الأربعاء، 8 أبريل 2015

ثورة 2 أكتوبر 1955 باگزنّاية: ذكرى الوعود الكاذبة والأكباش المشوية (الجزء 3) .. بقلم : ميمون مصالي

بقلم : ميمون مصالي
بالنسبة لأعضاء الوفد الزائر، يستظلون في منصة أقيمت خصيصا لهم، يتربعون على الكراسي كل حسب طريقته وشعوره تجاه هذا الاحتفال وموقفه من هذه المنطقة وأبنائها الأبرياء، وانتمائه الحزبي.


يشربون ماء "سيدي حرازم" أو "سيدي علي"؛ يلقي منهم من شاء كلمته الخاصة بالمناسبة، تلك الكلمة التي حفظها سكان المنطقة عن ظهر قلب لروتينيتها وعدم تغير ألفاظها وتعابيرها وأفكارها. فهي تتضمن كل سنة نفس الأفكار ونفس المعاني، ولا فائدة منها بالنسبة لأبناء المجاهدين الذين يحجون من كل حدب وصوب إلى مقبرة الشهداء بأجدير، بل في ذلك مضيعة لوقتهم لا غير. حبذا لو يتركنا المسؤولون وشأننا لأننا سئمنا من الخطابات الجوفاء والكلمات الفارغة. فنحن في حاجة إلى الاستفادة من برامج التنمية. وهنا أتساءل: ما محل هذه المنطقة من تنمية أقاليم الشمال؟ هل نحن في حاجة ماسة إلى محطة للهاتف الثابت، وكذا المتنقل، الذي سيتم فتحه في المستقبل القريب؟ لا أرى في هذا إلا استنزافا لخيرات الإنسان المحلي الساذج، إنسان عاطل عن العمل يتوفر على هاتف في منزله! هذا فضلا عن عدد الطلبة المجازين الذين يزدادا عددهم كل سنة. كما أن التلاميذ الذين حصلوا على الباكالوريا يحرمون من المنحة التي كانت بالأمس القريب تحفز الطلبة على مواصلة دراساتهم العليا. أقول وأكرر أننا سئمنا من الوعود الكاذبة ومسألة التسويف التي نواجه بها دائما وفي كل مكان. فنحن في حاجة ماسة إلى برامج اقتصادية واجتماعية وثقافية تبلوَر على أرض الواقع. وخير ما أستدل به قول حافظ إبراهيم:
قلت سابقا إن أبناء المنطقة يحجون إلى مكان الاحتفال من كل حدب وصوب، فيصطفون حول "منصة الشرف" واقفين تحت أشعة الشمس الحارقة ينتظرون البشرى: فمنهم من ينتظر منحه رخصة سيارة أجرة، ومن يترقب استفادته من تعويضات أو مساعدات وإعانات… إلخ. لكن، انتظرْ أنت ما تريد!

وما أن تنتهي المداخلات وإلقاء الكلمات الجافة والوعود الكاذبة، يتسابق الموكب "العرائسي" نحو مقر الجماعة القروية حيث الأكباش المشوية وحصون العسل المحلي المعطر برحيق الزعتر وغيرها من الأطباق الشهية والمشروبات المتنوعة والفواكه المختلفة. ميزانية كبيرة تصرف وتبذر من صندوق الجماعة القروية في هذا الحفل، في حين لا تصرف الجماعة ولو درهما واحدا يعود بالنفع على المواطن. ولا داعي للخوض في هذا الموضوع الطويل والشائك. تكفي الآية الكريمة: "ولا تبذروا تبذيرا، إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين، وكان الشيطان بربه كفورا". وما ان يغادر الوفد الزائر قاعة الأكل بمقر الجماعة ويعود إلى تازة حتى يندفع ممثلو الدواوير وبعض الناس الذين لا يستحيون من خالقهم ولا من عباده، ليتسابقوا ويتصارعوا على الفضلات وما تبقى في الصحون والأواني. وغالبا ما ينشب هناك تبادل الشتائم والقذف. وهذه هي الطامة الكبرى والفضيحة التي يندى لها الجبين.

الدكتور الخطيب يغير مجرى الاحتفال: هكذا يمر الاحتفال بذكرى ثاني أكتوبر 1955 بقيادة أجدير من كل سنة. لكن احتفال هذه السنة كان فريدا من نوعه، إذ إلى جانب الوفد المعتاد حضوره إلى مقبرة الشهداء بأجدير، حضر الدكتور الخطيب الذي سبق له أن اعتقل مع أحرضان في هذه البلدة إبان أحداث 1958؛ وإلى جانبه حضر خليل المسعدي، نجل الشهيد عباس زعيم ومؤسس جيش التحرير بالمغرب وبعض الشخصيات من أتباع الخطيب وخليل المسعدي. هؤلاء، منذ وصولهم إلى أجدير، كانوا يحثون الناس على الاحتجاج عن أوضاعهم وإعلان موقفهم الرافض لسياسة التجاهل والسكوت عن أوضاع أسرة المقاومة المتردية. وقاموا بنشر بعض المناشير التي تشجب سلوكات المسؤولين في المندوبية الشامية للمقاومين، وعلى رأسهم محمد بن جلون المندوب السامي.

وفي مقبرة الشهداء، وبعد مداخلات أربعة أشخاص وإلقاء كلمتهم بالمناسبة، قام الدكتور الخطيب، الذي كان جالسا مع عامة الجماهير داخل الخيمة، إلى منصة الخطابات وتدخل مباشرة بكلمته التي غيرت مجرى الاحتفال المعتاد وأفاقت ضمائر الجماهير الحاضرة وأيقظت من كان في سبات عميق من أصحاب المنصة بعدما تعودوا على الخطاب المدحي، وساعدت أبناء المنطقة على إعلان غضبهم المتراكم والمكبوت منذ الاستقلال.

وفي تدخله، ركز الخطيب على أحداث 1958 وما كان لها من انعكاسات، وما آلت إليه أوضاع المقاومين والتهميش الذي تعرضوا له ومسألة التسويف والوعود الكاذبة التي يسمعونها دائما. كما تحدث كذلك عن الخروقات والتزوير والارتشاء والاختلاسات التي كانت تطال ملفات المقاومين ليصب جام غضبه على محمد بن جلون المندوب السامي حيث نعته أمام الملأ بالخائن والسارق والمجرم وطالب بإحالته على العدالة وإقالته من منصبه. كما نوه في تدخله بدور أبناء اگزنّاية في مواجهة الاستعمار الغاشم والدفاع عن استقلال البلاد، ودور هؤلاء في المطالبة بالإفراج عنه وصديقه أحرضان عندما اعتقلا بأجدير سنة 1958، فتوجه بالشكر إلى أبناء المجاهدين وحثهم على التشبث بحقوقهم والمطالبة بتسوية أوضاعهم والخروج عن دائرة الصمت. والجدير بالذكر أن الخطيب هو الوحيد الذي ذكر في تدخله الزعيم التاريخي عباس المسعدي وأشاد بنضاله. في حين أن الآخرين كانوا يخجلون من ذكر هذا الشخص أو الترحم عليه، خاصة وأنه دفين تلك المقبرة التي يقفون أمامها. كما يخجلون من ذكر البطل الكبير محمد بن عبد الكريم الخطابي أمير الريف.

وما أن فرغ الخطيب من كلمته حتى غادر المكان مباشرة؛ فتبعه الجمهور الحاضر هناك هاتفين: "الله أكبر". فعمت البلبلة والضجة مقبرة الشهداء وأوساط الحاضرين من أبناء المجاهدين والوفد الزائر. فاختلط الحابل بالنابل، لكن دون أن تحدث هناك أعمال شغب. فكان هذا اليوم 2 أكتوبر 2000 شبيها بيوم 2 أكتوبر 1955. الفرق بينهما هو أن الأول سلمي والثاني كان مسلحا. وبعد أن غادر الناس مقبرة الشهداء تاركين الزائرين من الوفد بوحدهم احتجاجا على تجاهل أوضاعهم المتردية ماديا ومعنويا من طرف المسؤولين في الدولة بصفة عامة والمندوبية السامية بصفة خاصة، ومؤازرتهم لموقف الخطيب الذي ندد بسلوكات بن جلون. بعد ذلك استؤنفت التدخلات الباقية وعاد البعض من المغادرين إلى المنصة للاستماع إلى التعقيب. إلا أن بعض الأرامل اللائي استدعين بهدف استفادتهن من منح لترميم المنازل، ونظرا لما حدث، لم يمنح لهن أي شيء بالرغم من أن هناك من جاءت من تيزي وسلي قاطعة مسافة 40 كيلومترا، ومن إشاوين (أكنول) مسافة 20 كيلومترا. وقيل لهن بأن يذهبن إلى المندوبية بتازة قصد استلامهن لمستحقاتهن من تلك المنحة التي لا تتجاوز أقصاها مليونا من السنتيمات. أليس هذا تلاعبا بأبناء المقاومين واستخفافا بأوضاعهم واستفزازا لمشاعرهم؟

خلاصة: إننا نناشد جميع المسؤولين بأن يكفوا عن سياسة الكيل بمكيالين وأن يعيدوا لنا الاعتبار في مجال التنمية. فإذا كانت منطقة اگزنّاية في عهد الاستعمار "مثلثا للموت"، فإنها يجب ان تصبح اليوم "مثلثا للحياة"، بمعنى الاهتمام بها من حيث التنمية الاقتصادية اعترافا لما قدمه أبناؤها من تضحيات بالمال والنفس في سبيل الحرية والانعتاق. ونطالب المسؤولين كذلك بإعادة كتابة تاريخ المغرب العريق، خصوصا وأننا ودعنا القرن ودخلنا آخر، وبذلك تكون الرؤية حول الأحداث قد اكتملت. كما نطالب بحقنا في الإعلام وفي تعلم وتعليم لغتنا الأصلية والأصيلة والتشبث بثقافتنا وهويتنا الأمازيغية وتخلصنا من الاستلاب والتبعية.