بقلم : عبد الإله بسكمار
عرفتُ القائد السي عبد الرحمان اليوسفي رحمه الله الذي ودعناه في ظل الحجر الصحي( 29 ماي 2020) عرفته سنة 1983 في إطار ما كان يسمى ” الشبيبة الاتحادية ” ضمن مجلسها الوطني الثاني الذي أصبح هو المؤتمر الوطني فيما بعد(انعقد المجلس الوطني الثاني للشبيبة الاتحادية بالمركز التربوي الجهوي درب غلف الدار البيضاء بين 25 و27 مارس 1983).
كان الاخ عبد الرحمان قد جدد اللقاء بوطنه منذ سنة ونيف بعد عودته من المنفى بفرنسا إثر عفو ملكي، ولكن الحزب آنذاك ( 1983) كان يعاني آثار ضربة قمعية رهيبة من طرف المخزن بعد الإضراب الوطني العام للكدش ( 20 يونيو 1981) إثر الزيادة في الأسعار ثم حدث اعتقال الزعيم عبد الرحيم بوعبيد والمكتب السياسي بعد البيان التاريخي الرافض لمؤتمر نيروبي القاضي بتنظيم استفتاء على الصحراء المغربية.
كنا انذاك قد غيرنا موقعنا التنظيمي بحكم الانتقال من التلمذة بتازة إلى المجال الطلابي بكلية الآداب وجدة ، وتشاء لحظات التاريخ أن نصادف فترة فشل المؤتمر السابع عشر لأو طم حيث كان سقوطا مدويا لكل الفرقاء مما أفسح المجال للسلطة من جهة والظلاميين من جهة أخرى لاكتساح مواقع الجامعة المغربية بدل فصائل اليسار الديمقراطي وما سمي بالجذري على حد سواء.
ألقى الاستاذ عبد الرحمان كلمة عصماء حيى مجلسنا وشجعنا على المضي في النضال الوطني الديمقراطي الذي اختاره الحزب بعد المؤتمر الاستثنائي، وتعرفنا لأول مرة على الرنات المهيبة لصوت اليوسفي والتي تأثرت إلى حد ما برنات مناضلي حزب البعث أو بعض مناضلي اليسار المصري.
تمر السنون ويخوض الحزب معارك متعددة لكنها لم تكن في مستوى معارك السبعينيات وبداية الثمانينيات شارك خلالها الأستاذ عبد الرحمان وبكل فعالية في التجمعات التعبوية والنضالية، ومع ذلك فقد كان عموم الشعب يتعاطف مع الحزب وتضحياته في سبيل الديمقراطية ودولة الحق والقانون والحق في العيش الكريم.
لما عدت إلى تازة بعد فترة التكوين بكلية علوم التربية بالرباط أواخر سنة 1989عدت إلى التنظيم الحزبي لكني فوجئت بحجم المسخ الذي أصاب الأداة الحزبية : صراعات طفولية – حسابات ذاتية – تجاذبات ضيقة – تراجع رهيب في الفكر والميدان ومع ذلك استمررت في موقعي المتواضع كمناضل بسيط، وأتذكر ان السي عبد الرحمان خلال احد المنتديات الحزبية كان قد وصف إقليم تازة بأنه “إقليم الجدية ” وربما كان الأستاذ عبد الرحمان أوغالبا ينطلق من ماضي مجيد أسسه المرحوم المجاهد أحمد بن قليلو والراحل عزوز الجريري والمناضل اليعقوبي وحمادي حمو ( باحمو ) والمرحوم الحسن البويولي وعبد الكريم الأمراني والراحلة السيري وغيرهم من المناضلين الشرفاء هكذا تصورت هذا الإطراء من رجل وطني صادق.
كان مشهد جنازة الفقيد عبد الرحيم بوعبيد رهيبا حقا، وعاينا بالحضور الفعلي في مساء الرباط وقتذاك قيمة الشموخ وقيمة المبادئ التي مات عليها عبد الرحيم بوعبيد والمهدي وعمروغيرهم.
كان صوت السي عبد الرحمان يرن في آذاننا ونحن نتابعه خارج مقبرة الشهداء في الرباط بفعل ازدحام الجماهير المغربية والمناضلين ونشطاء المجتمع المدني والقوى الوطنية والتقدمية وممثلي مؤسسات الدولة، ولم يتسن لي تتبع هذا الخطاب المؤثر في وداع سي عبد الرحيم إلا فيما بعد.
ترأس سي عبد الرحمان اليوسفي رحمه الله المؤتمر الإقليمي الثالث فيما أتذكر بتازة حيث اكتظت سينما كوليزي بالجماهيرعن آخرها وكان لي شرف إلقاء كلمة الشبيبة الاتحادية في حين ألقى الاخ جغنين بلقاسم كلمة الكتابة الإقليمية للحزب بتازة وصدرت جريدة الاتحاد الاشتراكي يوم غد بمنشيط عريض حول هذا المؤتمر تخللته صور للأخ عبد الرحمان وللاخ جغنين ولي.
تمر السنون وتتفاقم الاحتراقات الداخلية المجانية أحيانا والمؤسسة أحيانا أخرى، لأن ضعف التنظيم جعل العديد من العناصر تتسرب إلى الحزب في ظروف ملتبسة ولم يكن همها إلا الكراسي والمناصب ( حتى أصبحت هي الحزب في نهاية المطاف بسبب عوامل متداخلة لا داعي للتفصيل فيها ) من جهة واستفحال الصراعات الضيقة من جهة أخرى ( الجناح النقابي والسياسي ) جعلت الأستاذ عبد الرحمان يقول ويردد في كلمة توجيهية لا أتذكر إن كان وقتها قد أصبح كاتبا أولا أم لا ” اتقوا الله في حزبكم اتقوا الله في وطنكم ” وأكد ان الاستحقاق الانتخابي آنذاك سيكون المحطة الأخيرة له.
طبعا واصل سي عبد الرحمان المشوار على مضض فيما يبدو حتى كانت تجربة التناوب وكملو من عندكم ههههههههه
لم يكن كل الاتهازيين والمصلحيين يعلمون ربما أن المستفيد الوحيد من انهيار الحزب وتآكله هو قوى معروفة للجميع وكذلك كان.
الآن راحت تلك اللحظات في ذمة التاريخ، حصلت قطيعة تنظيمية وسياسية وليست فكرية مدنية ونحمد الله على ذلك ورحم الله السي عبد الرحمان، فقد اجتهد وأخطأ وربما أصاب فالتاريخ الموضوعي المنصف وحده الحكَم والكلمة الأخيرة لن تكون إلا له ، لكن سي عبد الرحمان لم يكن في كل الأحوال انتهازيا ولا مصلحيا ولا وصوليا.