انطوت السنة الخامسة والخمسون بعد التسع مائة وألف, وانطوى مع هذا التاريخ اسم اجدير الذي ضرب به المثل في إذابة الحديد عقودا من الزمن, بعد أن ذابت آخر أنفاسها النابضة بالحياة, وعانقت جثمانها ترابها الناعم, لتحمل اسم (اكبر مقبرة شهداء في المغرب).
ولتصبح هذه الأخيرة (مقبرة) رفيقتها إلى هذا التاريخ, وتصبح اجدير من أستاذ في النضال والصمود, الى وكر للخمول, وطلل ترقص على بقاياه شيخات الزهو والمرقة على أنعام الدف والملحلون وتنويم ذوي أنصاف العقول, وتدجين ذوي الافهام المعاقة المحتاجة إلى من يأخذ بيدها إلى نور الحياة.
هكذا كانت قصة اكزناين بعد أن اخذ منها الدهر عرسانها الأشاوس, وصارت كالعرندس الجريح, تحوم حولها الغربان من كل ناحية وصوب, آخذة حصتها من العجوز المتربعة على عرش النسيان. ليتركوا أهلها يعانون ويل الويلات, اخذين ما تبقى من أرواحهم ما تروى به أجسادهم النتنة, وتترك اجدير جثة هامدة, بعد أن اخذ منها مغتصبوها بذرة الحياة, وترمى على قارعة الطريق لتتجرع سموم الجهل والبطالة والاستعباد, بعد أن كانت رمزا لتحرير العباد.
هكذا انطوت السنوات الثالثة والستون وهي تحبوا نحو ذيل التاريخ, بعد أن كانت ماسكة زمامه الذي يمضي على حمم من بركان, تغلي في صدر كل غيور, وتكوي قلوب من طعنهم المستعمر وراء ظهورهم.
اليوم !... وماذا بعد اليوم؟ أي غد لنا والأم مدفونة تحت أقدامنا و نجتر اسمها تحت نعالنا؟ وأي غد لنا ومن بيدهم زمام تحريك التاريخ ينامون في سبات وينتظرون السماء أن تمدهم بسيول الحرية؟ أي غد لنا والواحد فينا لا يهمه سوى أن يتجرع كاس شاي تحت رعاية لمقدم ونصرة الشيخ ورضا القائد؟ أي غد لنا والشاب فينا يتكل على أباه الذي اخذ الشيب من رأسه ما اخذ؟ وأي غد فينا وعروس اكزناين أضحت منبوذة مطرودة من قاموس الحرية و الحياة؟.
قال أبو الطيب المتنبي :
من يهن يسهل الهــوان عليه مــا لـــجرح بــمـيت إيـــلام
من يهن يسهل الهــوان عليه مــا لـــجرح بــمـيت إيـــلام
23/11/2018 الـمركب الجامعـي ظــهر المهراز -فــــــــــاس-