بقلم : عبد القادر بوكلوش
"الشلال"هذه الآنية العجيبة لها أكثر من دلالة ورمزية عند أهل أجزناية، وجودها من بين الأواني المنزلية مرتبط بالحفلات والأعراس والأفراح، فهي رمز للكرم والتقدير والترحيب بالضيف.
عندما يجتمع الضيوف في"الروى"(غرفة الضيوف عند اهل جزناية) وبعد شرب كؤوس من الشاي وتناول فواكه جافة محلية من جوز ولوز، يقف بباب الغرفة رب المنزل او أحد المقربين منه على كتفه (فوطة) جديدة من النوع الممتاز، يحمل بيده اليمنى "الغلاي" وبيده اليسرى "الشلال"، تنسحب الصينية بكؤوسها وبرادها في صمت.
في هده اللحظة بالذات يمثل الشلال إشارة بافلوفية لقدوم الأكل فيعطي إنطلاق الإفرازات الغددية في الجهاز الهضمي للضيوف بطريقة لاشعورية قصد استقبال لحوم الوليمة.
تبدأ عملية غسل اليدين تحت شعار "سيد القوم خادمهم" انطلاقا من جهة اليمين فتسمع عبارات التقدير والاحترام والشكر، يقول الغاسل "حاشاك" ويرد عليه حامل الشلال "يعزك الله" وسرعان ما تتغير هذه العبارات عندما يأتي دور ضيوف الشرف أوحفظة القرآن فيقول الغاسل "شرف الله قدرك" ليميز نفسه عن باقي الضيوف ويرد عليه حامل الشلال "كرم الله وجهك" أما أنا فكنت أكتفي بكلمة "شكراً"ويرد علي حامل الشلال "بالصحة ياأستاذ".
"الشلال" آنية ساحرة موجودة في داكرة كل من عاش طفولته بمنطقة اكزناية وفي بيتهم شلال فهي وسيلة للتعبير عن العلاقات الإنسانية والإجتماعية القوية.
لكن مع الأسف غاب الشلال من بيوتنا وتغيرت ثقافة الضيافة، وتحولت الفوطة المشتركة الى مناديل ورقية، وحُكم على الشلال بالتعليق في زنزانة انفرادية قد تكون غرفة حمام أومرحاض وأصبح له اسم جديد "لافابو LAVABO"ولم يبق من الغلاي سوى أنبوبه وضع عليه مفتاح لصب الماء وعُلق بدوره فوق الشلال المنسلخ.
لا شكّ بأنّ الأمور اختلفت بشكلٍ كبير بين الماضي والحاضر في جوانب كثيرة من جوانب الحياة، وقد سبّب هذا الاختلاف تطوّر الحضارة الإنسانيّة وتغيّر أشكال وأنماط معيشتها، بينما ينظر بعض النّاس إلى هذا الاختلاف على أنّه شيءٌ إيجابي، يطالب البعض بضرورة العودة إلى قيم المجتمع قديماً وأعرافه الّتي تُفتقد بشكلٍ كبيرٍ في الحياة المعاصرة.
غاب حامل الشلال الى الأبد وغابت معه عبارات الشكر والتقدير والتكريم"حاشاك" و"شرف الله قدرك" و "كرم الله وجهك" وغابت قولة "سيد الناس خادمهم" لتحل محلها "اللي بغا حبابو ينوض للافابو".