واحد من الجيل الأول الذي ولج منذ فترة طويلة ميدان العمل الإذاعي، حيث
أمضى عقود طويلة في قسم الإذاعة الأمازيغية بالرباط، ثم قسم الأخبار
الأمازيغية بالقناة الأولى، قبل أن يحال على التقاعد سنة 2006، واستمر
بعدها لمدة 3 سنوات.
يعد عبد السلام الزكريتي، إلى جانب أسماء أخرى كان لها سبق الاشتغال
بالإذاعة الأمازيغية، منذ أزيد من 4 عقود، مثل محمد بوثخيدوست، وفاطمة
طاميرو، وفاطمة اليوسفي،... من الوجوه التي بصمت على مشوار امتد لسنوات
طويلة من وراء الميكرفون الإذاعي، وكمقدم أخبار بالتلفزة المغربية، إلى
جانب الصحفية المتألقة سلوى المقدّم.
التحق عبد الزكريتي بالإذاعة منذ بداية الستينيات واشتغل بها لمدة 42 سنة ،
وهو من مواليد قبيلة كَزناية المعروفة بمقاومتها ودورها البطولي والكفاحي
ضد المستعمر الفرنسي، ينتمي إلى أسرة مقاومة عرفت بانخراطها في جيش التحرير
الذي كان مهده بـ "مثلث الموت" بذات القبيلة، ويعد من الوجوه الإعلامية
الأمازيغية التي تنتمي إلى منطقة الرّيف من الذين ولجوا عالم الصحافة
الإذاعية منذ السنوات الأولى لـ "استقلال" المغرب.
هو من مواليد 1939 بأكنول، والتحق بـ "الجامع" منذ سنة 1943 لتعلم وحفظ
القرآن، في وقت كان والده يشتغل في القضاء بناحية قبيلة اكَزناية المجاهدة،
قبل أن يستكمل تكوينه في العلوم الشرعية بعد التحاقه بالمعهد الديني
بالحسيمة سنة 1957، ومنها التحق بجامع القرويين خلال السنة الموالية، قبل
أن يتحصل منها على شهادة التعليم الثانوي سنة 1962، وبعدها سافر إلى الرباط
لاستكمال دراسته بثانوية محمد الخامس.
بعد ذلك، وأمام الحلم الذي ظل يرواد عبد الزكريتي منذ صغره، قرر بعدها
الالتحاق بالإذاعة حيث أجرى امتحانا في اللغة والترجمة لمدة 15 يوم سنة
1964، وبعد قبوله انضم للاشتغال كمقدم وكمنتج برامج على مدى 4 عقود، جعلت
الحديث عن مسار تجربة الإذاعة الأمازيغية لا يستقيم دون الإشارة إلى اسم
الإذاعي عبد السلام الزكريتي. فضلاً عن كونه شكل واحد من الوجوه التي اعتاد
المشاهد اطلالتها ضمن "نشرة اللهجات" التي كانت تقدم على القناة الأولى
خلال سنواتها الأولى.
مسار
الزكريتي لم ينحصر داخل ردهات و استوديوهات الإذاعة التلفزة، فقد كان شاهدا
على محطات وأحداث بارزة في تاريخ المغرب، يروي عبد السلام طرائف صادفته
ومعاناة تركت جراحا غائرة في ذهنه. لقد كان يوم السبت 9 يوليوز من 1971
يوما مشؤوما بالنسبة للزكريتي، فهو تاريخ شهد حادث الانقلاب، إذ في اليوم
الموالي 10 يوليوز يتذكر الزكريتي و يعيد شريط تلك الواقعة.» كان دوري
آنذاك أن أشتغل في ذلك اليوم مذيعا فدعيت لأقوم بمهمتي ، لما اقتربت إلى
محيط الإذاعة فوجئت بتبادل إطلاق الرصاص الكثيف بين الانقلابيين وفرق الجيش
الذي كان يقوم بتطهير المنطقة المحيطة بالاذاعة من الانقلابيين. ومن حين
لآخر كنت أتوقع أن يصيبني رصاص لا محالة حتى دخلت الاذاعة و بقي الرصاص
يطلق علينا عبر النوافذ و يخترقها بشكل نشر معه خوفا و فزعا لم يسبق أن عشت
مثله سوى إبان عمل جيش التحرير. فقد ظل الانقلابيون المتمركزون بداخل
العمارات المجاورة يجهدون أنفسهم لكي يستولوا على مرافق و استوديوهات
الإذاعة التي كان بداخلها حينئذ كل من المذيع الحنفي و فاطمة الزياني و
حمادي اليزيد، شرعنا خلالها في تقديم البلاغات من حين لآخر عن كل المستجدات
المرتبطة بالحادث إلى غاية السادسة مساء حيث انقطع تبادل إطلاق النار،
بينما كنا مجبرين على إمضاء ليلة بيضاء داخل الاستوديو في رعب بدون أكل
لمدة أربع وعشرين ساعة.
من الطرائف الغريبة التي علقت بتفكير الأستاذ الزكريتي يوم نسي أنه مكلف بالتذييع بالرغم من أنه المعني بافتتاح البث مما أخر العملية لمدة ساعة أخرى حتى استدرك الموقف الزميل محمد بوتخيدوست الذي كان في بيته و لفت انتباهه تأخر انطلاق صوت الاذاعة الأمازيغية بالريفية، وفي يوم الغد استدعى الزكريتي لملاقاة المدير، هذا الأخير كان مستغربا إلى درجة كبيرة بسبب غيابه وحين طلب منه استفسارا حول الموضوع لم تكن إجابة الزكريتي سوى «نسيت» بعيدا عن كل مراوغة و كذب فكان رد المدير بتلقائية و تفهم « التحق بعملك لا بأس «.
بالرغم من اللحظات الطيبة و السعيدة التي ربطت الزكريتي بمستمعيه أو زملائه بالاذاعة والتلفزة طيلة 42 سنة و سيرته النظيفة التي يشهد لها سجله الخالي من أي توبيخ أو إنذارعلى مدى مسيرته المهنية، فإن الشعور بالإجحاف و اللامبالاة لازمه منذ سنوات التسعينيات على غرار العديد من رفاقه مما اعتبره عقابا له.
في سنة 1971 تم إدماج موظفي الإذاعة في الوظيفة العمومية، فكنت واحدا من المظلومين جراء هذه الخطوة، حيث أدمجتني الإدارة في سلك الإداريين وشتان بين هذه الوظيفة ومهنتي وحتى الامتحانات المتعلقة بالترقية الداخلية كان مفروضا علي أن أجتازها حسب الأسئلة التي تتعلق بتسيير الإدارة وهي بعيدة كل البعد عن الأدوار التي كنت أتكلف بها، بمعنى آخر فإن إدماجي كان إهانة لي كما تم تجميد ترقيتي لمدة 14 سنة بدون أدنى سبب فيما ترقية أخرى تأخرت لمدة عشرة أشهر» يقول الزكريتي و هو يحكي بألم مدفون في الأعماق.
ويضيف « لما أحلت على التقاعد اقتضت مصلحة العمل أن أستمر في مزاولة مهامي فوافقت إلى أن تم تحويل الإذاعة إلى شركة سنة 2006 التي عملت فيها بإذن من المدير المركزي المسؤول عن الأخبار بدون مرتب مع امتناع الإدارة عن أداء مستحقاتي لسبعة عشر شهرا بدون مبرر.
الحديث عن مسار مهني حافل لم يله الزكريتي عن مداومة شعائره و اهتماماته الفكرية التي دأب بانتظام على مزاولتها، فمن صلاة الفجر و تلاوة ما تيسر من كتاب الله وتناول وجبة الإفطار المفضلة لديه يقوم الزكريتي بممارسة حصته من المشي لساعة ثم العودة للبيت و تصفح الجرائد و بعض الكتب الأدبية أو الدينية فيما لايخفي حبه لاكتشاف مناطق أخرى من المغرب سحرته دائما و انضافت لعشقه الكبير لبلدته ومسقط رأسه أو باقي ربوع الريف فالزكريتي يعترف بولعه وميوله لمدن كطنجة أو مراكش ووجدة. كما أنه حاليا منكب على كتابة مذكرات تتمحور حول حياة والده الشهيد الحسين الزكريتي وعلاقته بالزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي وهي ثاني خطوة أدبية بعد إنهائه لتدوين و جمع ألف مثل بالريفية.
الفيديو: