الثلاثاء، 22 أغسطس 2017

مقالات| أنا من هناك.. بقلم : هشام العاصمي

بقلم : هشام العاصمي

أنا من هناك، بجانب التل ولدت كما ولد أبي و أبناء جيلي بلا طبيب متمرس و لا مصل متطور، ولدت من معاناة أمي و من يد قابلة، ولدت كما تولد الاشياء أول مرة.


بين الجبال نشأت و منها تعلمت التمرد، بين الوديان تعلمت الحروف الاولى، و عبر القسم رأيت الشعلة الملتهبة، رأيت الكتب، رأيت شعبا يتمخض، أنا من هناك حيث تعلو السمرة أعالي التلال، و تعلو الأتربة أسقف المنازل المتكئة على الطوب النيء، أنا من هناك حيث الحياة تسير ببطىء، و لا شيء يبدد آثار الفقر سوى زيارات قوس قزح، هناك في بلدتي هوية مفقودة و حياة مسلوبة، هناك غربة تجتاح كل الاماكن لا فرار منها إلا على التوابيت، هناك بصمة نفيسة طبعت على الجسد، في الذاكرة و على السجلات، بصمة هي الوطن و الديار. 

هناك كل الفرح يولد مع قطرات المطر، و يولد مع بدايات المساءات، يولد في الحقول كما تولد حبات الشعير في البيدر، يولد مع تفتح الأزهار في ربيع العمر، يولد الفرح مع المطر عند الأصيل فتتجدد البسمة و تحيى العظام المكسورة بين ثنايا الزمن، تتبدد الغربة و يأنس القلب. هنا على الجبال تكدست جثث المقاومة و زغردت البندقية منذ نصف قرن، قاهرة تمدد 'الفرنسيس' و 'الإسبان' فعلا صوت السلطان في منبره إنهم شجعان، فلتغتصبوا لهم النساء و الصبيان كما فعل الإسبان، حتى يموت الشرف و يحيى السلطان و بقيت عاش عاش تتردد في الشرق و الغرب الى اليوم، فتمرد الريف هنا و هناك و غسل جراحه شهداء و سجناء و رفع الشرف في نعش السلطان.

أنا من هناك في وطن يهجرنا و نتشبث به، في دولة تستأصلنا فنقاوم، في أماكن ترفض أن ننتمي إليها فنتشبث، تلفضنا فلا نستسلم، نعيش بلا مستشفى و السرطان حبيب، بلا جامعة و التعليم صديق، بلا معمل و الفقر خليل، أنا من هناك في المغرب المنسي، مغرب عاش الفرد و الموت للجماعة، هناك بلا مستقبل و ماضي يحكي كل الألم، أنا من هناك حيث البؤس يرفرف لو لا حبات القمح و أموال المهجر، لولا إبني الذي كان وجبة وشيكة للسمك على قوارب الموت، أنا من هناك حيث القتل، و السجن، و المتابعة لحنجرتي التي تصرخ خبزا، خبزا... أنا من هناك، سأعيش رافضا، صارخا في أوجه الظلم، حالما بالوطن الحقيقي، جامع الشتات، و طني الذي عاش في أضلعي، في بندقيتي، و في زنزانتي. وطني في الحراك و الحراك هو الوطن الذي يتمخض ليولد كما نحن نريد.