الأربعاء، 3 مايو 2017

مقالات| سياسة “المغرب النافع والمغرب الغير النافع” وشذرات من تاريخ اكزناية .. بقلم : محمد الخضاري

بقلم : محمد الخضاري

من يقف وراء سياسة التهميش والإقصاء الممنهج في حق إقليم تازة منذ 1956؟ وتهميش وإقصاء إقليم تازة، ليس إلا نموذجا للجهات التي تعاني النسيان والحرمان وسياسة “المغرب النافع والمغرب الغير النافع”.


وهذه السياسة المرتكزة على توسيع الفوارق بين “المغرب النافع والمغرب الغير النافع”، من ابتكار وتنفيذ المستعمر الفرنسي والإسباني، تتناقض كليا مع مفهوم الجهوية المتقدمة.

حسب معطيات المندوبية السامية للتخطيط (قبل التقسيم الجديد للجهات):
– نسبة الفقر في جهة تازة-الحسيمة-تاونات تبلغ 12,70، مقارنة مع جهة الرباط-سلا-زمور-زعير (2,38) وجهة الدار البيضاء الكبرى (2,73). لكن مع فارق كبير بين المناطق في نفس المدينة، مثلا نسبة الفقر تصل إلى 22% في مديونة والنواصر وعين حرودة…

 – معدل الهشاشة في جهة تازة-الحسيمة-تاونات يبلغ 13,59، مقارنة مع جهة الدار البيضاء الكبرى (7,09) وجهة الرباط-سلا-زمور-زعير (5,21) وجهة مكناس-تافيلالت (12,85).
وحسب تقرير صادم صدر، في السنة الماضية عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، حول تأخر المغرب في محاربة الفقر والهشاشة، نعيد نشر ما يلي :
– 44,3 % من المغاربة لا زالوا محرومين من التعليم والصحة والسكن.
– 60% من المغاربة يعيشون الفقر والحرمان.
– 12,6 % من المغاربة قريبون من عتبة الفقر.
– 4,9 % من المغاربة في فقر حاد.
– المغرب يحتل المرتبة 126 في مؤشر التنمية البشرية.
– وضعية زواج القاصرات: 16% في المغرب، مقارنة مع الجزائر وتونس (3%).
وحسب آخر تقرير للبنك الدولي، في السنة الماضية:
– المغاربة الذين يعيشون على أقل من 18 درهم (1,9 دولار) : 3,1 % من مجموع الساكنة (انخفاض نسبي).
– 15,5 % من المغاربة يعيشون على 29 درهم (3,1 دولار).
– معدل البطالة مازال مرتفعا: 9%.
نعم، الكلفة العسكرية للدفاع عن صحرائنا تبلغ حوالي 70 مليار دولار، مما يكلف المواطن الواحد، سنويا، حوالي 2200 درهم. ونحن مستعدون للتضحية بأكثر من ذلك، ولا جدال ولا مزايدة ولا كولسة ولا مؤامرة حول الدفاع عن بلدنا، ولو كلفنا الأمر الإقتصار على “أكل الخبز وشرب الماء”، دون طلب أكثر من ذلك.
لكن أن يتفقد حصاد المشاريع المندرجة ضمن النموذج التنموي في الصحراء، الذي رصد له غلاف استثماري إجمالي جد ضخم (قدره 77 مليار درهم)، فهذا يجعلنا نضع علامات استفهام كبيرة.
لكن أن يهتم المسؤولون بتنمية 4 أو 5 مدن ومحور القنيطرة الدار البيضاء، فهذا يجعلنا نقتنع باستمرارية نهج سياسة “المغرب النافع والمغرب الغير النافع”.

في العطلة الأسبوعية ليومي السبت والأحد 29-28 ماي 2016)، تملكتني رغبة جامحة لزيارة مدينتي الحسيمة والناظور، مرورا بمدينة تازة وأكنول وقسيطة. وبعد أخذ قسط من الراحة في أكنول المركز، رجعت بي الذاكرة إلى الوراء عندما نزلت ضيفا سنة 1976 عند “الحاج مسعود أقجوج”، أحد مؤسسي ومسيري فرقة جيش التحرير. وبالمناسبة نقترح ملفا موجزا للإستئناس والإطلاع على ما تزخر به بلادنا الرائعة والعزيزة من حامات وشلالات ومواقع وأحداث تاريخية ومناظر طبيعية خلابة، لكن، مع الأسف الشديد، هناك إهمال يطال هذه الأماكن الجميلة والطرقات المؤدية لها والمرافق الضرورية لقضاء بعض الوقت هناك دون عراقيل ومشاكل…
وعلاقة بموضوع البنية التحية، عندما نلتفت حولنا نجد الورشات المختلفة لبناء الطرقات ومد مجاري مياه الصرف الصحي وقنوات المياه الصالح للشرب ونقل الكهرباء والهاتف الثابت و… وكأن بلدنا (المغرب) لم يستقل منذ أكثر من نصف قرن(60 سنة)وكأن ما أنجزه المستعمر الفرنسي من بنية تحتية، (من 1912 إلى 1956، أي 44 سنة) يفوق بكثير ما تم إنجازه من 1956 إلى سنة 2000. أما ما أنجز من بنية تحتية منذ سنة 2000، بوتيرة سريعة، فلا ينكره إلا جاحد أو مغفل: شبكة طرق السيارة ، مطارات، موانئ، ورشات، معامل، فضاءات… لكن مع إهمال لبعض الجهات ومنها بالخصوص إقليم تازة.

تازة ولعنة التاريخ:
من منا لا يعرف مقولة لسان الدين بن الخطيب : “من مدينة تازة إلى قرية فاس”؟
من منا لا يعرف “المشور” بتازة (المدينة العتيقة) الذي يرجع بنا إلى عهد المولى الرشيد مؤسس الدولة العلوية؟ ومصطلح “المشور” أو “دار المخزن”(خاص بالمغرب الأقصى)قد يوجد ببعض المدن- العواصم : فاس، مكناس، الرباط، مراكش…
ومن منا لا يعرف أن تازة، عاصمة الموحدين والمرينيين، من أقدم وأعرق المدن العالمية لكن من”المغضوب عليهم”، ومازالت لعنة التاريخ لصيقة بها نتيجة تقارير مطبوخة لا علاقة لها بالحقيقة. لكن لماذا؟
أولا :
ساهم الإستعمار الفرنسي في نسج خيوط هذه التقارير الباطلة، علما أن مناطق تازة كانت تسمى “مثلث الموت” الذي قاوم الإستعمار بشجاعة وشراسة وقتالية واستماتة نادرة، بشهادة المستعمر الفرنسي نفسه. الإستعمار الفرنسي أكد مرارا أنه لا يمكن السيطرة على أي منطقة بالمغرب دون القضاء على “مثلث الموت”.
ثانيا :
ثورة ومعارضة “بوحمارة”( الجيلالي الزرهوني) وأتباعه للحكم أدى إلى العقاب السياسي الجماعي. و”الروكي” بسط حكمه على منطقة الريف كلها لمدة 07 سنوات وجعل تازة عاصمة له. لكن كان مصيره المقاومة الشرسة لساكنة تازة والريف وتم القبض عليه وتسليمه إلى فاس، حيث أعدم مع أنصاره.
ثالثا :
المحاولة الانقلابية الفاشلة بالصخيرات بزعامة اعبابو امحمد واعبابو محمد والمذبوح وبوكرين (من إقليم تازة) وكانت الانطلاقة من المدرسة العسكرية ل”اهرمومو” : أكبر مدرسة عسكرية في إفريقيا ( “اهرمومو” حاليا “رباط الخير” مع إلحاقه بإقليم صفرو).
وفي 04 يناير 2012 اندلعت أحداث “الكوشة” (حي شعبي) احتجاجا على غلاء فواتير الماء والكهرباء والتحق بالمظاهرة معطلون وناشطون حقوقيون. النتيجة: أعمال عنف متبادل بين الشرطة والمتظاهرين وحصار بعض الأحياء (أكثر من 125 إصابة بين الطرفين).
عقاب سياسي جماعي غير مبرر لأن تازة لم تلد إلا المتمردين، بل هناك نقيض الإنقلابيين، منهم:
– عبد العزيز بناني الجينرال ” دوكور دارمي” والمفتش العام للقوات المسلحة، الملقب ب”ثعلب الصحراء”. خبرة عسكرية استثنائية منذ “حرب الرمال” (1963 مع الجزائر).
– عبد اللطيف الحموشي المدير العام للأمن الوطني والمدير العام لمراقبة التراب الوطني. خبير أمني ومختص استثنائي في”الإرهاب” بشهادة الدول الكبرى.
– المؤرخ عبد الهادي التازي.
– التهامي الخياري والكحص وجمال الدبوز وعشرات من الوزراء والموظفين “السامين”.
ونتمنى خالصين أن يرفع الحذر عن تازة في عهد الملك محمد السادس…

جغرافية أكنول:
أكنول (إقليم تازة) يبعد عن مدينة تازة ب60 كلم وعن الحسيمة ب100 كلم، يحتفي كل سنة بشجرة اللوز. لوز ذو جودة عالية وذوق خاص. المهرجان يعرف عدة أنشطة فلاحية وفنية ورياضية. ملحقات إدارية (قيادات) من أهمها : أكنول، تيزي وسلي وأجدير… تتميز منطقة أكنول بتضاريس جبلية وعرة وجبال شاهقة يصل علوها إلى 1800 مترا ومنحدرات ومنعرجات جد صعبة وغابات كثيفة…
أكنول يتكون من قبيلة كزناية (المكونة من سبع فرق وكل فرقة مكونة من فخدات) التي تقع وسط قبائل الريف. كزناية الجنوبية تتكون من فرقة الشاوية (بأكنول) وأولاد علي وفرقة ملال. بعض الباحثين أكدوا أن قارون ويونس وناصر وقنديش وملال قدموا من الشاوية بناحية الدار البيضاء واستوطنوا أكنول وأطلقت هذه الأسماء على الفرق والدواوير وأمكنة أخرى ك”وادي الشاوية” الذي يمر بوسط المركز…
وللتذكير سبق لنا أن نشرنا مقالات حول صعوبة تحديد أصل الأشخاص نظرا للهجرة واختلاط الدم والأنساب والديانات والشعوب …، مما جعلنا نعارض “التيار الأمازيغي” الذي يقوده “عصيد ومن معه” والذين يريدون تحديد الهوية في إطارين فقط: أمازيغي أو عربي ولا شيء دون ذلك…(باختصار شديد).
الماء المعدني لحامة عين الحمراء (عين الرحمة كما سماها محمد الخامس) غير مستغل للنهوض بالمنطقة… المزايا العلاجية للماء المعدني: الأمراض التنفسية، أمراض الكبد والجهاز الهضمي والروماتيزم والمفاصل…
شذرات من تاريخ أكنول:

إسم أكنول مرتبط بمضمونين: جيش التحرير و مجموعة “امحمد اعبابو وأخوه محمد اعبابو والمذبوح وآخرون…”، وهؤلاء هم قادة إنقلاب الصخيرات.
1) جيش التحرير
– تأسيس فرقة جيش التحرير بأكنول

العمل السياسي والفدائي (عمليات فدائية) لا يمكن الإكتفاء بهما، كما اقتنع بذلك قادة التحرير المغاربة من خلال مقاومة الإستعمار في الهند الصينية ودول أخرى. وهكذا تم إنشاء مركز بالناظور لتكوين جيش التحرير. لكن نظرا للموقع الإستراتيجي لأكنول المعروف بمثلث الموت (أكنول، تيزي وسلي وبورد)، كما كان يسميه الفرنسيون، تأسست هناك فرقة جيش التحرير بواسطة محمد بن علي التوزاني (الفقيه سيدي محمد) وعلال بن الحاج محمد حدو التوزاني (القائد علال وكان محمد الخامس يناديه ب “با علال”)، وكانت مهمتهما التنسيق والإتصال بالقبائل.
وللإشارة فإنهما ينتميان لقبيلة”بني توزين” بميضار(إقليم الدريوش)، كما ينتمي لهذه القبيلة مجاهدون أبطالا قبل احتلال فرنسا للمغرب سنة 1912، ومنهم محمد موح حدو سي اعلى التوزاني (جد القائد علال) الذي شارك في المقاومة الأولى ضد الإستعمار الإسباني (1908-1912) والمقاومة بقيادة الزعيم عبد الكريم الخطابي (1921-1926)، وكان له مدفع يلازمه في ساحة المعركة ومستودع للسلاح بمنزله في “جبل توسانت “… وفي مدينة وإقليم تازة (بالخصوص) وجهات أخرى، هناك عائلات كثيرة تحمل إسم “التوزاني” (أعرف العشرات منها معرفة مفصلة) تنتمي، أصلا، إلى قبيلة “بني توزين أو آيت توزين” (المجاورة لقبيلة بني ورياغل). لكن من نفس القبيلة هناك المقاوم البطل وهناك نقيضه. من منا لا يعرف أو يسمع عن “دار التوزاني” بالدار البيضاء، الضيعة التي تربت وترعرعت فيها النواة الأولى للبوليسايو؟
دار التوزاني كانت ملكا للحاج محمد التوزاني المزداد سنة 1896 بطنجة، أصله من قبيلة “أيت توزين” وكان موظفا بإدارة الأشغال العمومية وبشركة فرنسية بإدارة ميناء الدار البيضاء، كما كان أبوه موظفا بقصر السلطان الحسن الأول بطنجة … وشحه الإستعمار الفرنسي بوسام الشرف سنة 1916، كان مستبدا وكدس الأموال الطائلة والثروات من الإتوات واقتطاعات العمال وبنى قصرا وسط ضيعة ممتدة الأطراف في طريق مديونة ( دار التوزاني حاليا).
ومن بين المسيرين والمؤسسين لفرقة جيش التحرير بأكنول الرقيب عبد السلام الذهبي والحاج مسعود أقجوج الذي سبق لي أن نزلت عنده ضيفا في سنة 1976.
ومن الناحية التكوينية والتنظيمية يمكننا الإستئناس بما يلي:
حسب عبد الله الصنهاجي، من القادة المؤسسين لمركز القيادة العامة بالناظور:
“قمنا بتنظيم جيش التحرير فرقا فرقا حتى نتمكن بسرعة من تنظيم هذه الفرق وتسييرها وتمويلها، فجعلنا على كل فرقة بطلا من الأبطال المغاربة، الذين سبق لهم أن شاركوا في محاربة قوات الاستعمار في بداية احتلاله لبلادنا، أيضا من الذين شاركوا إلى جانب القوات الفرنسية في حرب الهند الصينية”
تألف تنظيم جيش التحرير من ” خمس وعشرين عضوا، ينقسم إلى قسمين: قسم مدني يتألف من أربعة عشر عضوا ويرأسه واحد، وقسم عسكري يتألف من إحدى عشر عضوا ويرأسه واحد ويسمى رئيس الطليعة، وعلى رأس ثلاث طلائع رئيس يسمى قائد الثلاثين، وعلى رأس تسع طلائع رئيس يسمى قائد المائة، وعلى رأس سبع وعشرين طليعة أي ثلاثمائة رئيس يسمى قائد الرحى، وعلى رأس واجهة قائد المحلة”.
وعن تنظيم المناطق،” تم تقسيم القطر إلى مناطق، وعلى رأس كل منطقة رئيس يطلق عليه لقب ضابط، وهؤلاء الضباط يكونون القيادة العليا التي يرأسها مسؤول، كما تم تقسيم كل منطقة من هذه المناطق إلى أجزاء تسمى ناحية، وعلى رأس كل ناحية ملازم أول، كما تم تقسيم كل ناحية إلى عدد من الأجنحة، وعلى رأس كل جناح رئيس يسمى ملازم ثاني، وكل جناح يوجد به عدد من المجاهدين الذين تم تنظيمهم، فكونوا الخلية وهي التي تتكون من ثلاث إلى أربعة أشخاص يرأسها ما يسمى برئيس ثان، ثم يأتي من بعد هاته الخلية الفرقة والتي تتكون من ثلاث خليات، وعددها يتراوح ما بين ثلاثة عشر وستة عشر مجاهدا بحسب الخلية التي حصل فيها التكوين، ورئيس هاته الفرقة يسمى رئيس أول، تم يأتي الفيلق الذي يضم ثلاثة فرق، ويسهر عليه ما يعرف بالمساعد”.
وعن قيادة المنطقة فتتكون من “رئيس المنطقة الذي له رتبة ضابط، ومن رؤساء النواحي المكونة للمنطقة، وفي كل جناح يقدر وجود فيلق بأكمله ويقدر أيضا وجود فرقة أو فرقتين”.
– اغتيال عباس المساعدي وإعادة دفنه في أجدير بأكنول

ملف اغتيال الشهيد عباس المساعدي جد معقد، أعقد من جغرافية أكنول بجبالها الشامخة ومنحذرات ومنعرجات طرقها الوعرة التي تعطي الغثيان لمن يسلكها… (قبل الإنتهاء من شق الطريق الجديد).
من هو الشهيد الأسطورة مؤسس جيش التحرير في الشمال والأطلس المتوسط؟
– بطل الكفاح الوطني عباس المساعدي، من “أيت سيدي مساعد تزارين”، إقليم ورزازات.
– غيثة المساعدي، المناضلة و”المرأة الحديدية”(حسب رأيي)، زوجة البطل المغدور عباس المساعدي، المزدادة بفاس، أصولها من الشاون ومن عائلة الكولونيل علوش الذي مات في انقلاب الصخيرات.
– ابن الشهيد البطل (الوحيد) إسمه خليل، مهندس بالدار البيضاء، اغتيل أبوه وعمره 07 أشهر.
في 27 يونيو 2016 ستحل الذكرى 60 لاغتيال الشهيد عباس المساعدي قائد جيش التحرير بالريف الشرقي وشمال الأطلس المتوسط، بعد اعتقاله وتعذيبه بالدارالبيضاء سنة 1953. كان رمز المقاومة والتحدي لرفيقيه ابراهيم الروداني ومحمد الزرقطوني وآخرين . وبعد اغتيال محمد الزرقطوني واقصاء عباس المساعدي من قيادة المقاومة بالدار البيضاء، توجه هذا الشهيد إلى الريف الشرقي وشمال الأطلس المتوسط، في 05 يوليوز 1955، لمواصلة تحرير البلاد مع التركيز على قبائل أيت يزناسن وأيت صغروشن وأيت وراين (المعروفة ببني وراين، المحاذية لقبيلة غياثة) والقبائل الأخرى. وفي 16 ماي 1956، قدم المجاهد عباس المساعدي استقالته من حزب الإستقلال، بعد تشنج علاقته مع المهدي بنبركة ولقائه (في القاهرة) وتنسيقه مع زعيم الثورة الريفية عبد الكريم الخطابي. لكن حزب الإستقلال عزم على إلحاق جيش التحرير بالشمال الشرقي. وفي “أكنول” وجه عباس المساعدي صفعة قوية للمهدي بن بركة واعتقله ساعات، أثناء توجيه هذا الأخير خطابا لأعضاء جيش التحرير، كان يريد من خلاله ربط جيش التحرير بحزب الإستقلال. كما سبق لعباس المساعدي أن طرد المهدي بن بركة من اجتماع بمدريد بحضور علال الفاسي.
غيثة المساعدي وآل المساعدي ما زالوا يتهمون “بلافريج الإستقلالي” بالوشاية للإستعمار الفرنسي الذي حجز الباخرة المصرية، المحملة بالأسلحة والموجه لجيش التحرير المغربي، بالمياه الدولية المحاذية للشواطئ الجزائرية. ومن منا لا يعرف ماذا أصبح بعد “بلا فريج”؟ ( رئيس الحكومة الثانية بعد الإستقلال).
آباؤنا وأجدادنا يتذكرون جيدا أن “مليشيات” حزب الإستقلال قامت باختطاف معارضين للحزب للزج بهم في “دار بريشة” أو تصفيتهم في شهري ماي ويونيو 1956، وهكذا تم اغتيال الشهيد عباس المساعدي في 27 يونيو 1956، بتنفيذ مدير الأمن الغزاوي (مالك أكبر أسطول حافلات ومأذونيات نقل المسافرين بفاس). الشهيد عباس المساعدي، اغتاله أربعة قتلة في فاس ودفنوه في المرة الأولى في “عين عيشة”، على بعد 50 كلم من فاس في اتجاه تاونات، لمحو آثار الجريمة، لكن يده وأصبعه المبتورين مع قطرات الدم (فوق الطريق) وتدخل سكان القرية، عجل كل ذلك في اكتشاف جريمة الإغتيال. وبعد إشاعة الخبر، أعاد جيش التحرير دفن المقاوم الشهيد المساعدي في أجدير بأكنول.
الأعداء السياسيون للشهيد عباس المساعدي كثيرون: منهم من أسسوا النواة الأولى لجيش التحرير في الدار البيضاء ورفضوا عضويته في القيادة ومنهم آخرون: المهدي بن بركة، بلافريج وعلال الفاسي الذي حذر محمد الخامس بما يلي ” رد بالك من عباس، إنه جمهوري” (حسب قول غيثة المساعدي).
لكن لماذا ترفض الدولة تقديم القتلة أمام العدالة؟ ولماذا أمر الحسن الثاني (ولي العهد أنذاك) بالإفراج عن القتلة أثناء مرحلة التحقيق، علما أن المهدي بن بركة كان أستاذا لولي العهد وغادر المغرب للإستقرار في فرنسا التي اغتيل فيها؟ ولماذا يرفض بنسعيد ايت يدر الإدلاء بشهادته ليرتاح من إدانة التاريخ…، علما أن أحرضان غير متهم؟
2) مجموعة “امحمد اعبابو وأخوه محمد اعبابو والمذبوح وآخرون”
– امحمد اعبابو، ابن شيخ القبيلة، ازداد في قرية بورد (أكنول) سنة 1935، تلقى تعليمه الإبتدائي بمدرس فرنسية بتازة. تخرج من كلية أركان الجيش بفرنسا، أصغر ضابط برتبة مقدم في الجيش المغربي (33 سنة). مدير مدرسة أهرمومو العسكرية التي قامت بهجوم عسكري على قصري الصخيرات والرباط بتاريخ 10 يوليوز 1971( أكثر من 500 قتيل)… ما زلت أتذكر ذلك… وأتذكر أصداقا لي كانوا متدربين في المدرسة المذكورة، علما أن اسم “أهرمومو” استبدل، فيما بعد، ب”رباط الخير” وتم إلحاق دائرة أهرمومو بإقليم صفرو بدلا من إقليم تازة. وضرب الحصار على “بورد”، أول قرية في المغرب التي انطلقت منها أول رصاصة جيش التحرير.
كان امحمد اعبابو يتميز بالصرامة والكفاءة العالية، لكن فشل في محاولة الإنقلاب بمعية أخيه محمد اعبابو (أكبر منه سنا بثلاث سنوات) والجنرال محمد المذبوح. هذا الأخير اتهم، أثناء الإنقلاب، امحمد اعبابو فكان مصيره وابلا من الرصاص وجهه له امحمد اعبابو ولم يستسلم للجنرال البوهالي ليسقطا الإثنين برصاص بعضهما البعض، لكن هناك من يقول أن الرصاصة التي أصابت امحمد اعبابو أطلقت من مسدس الكولونيل لوباريس… وبعد 5 ساعات من نزيف ذراع امحمد اعبابو، ألح هذا الأخير على صديقه الحميم ضابط الصف “عقا” ليجهز عليه في الحين.
وهكذا توفيا “ابنا الشيخ والقائد” بعد تبادل إطلاق النار… وهكذا كانت ترجمة سلطة “الشيخ والقائد” بوابل من الرصاص من تنفيذ ” ابني أكنول”…
– حوكم محمد اعبابو ب20 سنة سجنا واختطف من السجن المركزي بالقنيطرة وأصبح مصيره مجهولا لحد الآن… أما عبد الغني اعبابو ( أخ محمد وامحمد اعبابو) و ابن صهرهما “بولماكول” فحوكما ب 5 سنوات.
وهكذا عهد للأمن الداخلي للجنرال أوفقير الذي بدوره حاول إسقاط الحكم الملكي سنة 1972… وللتذكير سبق لنا أن نشرنا مقالات حول موضوع تواطؤ أوفقير مع جهات جزائرية منذ ترسيم الحدود المغربية الجزائرية. وللتذكير، كذلك، فأفقير ازداد في “عين الشعير”، أبوه من أصل جزائري، وعينه الإستعمار الفرنسي باشا في عين الشعير بجهة “تافيلالت”. وللتذكير هناك شخصيات سياسية ودينية مغربية تنحدر من أصول جزائرية ومنهم عبد الكريم الخطيب المزداد بالجديدة وأحمد عصمان المزداد بوجدة والمتصوف أحمد التيجاني (مؤسس الطريقة التيجانية) وشيوخ الزاوية القاديرية البودشيشية وآخرون…
– الجنرال محمد المذبوح
ولد سنة 1927 بأكنول… حارب والده الزعيم عبد الكريم الخطابي تحت لواء اليوطي، كما كان قائدا بأكنول. شارك في الحرب الهندوصينية الأولى وحرب سيدي إفني وحرب الرمال. كما شارك مع امحمد ومحمد اعبابو في تنفيذ مخطط الإنقلاب العسكري، يوم 10 يوليوز1971 (يوم عيد ميلاد الملك الحسن الثاني) ل”محاربة الفساد”، كما أكد ذلك عبد الغني، إبن محمد اعبابو، في حواراته مع الصحافة.