على غرار الراحل محمد شكري، تسكع ابن منطقة اكزناية (الريف الأوسط)،
وجد كركر، وعمره لا يتجاوز 14 سنة في أزقة طنجة مطرودا من المدرسة التي لم
تتسع مقرراتها لشغبه، ولصعوبة استيعاب الطفل الأمازيغي للحروف العربية.
قضى لياليه على أرصفة الشوارع وعلى كراسي الحدائق، وحينما حدثه بعض مرافقيه
من المشردين عن مسجد يقدم الطعام بالمجان لمن يلتحق به لحفظ القرآن
الكريم، لم يتردد في أن يفعل ذلك على مدى ثلاثة شهور بطنجة أيضا تعرف
على بعض الأدباء، وقرأ إبداعاتهم، فعاد إلى كتابة الشعر بعدما جرب نظمه في
صباه الباكر. وهناك التقى مرارا محمد شكري، فاستمع الأديب العالمي لأسئلة
اليافع المتوثب الذهن وناقشه، فزاد حماس وجد للكتابة.
قرأ لمحمود درويش
ونزار قباني وجبران خليل جبران وغيرهم، وتعلم اللغة الإسبانية فقرأ
للشاعرين غارسيا لوركا وروبين داريو وغيرهما، وكذا لروائيين وقاصين من
أمثال غارسيا ماركيث وخوان رولفو. وبطنجة دائما، وعلى مدى ثلاث سنوات، مارس
وجد كركر، المزداد عام 1981، مختلف المهن البسيطة، من قبيل بيع السلع
المهربة من ثغر سبتة المحتل، ما مكنه من كراء غرفة فوق أحد الأسطح، وانتسب
خلال المدة ذاتها، لناد يعلم رياضة فنون الحرب. وإذا كان قدر محمد شكري قد
ساقه إلى أن يشتغل بالتدريس شمال المغرب، فإن قدر وجد كركر قاده، بعد سنوات
من الاغتراب الداخلي، إلى أن يحط الرحال بالمكسيك لتدريس اللغة الأمازيغية
وحرف (تيفيناغ) بجامعة مكسيكو.
ومباشرة بعد عودته، أنشأ جمعية رياضية، ثم بعد ذلك بثلاث سنوات، أسس رفقة طلبة من جامعة محمد الأول بوجدة جمعية ثقافية أمازيغية، أطلقوا عليها اسم "إيسوراف"، وظلت تشتغل إلى حدود سنة 2009.
وحتى سن التاسعة والعشرين من عمره، نهل وجد كركر من
الكتابات ما تيسر له، واغترف من تجربته الحياتية الغنية، ومن ينابيع الشعر
الأمازيغي، وفي ظرف ثلاث سنوات حصل على الباكالوريا باللغة الإسبانية بمعدل
عال، وهو الآن يدرس الأدب الإسباني في جامعة مكسيكية، ويدرس في جامعة أخرى
الثقافة الأمازيغية وحرف (تفيناغ).
نظم شعرا وجدانيا بلغته الأمازيغية الأم، قبل أن يترجمه إلى الإسبانية ثم إلى لغات أخرى، وكتب القصة أيضا. لكن تمت دعوته إلى المكسيك بصفته شاعرا، وذلك خلال المهرجان الدولي للشعوب الأصلية عام 2008. واختارته منظمة شعراء العالم "قنصلا لشعراء الريف". وبعد حوالي خمسة أشهر من عودته إلى المغرب، اتصلت به إحدى الجامعات التي تهتم بالثقافات ولغات الشعوب الأصلية في مكسيكو قصد الالتحاق بها لتدريس اللغة والثقافة وتاريخ الأمازيغ.
واضطلع وجد كركر بدور مهم باعتباره حاملا للثقافة الأمازيغية. وكان هدفه واضحا يتمثل في تقديم صورة حقيقية عن هذه الثقافة للشعب المكسيكي الذي لم يكن يعرف شيئا عنها، ولا عن المقومات الحضارية لشمال إفريقيا.
وحاول وجد كركر، في هذا الصدد، نشر المعرفة بواقع المغرب وثقافته وتاريخه وحضارته، فيما كان هدفه الثاني أكاديميا، يتمثل في تكوين الطلبة سواء في اللغة والثقافة وتاريخ المغرب، أو شمال إفريقيا بصفة عامة، حتى يتسنى لهم إنجاز بحوثهم في هذا المجال، سواء في اللغات الأصلية أو في مجالات أخرى أنثروبولوجية أو أركيولوجية.
وبدأت جهوده تعطي أكلها، بإنجاز عدد من الطلبة بحوثا، سواء في الإجازة أو الماستر أو الدكتوراه، حول الثقافة الأمازيغية، وصدور بحوث مطبوعة ومقالات وكتب في هذا المجال.
في البداية كان عدد الطلبة قليلا، لا يتجاوز التسعة، قبل أن يرتفع عددهم إلى 26 طالبا معظمهم مكسيكيون ومكسيكيات، لكن توجد بينهم جنسيات أخرى كألمانيا والأرجنتين وهندوراس واليابان وبالنظر إلى تفتح الشعب المكسيكي وحبه للتعرف على ثقافة الآخر ولغاته، فإن جهود هذا الشاعر الأمازيغي المغربي قطعا لن تذهب سدى.
الفيديو: