بقلم : أيوب بطوي
ذات يوم من أيام الشتاء والبرد القارس الذي يجعلك تتكمش تحت خمسة لحافات من النوع الاسباني أو ربما ستة، تدفئ نفسك لكي تستطيع النوم بعد يوم شاق مررت به.
وأنت تحت ذاك الدافئ آذانك تستمع لموسيقى المطر الذي يتساقط على سطح المنزل المصنوع من الزنك، تلك الموسيقى التي تطرب سمعك بدقاتها المتفاوتة، تارة تكون خفيفة و فيها بعض الموال و الحنين و تارة أخرى تتغير إلى موسيقى الروك القوية فتهز كيانك، وبين هذا و ذاك أنت وسط تلك الموجات تصارع شبح الليل و تنتظر قطار النوم بفارغ الصبر، حين يصل ذلك القطار تركبه بسرعة ولا تهتم حتى بقطع التذكرة! انه قطار مجاني يركبه الغني و الفقير وليس حكرا على أحد و في أحيان كثيرة يكون الفقير هو الذي يركب الدرجة الأولى فيستمتع بنوم عميق هنيئ لا معانات فيه.
للأسف ذلك القطار لا يستغرق كثيرا لأنه سرعان ما يقف في محطة الصباح على صوت أمي تناديني لكي استفيق لأنه حان موعد النهوض و الاستعداد للذهاب إلى المدرسة، أخرج من بين كل تلك اللحافات الدافئة و كأنني أنساق إلى حبل المشنقة، في تلك اللحظة اقول لنفسي لا أريد ان أدرس دعوني أبقى نائما و ليأخذ الجهل عقلي! ولكن هيهات فنبع الحنان لك بالمرصاد، انهض آخذ فطوري الذي أعدته أمي سالفا، و بعد ذلك أبدأ في تركيب ملابسي، و كأنني أُركّب درعا حربيا، بل هو حقا درع ضد البرد القارس الذي يفتك بكل بقعة في جسدك لم يطلها الدرع، أجهز محفظتي و اقوم بوضعها داخل معطفي الكبير المقاوم للماء لكي لا يبللها المطر، ثم أخرج من باب المنزل فتضربني موجة من البرد تعيدني إلى الواقع و أنا على أتم الإستعداد للرحلة العظيمة.
رحلة مداها سبعة كيلومترات صباحا و مثلها في المساء تلك أربعة عشر كاملة، من دوار أزروالن إلى أجدير المركز و بعدها صعودا إلى القمة حيث توجد المؤسسة، بعد ساعة من المشي وصراع مع الوادي والمطر، لا أخفيكم سرا، الكشف عن السيقان في ذلك البرد القارس لكي تقطع الوادي لهو أصعب إحساس يمكن أن تشعر به في حياتك، و كأن رجليك يتم قطعها بمنشار بارد، ولكن من كثرة التكرار صار ذلك هيناً ومجرد روتين يومي لا يلقى له بال.
كل شيئ يهون في سبيل التعلم ولو أن في تلك الفترة لم نكن نعرف المعنى الحقيقي للتعلم و الدراسة ولكن منّ الله علينا حتا كبرنا وعرفنا المغزى و الهدف وكانت تلك المعاناة حافزا لنا من أجل الاستمرار، توالت الأيام ومضت السنوات ونسينا كل ذلك وصار ذكرى تتردد علينا بين الفينة والأخرى بحلوها ومرها، فهذه هي الحياة نعيشها بصعبها وسهلها ولولا تلك الصعاب ما كان هناك لذة للإنجازات.
(هذه مجرد خاطرة أردت أن أشاركها مع الاصدقاء الذين يحملون نفس الذكريات وكذلك مع الأساتذة الذين عايشونا تلك الأوقات)