ترجمة : عبد الحميد جماهري
من اكثر ما قرأت تأثيرا صعب ان تنهي هذا الكتاب دون ان تدمع عيناك شعرت بصدق محمد الرايس كانت كل القرائن تؤكد صدقه.
تغول الدولة في السبعينات ولازالت، شهادات زملائه الذين عاشوا معه الجحيم وروى بعضهم مآسيهم، كون الرايس وهو في الخمسينات اي بعد ان ضاع عمره ليس لم يبق له ما يخسره وليس له ما يربحه.
يريد ان يروي هذه المأساة حتى لا تتكرر وفاء لثلاثين معتقل قضوا في تازمامارت ، شهادة الرايس صادمة وصريحة وانسانية وحزينة ومأساوية. وقد كشفت عن حبكة سردية ابدعها الواقع بشكل اغرب من الخيال وان تكن العبارة مبتذلة فانني لا اجد ابلغ منها للتعبير عن احداث هذا النص والتي تبدأ بتدبير انقلاب في فضاءات لو اقتصرنا فقط على وصفها دون ان نتحدث عن ما يجري فيها لكان الامر شيقا وماتعا: المدرس العسكرية باهرمومو والقصر الملكي بالصخيرات ومبنى الاذاعة والتلفزة الوطنية ومقر وزارة الداخلية والقوات المسلحة..
وزاد من قوة النص دقة محمد الرايس الذي يحدد رتب العسكر واسماءهم وشخصياتهم بل وعائلاتهم وتاريخهم أحيانا..ولا يكتفي النص باستحضار شخصيات عسكرية فهناك الكثير من رجالات الدولة الذين كانوا حاضرين في قصر الصخيرات مثل علال الفاسي والمحجوب احرضان.. ثم ان محمد الرايس في محنته يروي عن شخصيات مثل اوفقير واعبابو والمذبوح عن سابق معرفة ولقاء بهم وليس فقط بالسماع. والاكثر درامية وجرأة في شهادته اعترافه بقتل احد رهائن قصر الصخيرات بامر من اعبابو والامر في اللحظة اياها كان امر قاتل او مقتول..الانقلاب برمته كان في تلك اللحظة بالنسبة لكل الحاضرين يتوقف على من سيحكم العسكري ام الملك؟ وهو ما جعل كل المتدبدبين في مواقفهم ينكشفون وكل الاوفياء للعرش تعبر عنهم مواقفهم.
اننا في اللحظات التي وصفها الرايس قاب قوسين من مغرب اخر بوجوه اخرى وواقع اخر..مسار مختلف. لكن المأساة قدر في كلتا الحالتين.
في تازمامارت كان من العسير تقبل ان يظل المعتقلين عقدا من الزمن في قبورهم، بعيدا عن الشمس. وسؤال المسؤول عن هذا الجحيم لا ادري لماذا توارى وكأن الرايس يقصد ان الغاية ليست هي محاسبة الجناة القساة المتحجرين وصدقا فان اي انتقام لن يسهم الا في تحويل الضحية الى جلاد اخر وهو ما تنزه عنه الرايس ورفاقه وكأن العزلة والمحنة انضجتهم وجعلت انسانيتهم ارقى.
يوميات تازمامارت الرتيبة والقاسية افلح الرايس في تحويلها الى مادة دسمة ليؤكد على ان الانسان عصي على الانكسار، يملك بذور مقاومة رهيبة اكثر قوة من ارادة من شاؤوا سحق كرامة الانسان. لقد صنعوا لحظات فرح وامل وحب في قلب جهنم حقيقية.
رصد محمد الرايس ايضا متابعة من هم بالخارج: زوجة الطويل الامريكية وزوجته خديجة الشاوي وحركية زوجة السرفاتي وابنته الهام.. تحدث الرايس ايضا عن مدير المعتقل وعن حراسه ملائكة وشياطين..صعب ان تمنع الشمس عن الوصول الى الزنازين وصعب ان تمنع العالم الخارجي من الوصول الى العالم السفلي لتازمامارت..لكن الجلاد اقبرهم زمنا وناضلوا بكل الوسائل للبقاء وللوصول الى الشمس والهواء.
لقد كان تازمامارت رهيبا اكثر مما تصورته..تصورته قبل ان اقرا مذكرات الرايس ان تازمامارت كما المعتقلات المصرية التي حكى عنها الاخوان مليئة بالجلد والتعذيب او كما قراتها في روائع منيف او كما حدث في ابو غريب او غوانتانامو لكن تازممارت بدون صعق كهرباء وجلد وقلع اظافر بدون اغراق في الماء او ايهام به وبدون ذلك فهي افظع لان التعذيب النفسي اخطر..ثلاثون ضحية تساقطوا تفتك بهم الامراض وتجن عقولهم ويغرقون في قذارة مخلفاتهم..وحين يعجزون عن الحركة يتركون لقدرهم..ناهيك عن مأساة عوائلهم واسرهم وابنائهم.
وحتى بعد خروجهم باعجوبة من الجحيم خرجوا ومعم الامراض المزمنة وعمر ضائع ودون مستقبل. واجد انه حتى بعد الافراج عنهم ضلت المأساة قائمة فهم كائنات مدمرة مظلومة مثيرة للشفقة.
في السجينة تبدو مليكة ابنة اوفقير متصنعة ومتكلفة وهي تحاول مفاقمة مأساتها ومع ان الظلم قد حاق بعائلة اوفقير الا انه لا يقاس بمأساة الرايس ورفاقه. رحم الله محمد الرايس وكل المقهورين المعذبين المكلومين ممن ماتوا مختنقين بغصصهم حتى قبل ان نرى النور ثم ونحن ندرج في هذا الوطن العزيز الذي لا يريده احد ان يكون تازمامارت او ان يكون فيه تازمامارت.
حسب العديد من الروايات التي عايشت ما وقع سنة 1971، فعدم تفاهم اعبابو والمذبوح خلال تنفيذ عملية الانقلاب أفشله، خاصة أن الثاني كان يحرص على أن يكون الانقلاب سلميا ودون إزهاق أرواح، لكن اعبابو أعطى أوامره بإطلاق الرصاص الذي أسقط العديد من ضيوف الملك بقصر الصخيرات، ولم يكن ليستثني الحسن الثاني.
في الأخير، نجى الملك وأصيب شقيقه الأمير عبد الله الذي أصيب في يده.
الانقلاب قاده طلبة المدرسة العسكرية هرمومو. "أصوات مغاربية" سبق أن التقت بعضا ممن شاركوا فيه، بينهم الضابط العسكري السابق محمد متقي الله، الذي أكد أن الطلبة لم يكونوا على علم نهائيا أن الأمر له علاقة بانقلاب عسكري.
"الكثير منا لا يعرف الحسن الثاني في وجهه، والكثير منا لم يسبق له أن شاهد البحر، أو الأكل الباذخ، ما جعل الطلبة يتيهون داخل القصر الملكي، وما زاد من فوضى المكان، أننا قُسمنا إلى فريقين: الأول ولج من الباب الأمامي والثاني من الباب الخلفي. تطورت الأوضاع فأصبحنا نطلق الرصاص على بعضنا البعض".
يضيف متقي الله، الذي التقى الحسن الثاني خلال عملية الانقلاب، أنه شاهد الملك الراحل مع بعض طلبة مدرسة "هرمومو" وهو رافع يديه فوق رأسه.
تحدث إليه جنود بعد تعرفهم عليه وأكدوا له أنهم ليسوا على علم بتاتا أن الأمر يتعلق بانقلاب عسكري، بل إن التعليمات أعطيت لهم لإنقاذ الملك لأنه في خطر.
بعد ذلك طلب منهم الملك أن يضعوا الأسلحة أرضا وأن يرفعوا أيديهم لقراءة سورة الفاتحة، قبل أن تتدخل قوات الجنرال محمد أوفقير، وزير الدفاع آنذاك.
"بعدما طمأننا الحسن الثاني، دخلت قوات أوفقير، وما إن خرج الملك من القاعة التي جمعتنا حتى تم تصفيد أيدينا"، يردف متقي الله.
بعد ثلاث ساعات من الفوضى داخل قصر الصخيرات، نجا الملك الراحل الحسن الثاني من محاولة الانقلاب عليه، وكلف وزير دفاعه محمد أوفقير بإعادة ضبط الأمور. مات أزيد من 130 شخصا، وأعدم 10 ضباط ومن بينهم 4 جنرالات، فيما زج بالعديد من الطلبة في السجون.
شاعت على "هرمومو" أنها من أفضل المدارس العسكرية في المغرب، حسب الشهادات التي استقتها "أصوات مغاربية" من طلبتها، خاصة في عهد الجنرال المذبوح، لكن بعد أحداث الصخيرات أُقفلت المدرسة، وتم تغيير اسم المدينة، التي تبعد عن العاصمة الرباط بحوالي 250 كيلومترا، من "هرمومو" إلى "رباط الخير".