في مطلعِ القرن التاسع عشر إبَّانَ اإلستعمار اإلسباني و الفرنسي للمغرب، ولد الجد الراحل
سيدي محمد سي مُحَنْدْ ابن محمد ابن مزيان بوزلماط ابن محمد امزيان ابن محند اقدور
ابن زيان الفرجوجي المهاجرِ خالل اإلحتالل اإلسباني لألندلس و لمدينة المسلمين
قرطبة.
كان الجدُّ العارف باهلل الذي لم يكتُب لي القدر رؤيته فقيهاً حافظاً لكتاب
اهلل اجتهد في دراسة علوم القرآن و فقه العبادات. عالوةً على ذلك كان نابغةً في
التاريخ و سرد قصص األجداد، كتب بعض الكتب في مجال العلم و تأريخ األحداث.
ترعرع رحمه اهلل في وسط فقير دون والديه، و لعبت دور األمِّ جدته رحمة اهلل عليها، في
دوارٍمن دواوير المنطقة يُسمى )إبقرَيَّنْ( حتى أصبح يُلقَّبُ ب)سِيمُحَنْدْ نَدْبَقَّاشْطْ( و عُرِفَ
بهذا اللقب فيما بعد... كان راعيا للغنم إبَّان تلك الحقبة و في الوقت ذاته كان
حريصاً على حفظ القرآن ليتحول مساره بعد ذلك و من بعد مدَّةٍ احْتَوتْ في طيَّاتها
الصبر، المثابرة، الرغبة و اإلجتهاد موازاةً مع الحرمان ... إلى سبيل العِلم و المعرفة و الخروج من ضيقِ الجهلِ و هو ال يدري أين ستستقر به سفينة القدر.
من أبرز األحداث التي طرأت في حياته هي مشاركته في الجهاد و طرد المستعمر اإلسباني إلى جانب القائد و البطل النابغة سيدي محمد ابن عبد الكريم الخطابي حسب روايات أصدقائه و رفقائه الذين رافقوه أنه كان على وشك أن يصيبه رصاص المستعمر لوال لطف اهلل.
و بعدُ بدأت رحلته من هجرةٍ إلى هجرة، من قبيلة إلى قبيلة و من مدينة إلى مدينة حيث عمل إماماً و خطيباً في عدة مساجد بعضها في القبيلة و ما جاورها من قبائل الريف و اكزناية شرقاً و غربا،ً شماال ثم جنوباً، إلى أن وصل به الحال حتى وصل الجزائر و استقرَّ في قبيلة من قبائلها حيث اتخذه سكانُ القبيلة هنالك إماماً عليهم. ومن بين المساجد التي استقر عندها و حفَّظَ فيها القرآن و درَّسه فيها ألبناء القبيلة و أبنائه الذين تعلموا على يده مسجد تيزي بودريس حيث مكان الوالدة و اإلقامة و بناء األسرة في بدايتها. مسجد تيزي بودريس الذي تأسس سنة 1971م على فكرةٍ من شيوخ القبيلة و كان للجد دورٌ كذلك في بناء ذلك المسجد .
فبشهامته و الكاريزما و األخالق العالية و معرفته العلمية التي كان يملكها حصل على ثقة سكان القبيلة حيث كان يحظى بأهمية بالغةٍ من لدن السكان من شيخهم إلى صغيرهم فقرَّروا أن يجعلوه إماماً و خطيباً في ذلك المسجد بالذات في مطلعِ الثمانينات من القرن الماضي و بالضبط في سنة 1978م، ليشغل دور الفقيه بمعناه الصحيح. زيادةً على اإلمامَةِ و الخطابة و تحفيظ القرآن ألبناء القرية كان يلقن لهم دروس في التاريخ و سرد األحداث السابقة و التي نقلها عن أجداده و بحثه و كأنه كتابٌ يُقْرأ، مما جعل أبناء القرية كبيراً و صغيراً يتهافتون حوله لإلستماع إلى حكاياته و أخذ الدروس منه حتى أصبح غالبيتهم ال يكاد ينفصل عنه و كان بمثابة األب الروحي لهم حتى ولو أنَّه كان قاسياً بعض الشيء و رُبَّما سريع الغضب و كان يُتقن فن الرد و ضرب األمثلة لكنه حريص على ما يقوم به.
و إلى جانب اهتمامه بالقرآن و علومه و العلم النافع عامةً إالَّ أنه لَم يستغنِ عن عمله كفالح. بَيْدَ أنه عاش يتيماً إال أن المولى عز وجل هو الرَّازق، حيث أنعم عليه بالبنين و البنات و الحفدة، و من بين البنين الوالد حفظه اهلل و أطال عمره و األعمام أغلبهم توفاهم اهلل إالّ العمَّ األصغر الذي يناهز عمره السبعين أطال اهلل في عمره.
أما أحفاده فعددهم اإلجمالي يتجاوز الستين حفيداً. حياته و سط أسرته كانت حياةً يسودها التَّحفُّظ أكثر من كل شيء رغم غيابه المتكرر حيث كان كثير السفر و غزير التنقل منشغالً بأمور المساجد. عالوة على ذلك كان يشْغل دور المفسِّر في أمور اإلرث و فك ألغازه و يساعد بسطاء المعرفة في ذلك، و كان يصالح الناس و العائالت ممن كان الشيطان ينزغ بينهم، إلى غير ذلك من خصال حميدة كانت تطغى على حياته تغمده اهلل برحمته. بدأ عمره يناهز الثمانين و بلغ حينها من الكبر عُتيا أصبح شيخاً طاعنا في السن، لكنه كان محافظا على رشاقته و شبابه و لَم تكن تبدو عليه سمات الشيخوخة. ظل ينتقل بين المساجد و منزله المتواجد بدوار تيزي بودريس بالضبط في )تغزوت( بعيدا ببضع كيلومترات عن مكان والدته و مسقط رأسه. كان يرافقه في الغالب ابنه األصغر العم الحاج )ادريس( و حفيده األكبر الذي نعتبره بمثابة العم نظرا لتقدمه في السن هو العم الحاج )فضيل( و الوالد حفظه اهلل رافقه هو اآلخر كثيراً، لكن ظروف الحياة لم تسعفه حيث كان رباًّ ألسرة و كان يحب العمل و جلب القوتِ اليومي، و ابنه البِكرُ العمّ سي محمد رحمه اهلل تعالى حيث كان هو األخر فقيها أخذ العلم و حفظ القرآن على يد األب و المعلم الحاج سي محند المذكور. أصرّ و عمل جاهدا على جعل كل أبنائه و حفدته من حفظه القرآن و أهله و قد نجح بنسبة كبيرة في ذلك. من بين أيام سنة 1984م كان يومٌ أسود حزين ال يقْدِر البالُ و ال الخاطر على وصفه، و العين تدمع و القلب يحنُّ و يشتاق حتى و إن كنتُ أنا في عالم الغيب حينها، إالّ أن ما حكاه لي الوالد و األعمام و أصدقاءه و أحباءه ينقلك من الحاضر إلى ماضٍ حزينٍ بكل ما تحمله الكلمة من معنى. كان يوم خميسٍ كباقي األيام و الذي يصادف السوق األسبوعي عندنا.
كان الجد مواظباً على التسوق و شراء مستلزمات المنزل من خضر و ما يليها من حاجيات األسبوع، لكنه في ذلك اليوم الكئيب كان يوم أجله و انتهاء مسيرته و حياته حيث توفي و رحل عن الدنيا و الكل ال يدري كيف حدث ذلك فجأة بين منزله و منزل العم. وصل و ما هي إالّ لحظات حتى آتاه ملَك الموت ليسترد األمانة فصعدت روحه الطاهرة إلى جوار ربّها راضية مرضية. بعدها انتشر خبر وفاته و صار الكل مصدوما بالخبر. ساد الحزنُ و القلق أليام و أعوام لكن ذكرياته و مسيرته و أقواله و أفعاله و أعماله لن تندثر و لن تَبْلى أبداً، و الدليل القاطع هو ما نقله الناس الذين يعرفونه حق المعرفة ال من قريبٍ و ال من بعيد. فالكل يذكره بما هو خير و يترحَّمُ عليه و يتألم لفِراقه. و اهلل ال أجد الكلمات و العبر التي يمكن أن أختصِر بها حياة هذا الجد و عمره و مسيرته بعُجالةٍ. فكلما راجعتُ من ذكرياته و مسيرته سالِفها، أجِدُني أدرُج في سُلَّم حياةِ رجلٍ ال يُنسى، أتنقل بين أقاليم حياةٍ لم أشاطرها إياه. رجلٌ عاش من سنة الميالدِ إلى سنة الوفاة مسافراً يحمل من حُطامِ الدنيا الكثير، دنيا جعلتْ منه إنساناً يالحقه ماضيه بكل ما يحمل.
من أبرز األحداث التي طرأت في حياته هي مشاركته في الجهاد و طرد المستعمر اإلسباني إلى جانب القائد و البطل النابغة سيدي محمد ابن عبد الكريم الخطابي حسب روايات أصدقائه و رفقائه الذين رافقوه أنه كان على وشك أن يصيبه رصاص المستعمر لوال لطف اهلل.
و بعدُ بدأت رحلته من هجرةٍ إلى هجرة، من قبيلة إلى قبيلة و من مدينة إلى مدينة حيث عمل إماماً و خطيباً في عدة مساجد بعضها في القبيلة و ما جاورها من قبائل الريف و اكزناية شرقاً و غربا،ً شماال ثم جنوباً، إلى أن وصل به الحال حتى وصل الجزائر و استقرَّ في قبيلة من قبائلها حيث اتخذه سكانُ القبيلة هنالك إماماً عليهم. ومن بين المساجد التي استقر عندها و حفَّظَ فيها القرآن و درَّسه فيها ألبناء القبيلة و أبنائه الذين تعلموا على يده مسجد تيزي بودريس حيث مكان الوالدة و اإلقامة و بناء األسرة في بدايتها. مسجد تيزي بودريس الذي تأسس سنة 1971م على فكرةٍ من شيوخ القبيلة و كان للجد دورٌ كذلك في بناء ذلك المسجد .
فبشهامته و الكاريزما و األخالق العالية و معرفته العلمية التي كان يملكها حصل على ثقة سكان القبيلة حيث كان يحظى بأهمية بالغةٍ من لدن السكان من شيخهم إلى صغيرهم فقرَّروا أن يجعلوه إماماً و خطيباً في ذلك المسجد بالذات في مطلعِ الثمانينات من القرن الماضي و بالضبط في سنة 1978م، ليشغل دور الفقيه بمعناه الصحيح. زيادةً على اإلمامَةِ و الخطابة و تحفيظ القرآن ألبناء القرية كان يلقن لهم دروس في التاريخ و سرد األحداث السابقة و التي نقلها عن أجداده و بحثه و كأنه كتابٌ يُقْرأ، مما جعل أبناء القرية كبيراً و صغيراً يتهافتون حوله لإلستماع إلى حكاياته و أخذ الدروس منه حتى أصبح غالبيتهم ال يكاد ينفصل عنه و كان بمثابة األب الروحي لهم حتى ولو أنَّه كان قاسياً بعض الشيء و رُبَّما سريع الغضب و كان يُتقن فن الرد و ضرب األمثلة لكنه حريص على ما يقوم به.
و إلى جانب اهتمامه بالقرآن و علومه و العلم النافع عامةً إالَّ أنه لَم يستغنِ عن عمله كفالح. بَيْدَ أنه عاش يتيماً إال أن المولى عز وجل هو الرَّازق، حيث أنعم عليه بالبنين و البنات و الحفدة، و من بين البنين الوالد حفظه اهلل و أطال عمره و األعمام أغلبهم توفاهم اهلل إالّ العمَّ األصغر الذي يناهز عمره السبعين أطال اهلل في عمره.
أما أحفاده فعددهم اإلجمالي يتجاوز الستين حفيداً. حياته و سط أسرته كانت حياةً يسودها التَّحفُّظ أكثر من كل شيء رغم غيابه المتكرر حيث كان كثير السفر و غزير التنقل منشغالً بأمور المساجد. عالوة على ذلك كان يشْغل دور المفسِّر في أمور اإلرث و فك ألغازه و يساعد بسطاء المعرفة في ذلك، و كان يصالح الناس و العائالت ممن كان الشيطان ينزغ بينهم، إلى غير ذلك من خصال حميدة كانت تطغى على حياته تغمده اهلل برحمته. بدأ عمره يناهز الثمانين و بلغ حينها من الكبر عُتيا أصبح شيخاً طاعنا في السن، لكنه كان محافظا على رشاقته و شبابه و لَم تكن تبدو عليه سمات الشيخوخة. ظل ينتقل بين المساجد و منزله المتواجد بدوار تيزي بودريس بالضبط في )تغزوت( بعيدا ببضع كيلومترات عن مكان والدته و مسقط رأسه. كان يرافقه في الغالب ابنه األصغر العم الحاج )ادريس( و حفيده األكبر الذي نعتبره بمثابة العم نظرا لتقدمه في السن هو العم الحاج )فضيل( و الوالد حفظه اهلل رافقه هو اآلخر كثيراً، لكن ظروف الحياة لم تسعفه حيث كان رباًّ ألسرة و كان يحب العمل و جلب القوتِ اليومي، و ابنه البِكرُ العمّ سي محمد رحمه اهلل تعالى حيث كان هو األخر فقيها أخذ العلم و حفظ القرآن على يد األب و المعلم الحاج سي محند المذكور. أصرّ و عمل جاهدا على جعل كل أبنائه و حفدته من حفظه القرآن و أهله و قد نجح بنسبة كبيرة في ذلك. من بين أيام سنة 1984م كان يومٌ أسود حزين ال يقْدِر البالُ و ال الخاطر على وصفه، و العين تدمع و القلب يحنُّ و يشتاق حتى و إن كنتُ أنا في عالم الغيب حينها، إالّ أن ما حكاه لي الوالد و األعمام و أصدقاءه و أحباءه ينقلك من الحاضر إلى ماضٍ حزينٍ بكل ما تحمله الكلمة من معنى. كان يوم خميسٍ كباقي األيام و الذي يصادف السوق األسبوعي عندنا.
كان الجد مواظباً على التسوق و شراء مستلزمات المنزل من خضر و ما يليها من حاجيات األسبوع، لكنه في ذلك اليوم الكئيب كان يوم أجله و انتهاء مسيرته و حياته حيث توفي و رحل عن الدنيا و الكل ال يدري كيف حدث ذلك فجأة بين منزله و منزل العم. وصل و ما هي إالّ لحظات حتى آتاه ملَك الموت ليسترد األمانة فصعدت روحه الطاهرة إلى جوار ربّها راضية مرضية. بعدها انتشر خبر وفاته و صار الكل مصدوما بالخبر. ساد الحزنُ و القلق أليام و أعوام لكن ذكرياته و مسيرته و أقواله و أفعاله و أعماله لن تندثر و لن تَبْلى أبداً، و الدليل القاطع هو ما نقله الناس الذين يعرفونه حق المعرفة ال من قريبٍ و ال من بعيد. فالكل يذكره بما هو خير و يترحَّمُ عليه و يتألم لفِراقه. و اهلل ال أجد الكلمات و العبر التي يمكن أن أختصِر بها حياة هذا الجد و عمره و مسيرته بعُجالةٍ. فكلما راجعتُ من ذكرياته و مسيرته سالِفها، أجِدُني أدرُج في سُلَّم حياةِ رجلٍ ال يُنسى، أتنقل بين أقاليم حياةٍ لم أشاطرها إياه. رجلٌ عاش من سنة الميالدِ إلى سنة الوفاة مسافراً يحمل من حُطامِ الدنيا الكثير، دنيا جعلتْ منه إنساناً يالحقه ماضيه بكل ما يحمل.