بقلم : حكيم كربوز
الحديث عن الأغنية في قبيلة اكزناية وغيرها من قبائل الريف، لا يمكن أن يتم إلا إذا استحضرنا، فنانا ألهم أجيالا كاملة عشقا وحبا وتذوقا للفن الجميل، وللنغمة الموسيقية الممزوجة بالكلمة الصادقة التي انبثقت من بين صخور وجبال ووديان وتربة قبيلة اكزناية.
إنه الفنان الراحل الحاج محمد مذروس الذي هيمن بأدائه وصوته الغنائي الصادق على الساحة الغنائية الريفية، منذ أواخر الخمسينات وعلى مدار الستينات والسبعينات من القرن الماضي.
هذا الفنان الذي لم يحظ بعد بحقه من البحث والتحليل والقراءة عند عموم المهتمين، باستثناء بعض المحاولات القليلة جدا، اخترنا أن تكون هذه المساهمة بمثابة التفاتة ورد الاعتبار للفنان الراحل مذروس، الذي يعتبر بحق رائد الأغنية الريفية بعد الاستقلال، وهو ابن قبيلة اكزناية.
ومن لا يعرف هذا الفنان الذي ارتبط في ذاكرة أبناء الريف عموما، وفي مرحلة خاصة، لم تكن هناك غير الإذاعة للاستماع بصوت هذا المغني وغيره من الفنانين، أبناء جيله، وخاصة الذين كانوا يحرمون من حضور الأعراس والحفلات التي كان يحظى الفنان مذروس بشرف الغناء فيها مجانا.
كم هي المهرجانات التي تقام هنا وهناك، ولا أية مبادرة لتكريم هذا الفنان وغيره من الفنانين الذين ما زالت بصمات إنتاجاتهم حاضرة بقوة في كل المناسبات.
ونظرا لقلة الدراسات والأبحاث في هذا المجال، وحتى لا ندعى أننا سنوفي هذا الفنان حقه من التحليل والبحث والاهتمام، أو ندعي أننا نملك أدوات نقدية لقراءة تراثه الفني، وإنما سنحاول التعريف بشخصه وبمساره الفني وقراءة في بعض أغانيه، وستكون أيضا فرصة لتوجيه النداء إلى كل الفعاليات للانكباب والاهتمام بتراثنا المحلي وتدوينه من أجل رد الاعتبار لكل الذين صنعوا مجد الريف في جميع المجالات.
الفنان مذروس، هو نجيم محمد بن احساين بن علي بن زيان، والدته فاطمة اليعقوبي، من مواليد دوار إحضرِيًّا، جماعة تزي وسلي، إقليم تازة، سنة 1935، من عائلة تتكون من خمسة إخوة، على غرار باقي أبناء دواره، التحق مبكرا بالمسجد لتعلم القراءة والكتابة، وحفظ القرآن، حيث كان بارعا في ذلك، اشتغل “فقيها” أو ما يعرف: الشرط بإحدى مساجد “عين زورة” بالريف الشرقي لأيام معدودات. هاجر بعدها إلى الجزائر، إسوة بباقي أبناء الريف، خلال المرحلة الاستعمارية، بحثا عن الرزق سنة 1948. وهناك ازداد عشقه وحبه الفطري للغناء، حيث تعرف على العديد من الفنانين الجزائريين أمثال: الشيخ حمادة، عبد المولى، رابح درايسية، نورة، صاحبة الأغنية الشهيرة وسط شباب المرحلة “يا ابن سيدي يا خويا” التي أعاد غناءها بالريفية “أميس نسيذي يا يوما بد صنثاي” ودحمان الحراش وغيرهم.
كان متزوجا من ثلاثة نساء، رزق منهن 19 ولدا، 10 ذكور و9 إناث، الزوجة الوحيدة التي ماتزال على قيد الحياة هي من الحاجب ، كانت وفاته يوم الإثنين 12 شتنبر 2005، بمدينة القنيطرة وبها دفن.
أعاد الفنان مذروس إلى الواجهة بعد غياب طويل، وإن كانت أغانيه حاضرة بكل قوة في برامج الإذاعة الأمازيغية، نظرا لتنوعها، الصديق محمد الزياني، وهو من أبناء الحسيمة، ومن مؤسسي العمل الثقافي الأمازيغي، في هذه الربوع العزيزة، من خلال جمعية الانطلاقة الثقافية بالناظور وبعدها في جمعية النكور للثقافة والفنون بإمزورن التي نتأسف كثيرا على غياب أنشطتها الإشعاعية.
حينما لمع نجم مذروس وعلت شهرته كفنان، سارع إلى تكوين مجموعة غنائية، تضم العنصر النسوي، هذا اعتراف منه، كما جاء في جريدة الخزامى بالحضور القوي للمرأة في المجال الغنائي، ولقد كانت الكثيرات منهن يرافقنه في جولاته الفنية عبر ربوع المنطقة، وكذا على المستوى الوطني أثناء التسجيل الإذاعي، ويعترف لهن، بما قدمنهن من تضحيات في سبيل الأغنية الريفية، وهن ينتسبن إلى عائلات محترمة، وكان يتذكر منهن في حواره الصحفي 3 نساء متميزات في الصوت والانسجام مع الإيقاع الموسيقي المعروف أنذاك، منهن فاطمة العباس، يامنة الخماري وشميشة.
توزعت أغاني الفنان مذروس بين مجالات عدة ومتنوعة ظلت ولا تزال تلهب اهتمام أبناء الريف، كغنائه للوطن، للإنسان، للدين والحياة والحب. ولعل وقوفنا في هذه المداخلة على بعض المقاطع من أغانيه، يحق لنا اعتباره من الأوائل الذين أرسوا الدعائم الأولى والأسس الفنية لقيام أغنية ريفية خالصة متميزة شكلا ومضمونا في غنائه للوطن وبجمال طبيعته، على غرار الفنانين المغاربة أبناء جيله.
وفي الختام لا يسعنا إلا نكرر النداء الذي أوردناه في بداية مداخلتي هذه، إذ علينا أن نسارع إلي تدوين تراثنا وحفظه من الضياع وتفعيله كمشاريع فكرية ومعرفية تنجز من أجله بحوث جامعية لأجيالنا القادمة. وهنا يحق لنا أن نتساءل عن أدوار تلك المؤسسات التي كتب لها أن تبدير المال العام في مناسبات عدة باسم الأمازيغية لأغراض شتي، دون أن تلتفت يوما لمثل هدا الفنان وغيره من الفنانيين الذين كرسوا حياتهم بكاملها لخدمة هذا المكون الهام من ثقافتنا الامازيغية.
الفيديو: