاهة منطلقاتها الفكرية ، لتصبح سلطة رجعية تود لو عادت بالناس إلى قرون الظلام حيت السيادة كلها في يد فقيه رعديد مشعود يحوم ببخوره حول عرش ملك ضخم لكثرة ماشرب من دماء شعبه ، و حقا إننا نرفض أن يكون لنا مثل هذا الحاكم . 

أيها المناضلون الشرفاء ، إعلموا أن السيادة في دول الإستبداد تكون باحتكار الإقتصاد و المقدس ، و في الدمقراطيات العتيدة تبنى السلطة على المشروعية الجماعية أي أن الحاكم يستمد مشروعيته من المواطنين ، فاعلموا و ناضلوا على أن تنزعوا المقدس من غياهيب السياسة كي لا يعدمكم الجلاد تحت بركة فقيه مشعود ، و ناضلوا كي تتوزع الثروة على المواطنين بشكل عادل فيستفيد الكل من خيرات وطنه حتى لا يبقى الشعب معوزا ينتظر فتات مائدة السلطان .

أيها الرافضون للإستبداد ، استمروا في كفاحكم و لترفعوا شعارالسلام دوما ولا تستسلموا ، واتركوا تجار الدمم يصيحون ، و لا تغرنكم زيارة بهلوان سياسي على صورة وزير ، و لا خطبة عراف على هيئة فقيه على منبر مسجد ، فما يريدون إلا التهيء لحصد رقابكم حين تنتهون عما كنتم تفعلون .
أيها المناضلون إعلمو أن أكبر اللحظات التي أشعر فيها بتعاسة و بؤس و حزن لايوصف ، هي تلك التي تأتيني فيها ، و أنا وراء القضبان أخباركم و صور مسيراتكم و أصداء شعاراتكم ، دون أن أكون قادرا على مشاركتكم شرف الإحتجاج ، و دون أن أمشي في شوارع وطني لأصرخ في وجه المستبدين : ألا فلتسقطوا أيها الجبناء . 

ناضلوا و كافحوا فإن التاريخ لا ينسى الشرفاء.