مقالات| اغتيال عباس المساعدي وبداية النهاية لتنظيم جيش التحرير .. بقلم : مجيد خوخو
بقلم : مجيد خوخو
تدخل قضية اغتيال عباس المساعدي في إطار المشروع الذي سطرته فرنسا لتصفية جيش التحرير، الذي رفض خيار التفاوض، معتبرا إياه مضيعة للوقت، وهذا ما يؤكده بونص الذي كان يشغل منصب كاتب الدولة في الشؤون المغربية والتونسية في حكومة جي مولي:
“إن جيش التحرير يضع على المغرب رهائن، وهذا هو السبب الذي دفع بألان سا فاري أن يتوجه إلى المغرب في شهر مايو 1956 ليعبر عن تخوفات الحكومة الفرنسية تجاه المعضلات التي يضعها جيش التحرير، وليعلن بأن الميزانية الفرنسية ستساهم في تمويل إنشاء الجيش الملكي و تأطيره ببعض الضباط الفرنسيين لمحو جيش التحرير أو إدماجه.
أما من كانوا ينادون بالخيار السياسي لحل القضية المغربية اعتبارا لمشاركتهم في مفاوضات “اكس ليبان” التي كان الهدف منها هو إجهاض الثورة المغربية في بدايتها الأولى. وهذا ما يؤكده ابن عبد الكريم ” لقد اعتبر الخطابي أن مباحثات اكس ليبان أجهضت الثورة التحريرية المغربية وهي في طور المخاض.
إن البلاغ الذي أصدره تنظيم جيش التحرير في 03/10/1955 ، حيث كشف فيه بكل وضوح كل أوراق مشروعه التحريري، ويتضح أيضا من هذا البلاغ أن رسالته كانت موجهة إلى الوفد المغربي المفاوض في هذه المباحثات، التي اعتبرها التنظيم خيانة كبرى لإستراتيجية التحرير الشامل كما أسلفنا، فقد اعتبرهم (لا يمثلون إلا أنفسهم، وكفى البلاد ما قاسته من مفاسدهم).
لقد مضى كل طرف في طريقه للإنجاح المشروع الذي رسمه.فجيش التحرير كان طريقه العسكري الواضح هو الحل لانتزاع الاستقلال، بينما الإخوة الأعداء في ‹‹ايكس ليبان›› كانوا يرون في انطلاق معارك هذا الجيش سحب لبساط الشرعية من تحت أقدامهم. أما فرنسا فكانت تنتظر نتائج سياسة‹‹فرق تسد›› لتعطي أكلها. وذلك “ما حدث بعد ‹‹ايكس ليبان›› هو أن العالم الحضري حصل على الاستقلال بمعزل عن العالم القروي وبحكم الحلف القوي الذي كان في البداية بين الملك وحزب الاستقلال ما كان على العالم القروي سوى أن يخضع للأمر الواقع ويقبل الاستقلال. من غرائب الأمور أيضا هو أن حزب الاستقلال هو الذي أصبح بطلا إلى جانب محمد الخامس وأصبح أولئك الذين في الجبال بعيدين عن أولادهم ‹‹متمردين›› ينبغي معاقبتهم.
بعد هذه المفاوضات التي توجت بتأسيس أول حكومة مغربية في 07/12/1955، التي ستتوجه إلى باريس في 13/01/1956، تحت رعاية السلطان من اجل التفاوض مع فرنسا حول استقلال المغرب.أفضت نتائجها بتوقيع تصريح مشترك تعترف فيه الحكومة الفرنسية باستقلال المغرب، وهذا نص التصريح:
“─ يمارس جلالة السلطان السلطة التشريعية بكامل السيادة ويتطلع ممثل فرنسا على الظهائر والقرارات ويبدي ملاحظاته عندما تمس هذه الظهائر بمصالح فرنسا ومصالح الفرنسيين والأجانب في الفترة الانتقالية.
─ يتصرف جلالة سلطان المغرب في جيش وطني، وفرنسا على استعداد لمساعدة هذا الجيش، ووضعية الجيش الفرنسي الحالية ستبقى على ما هي عليه في المدة الانتقالية.
─ ميادين التسيير التي حافظت عليها السلطات الفرنسية سيقع تسليمها بعد اتفاق بين الطرفين.
─ سيحافظ المستخدمون الفرنسيون في المغرب على الضمانات التي يتمتعون بها.
─ تواصل الحكومة الفرنسية تسيير علاقة المغرب الخارجية وتمثيل وحماية الرعايا المغاربة ومصالحهم في الخارج في انتظار اتفاق الحكومتين على إجراءات جديدة تأخذ بطلب من الحكومة المغربية للمدة الانتقالية.”
بناءا على ما جاء في البلاغ السالف الذكر، فان تنظيم جيش التحرير لم يعترف بهذا التصريح، حيث جاء فيه(أي البلاغ) ‹‹…عدم التقيد بأي اتفاقيات عقدت أو تعقد مسبقا لا تحقق الهدف الأول كاملا (الاستقلال التام لأقطار المغرب العربي )››.
وهذا ما أجّجّ الصراع، خصوصا، بعد أن قام التنظيم بمجموعة من البيانات والتصريحات، هذا جزء منها: “إننا نذكر بأن غاية المقاومة المغربية هي تحرير المغرب من الاستعمار الفرنسي في جميع مظاهره وتحقيق استقلاله التام وتوحيد مناطقه.أما رجوع جلالة الملك فهو وان كان نصرا عظيما، إلا انه ليس وحده الكفيل بإعادة المياه إلى مجاريها، ولن يكن النصر نهائيا وحاسما إلا يوم تعترف فرنسا رسميا ودوليا باستقلال المغرب …إن المقاومة ليست لها أدنى ثقة بوعود فرنسا لأنه لم يثبت أبدا في تاريخ فرنسا أنها صانت وعدا أو أوفت بكلمة، ولذا فإننا نهيب بك أيها الشعب الكريم لكي تكون على حذر وتبقى متأهبا للطوارئ.”
أما الرسالة التي كانت شديدة اللهجة، فتلك التي وجهت إلى الهيئات السياسية، وهذا مقتطف من نص بلاغ آخر:”…أمام موجة من النداء الصادرة عن هيئات سياسية أو جماعات تضليلية تحاول أن توهم بها الرأي العام المغربي والرأي العام الدولي أن لها اليد الطولي في المقاومة المغربية وجيش التحرير،تعلن المقاومة وجيش التحرير أن ليس لأي احد من هؤلاء الحق في التكلم باسمها خصوصا ويوجد من سجل عنهم التاريخ المغربي مواقف مخزية يندى لها الجبين…”
هذا الحراك السياسي العنيف، سينتج عنه مجموعة من الاغتيالات والتصفيات لرموز جيش التحرير، الذين رفضوا أن يخضعوا لهذه الهيئات السياسية التي كانت تسعى للهيمنة على مراكز القرار في البلاد، والانفراد بالحكم. وذلك ما حدث مع عباس لمساعدي وآخرون الذين سينالون جزاءهم بعدما وقفوا حجر عثرة أمام هؤلاء السياسيين للوصول إلى مآربهم، وعن حدث اغتيال عباس لمساعدي سنورد بعض الشهادات لمن عايش أحداث المرحلة :
عبد الرحمان عبد الله الصنهاجي:”…اغتيل عباس رحمه الله غداة الاستقلال بمدينة فاس يوم الأحد 28يوليوز 1956من طرف السياسيين.”
عبد العزيز أقضاض الدوائري:”… فقد قطعوا رأس جيش التحرير في زمن إكتمال فرحتنا بالانتصار على الاستعمار في معركة الاستقلال … إنها لخسارة عظيمة خسرها هذا الشعب بفقدانه، وإنها لجريمة نكراء لا ينساها التاريخ أبدا.”
محمد بن عمر بن علي العزوزي:”…من مركز أكنول توجه إلى مركز صاكا ناحية جرسيف ليتفقد أفراد جيش التحرير …ومن هناك ارتحل إلى فاس، وفي فاس تأتي نهايته، ويقتل خيانة وغدرا، وليلتحق رحمه الله بركب الشهداء.
عبد الكريم الخطيب:”… وقع بعد ذلك اجتماع بالرباط بين مسؤولين كبار في المقاومة السرية ومسيرين من حزب الاستقلال، كان من بينهم المهدي بنبركة، وقرروا إلقاء القبض على عباس المسعدي بتهمة انه كان يستعد للثورة على الأوضاع.”
عبد الرحيم الورديغي : “أثتاء إدماج جيش تحرير الشمال…اختطف الكولونيل عباس لمساعدي احد رؤساء الفيالق لجيش الريف المنصبة في إقليمي الناضور وتازة واغتيل بصفة سرية.”
حتى وإن كانت هذه الشهادات لحد الآن لا تقيم الدليل على أي أحد من هؤلاء السياسيين، إلا أن المهم هو أن من ارتكب هذه الجريمة فقد أذاق المغرب خسارة كبيرة، وأدخله إلى متاهات لا زلنا نعيش تبعاتها إلى حد الآن، إذ كيف يعقل أن يتم اغتيال أحد كوادر تنظيم أرغم فرنسا على الاعتراف باستقلال المغرب؟ ويتم بعد ذلك تجريد جيش التحرير من سلاحه وحله، وقوات الاستعمار لم ترحل بعد؟