السبت، 2 أكتوبر 2021

شرح مفصل لنزوح إكزناين أثناء الحرب على كتائب المستعمر في منطقة مثلث الموت

في مثل هذا اليوم 2أكتوبر 1955، انطلقت شرارة الثورة المسلحة ضد التواجد الإستعماري الفرنسي بالجزء الجنوبي من الريف الخاضع للامبراطورية الفرنسية الكولونيالية.

حيث انضوت قبائل جزناية في خلايا مسلحة كنواة أولى لجيش التحرير وبدأت بالهجوم ليلة 2 أكتوبر 1955 على جميع الثكنات العسكرية الفرنسية المتواجدة بمجال قبيلة اكزناية بكل من أكنول تيزي واسلي و بورد.

لتندلع بعدها مجموعة من المعارك أشهرها معركة بوزينب، بوحدود، أرما و أدرار أبرشان و مواجهات أخرى تكبدت فيها قوات المستعمر خسائر فادحة و عددها 14 مواجهة مباشرة شارك فيها أحرار اكزناية من جميع المداشر.

وبعد هذه الهجومات الريفية في 2 أكتوبر 1955، شن المستعمر هجوما انتقاميا ضد كل سكان المناطق التي شاركت في الهجوم، عبر تنظيم هجوم بري والتنكيل بالسكان. وذلك بعد توافد تعزيزات عسكرية من تازة وفاس ومطار مكناس إلى مرموشة و"مثلث الموت" ومناطق أخرى تحت أوامر عدد من الضباط الفرنسيين السامين.

كما أن وزير الدفاع الفرنسي حل ببورد يوم 7 أكتوبر 1955، وأصدر أوامره بإرسال آلاف الجنود وأسراب من الطائرات والعتاد الحربي الثقيل لضرب جيش التحرير.

تألفت التعزيزات العسكرية التي تم الدفع بها إلى المناطق التي شهدت انطلاقة جيش التحرير، من العناصر المجندة في اللفيف الأجنبي التابع للجيش الفرنسي النظامي المكون من الجنود المغاربة والجزائريين والجنود الرماة السنغاليين وعدد من المظليين وجنود تسلق الجبال والكلاب المدربة لتعقب آثار المقاومين، وقد استعملت البغال لحمل التموين والرصاص والادوية تدعمهم الدبابات والمدافع القاذفة والرشاشة وطائرات الاستطلاع والطائرات الحربية التي قامت بقصف كثيف وعشوائي للقبيلة أسفر عن تدمير وإحراق منازل السكان، واتلاف المحاصيل الزراعية وقتل المدنيين.

وتمكن المقاومون باكزناية من إفشال خطة أعدها المستعمر للقضاء على جيش التحرير بالاستعانة بالمرتزقة أو ما كان يعرف بـ"البارتيزا" التي شكلها العدو من عناصر من قبيلة غياتة وما جاورها وجعل على رأسها المسمى اليوطنا بناصر ولد القايد المجاطي، وذلك بتصفية متزعميها، كما أوضح ذلك عبد العزيز أقضاض في مذكراته.

التنكيل بسكان المناطق المشاركة في الهجوم
عانت ساكنة العديد من المناطق التي شهدت انطلاقة جيش التحرير، الكثير من المحن وسجن أفرادها وفرضت عليهم إقامة جبرية وتم تقييد تحركاتهم ومراقبتها، لخوف المستعمر من التحاقهم بالمقاومين بعد 02 أكتوبر 1955.
في منطقة مرموشة قامت السلطات الاستعمارية بعد بسطها السيطرة عليها بمحاولات استرجاع الأسلحة التي استولى عليها جيش التحرير ليلة 02 أكتوبر، وعرضت مكافأة 25000 ألف فرنك لكل قطعة سلاح يتم تسليمها، وكثفت الحراسة في كل أرجاء المنطقة كما ذكر ميمون أوعقا في مذكراته.

كما حاولت السلطات الفرنسية، بقيادة الكولونيل فوكاس الذي خلف الكولونيل "بو" الذي قتل في هجوم ليلة 02 أكتوبر، بحرق منزل ميمون أوعقا وأخيه الشهيد محمد أوعقا بمن فيه من أطفال ونساء، قبل أن يتدخل أحد شيوخ المنطقة للحيلولة دون حرق النساء والأطفال تجنبا لتمرد الساكنة، وتم حرق المنزلين عن آخرهما انتقاما من تزعم ميمون أوعقا وأخيه للهجوم على القوات الفرنسية.

وذكر ميمون أوعقا في مذكراته أن السلطات الفرنسية قامت بالتنكيل بقبائل مرموشة "وذلك بإحراق المنازل، وتم سلب حوالي 5000 رأس من الغنم من آيت تسوانت و3000 رأس غنم من آيت السمح" واستعانت القوات الفرنسية بأهالي قبيلة أيت يوسي وآيت سرغوشن وآيت تسوانت قرقاص وبني حسان... الذين شاركوا بدورهم في إحراق ونهب المنازل وفق مذكرات ميمون أوعقا.

هذا الحصار فرض على المقاومين بمرموشة بعد أن التحق بهم بنقدور (المعروف بأمزيان) من منطقة بركين بمعية مجموعة من المقاومين من هذه المنطقة التوجه إلى الريف بعد إخفاء الأسلحة التي تم الاستلاء عليها، وفي طريقهم عبر وادي ملو ومسون إلى نواحي تازة واجهوا مطاردة طائرات وذبابات القوات الفرنسية التي استنفرت لملاحقة المقاومين، كما ستعترضهم السلطات الإسبانية عند دخولهم منطقة سيطرتها.

هجرة أهالي عدد من دواوير وقرى قبيلة اكزناية
قبل انطلاق عمليات جيش التحرير بالريف في 02 أكتوبر 1955، شرع سكان عدد من المناطق والدواوير خاصة بمنطقة اكزناية بالاستعداد لفترة الحرب، فقد قام السكان بدفن وطمر المحاصيل الزراعية وأغراض أخرى.

وخوفا من رد فعل المستعمر فقد أستعدت الساكنة في العديد من المناطق باكزناية للهجرة ومغادرة مساكنها مساء ليلة 01 أكتوبر 1955 وساد في هذه الليلة جو الترقب وانتظرت إشارة انطلاق الهجوم على الساعة الواحدة صباح يوم 02 أكتوبر 1955 ليبدأ النزوح في اتجاه المنطقة الخليفية الخاضعة للسيطرة الاسبانية المحاذية لمنطقة اكزناية.

وتحكي امرأة مسنة عايشت هذه الفترة وكانت من بين من عاش محنة الهجرة أُماً لطفلين أحدهما لا يتجاوز السنتين، إضافة إلى بنت لم تتعدى الأربعين يوما على ولادتها توفيت بعد العودة من الهجرة، أنه إثر وصول الأفواج والسيول البشرية المهاجرة لقبائل بني توزين وبني ورياغل، في حدود فجر يوم 02 أكتوبر 1955 اتخذ النازحون مواقع للاستراحة، في "أربعاء انتوراث" تحت أشجار الرمان المثمرة في هذه الفترة من السنة بعد ليلة كاملة من السير على الأقدام وقد أوقذوا النار للتدفئة أو لإعداد الطعام للأطفال الصغار ...، مما جعلهم مكشوفين لطائرات الاستطلاع قبل أن يبدأ القصف الجوي والمدفعي الفرنسي للمهاجرين، مما اضطرهم لإطفاء النيران واستئناف النزوح إلى مناطق أكثرا أمنا.

وتروي هذه السيدة، أن من كان على علم بمسألة بداية هجوم 02 أكتوبر 1955 قد شرع في الاستعداد لذلك وأخفى ما توفر لديه من مؤن ومحاصيل زراعية ومن لم يكن لديه علم فقد اضطر للهجرة وترك ممتلكاته التي استولى عليها المستعمر وعملاؤه، كما تحكي أن دواوير عديدة تركت مهجورة عن آخرها فيما البعض الآخر لم يهاجر منها سوى بعض العائلات لكون بعض أفرادها من المقاومين، فيما أن العائلات التي كانت لها صلات مع المستعمر فإنها لم تهاجر وقد قامت بالسطو على ما خلفته العائلات والدواوير المهاجرة تحت حماية قوات الاستعمار.

وتعرضت محاصيل وممتلكات النازحين للإتلاف والنهب من طرف المستعمر وعملائه، رافقه قصف عشوائي انتقامي من هذه المناطق لمشاركة سكانها في الحرب التحريرية لجيش التحرير.

ولمدة تسعة أشهر بقيت دواوير كثيرة مهجورة بشكل كلي، فحتى الدواب والحيوانات الأليفة والأبقار هاجرت بصحبة أصحابها. وقد رافق هذه الهجرة الكثير من المآسي، منها فقدان الممتلكات، ومقتل وجرح العديد من السكان خاصة النساء والأطفال والشيوخ، بحكم أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة للنازحين، بعد القصف الجوي الذي تعرض له النازحون ليلة 02 أكتوبر 1955 مباشرة بعد تنفيذ الهجوم وفق العديد من الشهادات.

كما أن العديد من النساء قد أنجبن في الخلاء وتحت الأشجار أثناء سير سيول النازحين، وأصيبت العديد منهن بالعقم نتيجة ذلك، وتوفي العديد من الأطفال الحديثي الولادة.
وقد استقبل أهالي قبائل بني ورياغل وبني توزين وغيرها المهاجرين بكل حفاوة لمدة تسعة أشهر وفي مساكنهم الخاصة وشاركوهم محنتهم، فكل عائلة من بني ورياغل أو بني توزين تستقبل في منزلها عائلة مهاجرة أو أكثر.

ولم يستطيع أهالي دواوير وقرى اكزناية العودة إلى ديارهم إلى في حدود شهر يونيو 1956، أي إلى حدود تصفية جيش التحرير واغتيال قادته.