الثلاثاء، 6 فبراير 2018

التنظيم السياسي بالريف على عهد محمد بن عبد الكريم الخطابي: دراسة انتربولوجية وتاريخية.. بقلم: ذ.محمد اشتاتو

بقلم: ذ.محمد اشتاتو

الريف كوحدة سياسية في ظل حقبة الريبوبليك:

 ظل الريف فيما بين 1898 و 1921 مسرحا لحركة سياسية وعسكرية بالغة التأثير تميزت على الخصوص بالبعثات المخزنية التأديبية وما رافقها من تمرد مسلح ضد السلطة المركزية علاوة على النزاعات القبلية والتطاحنات العشائرية.

 لقد كانت الحقبة باختصار مرحلة التغيرات الكبرى بامتياز، تلك التي عرفتبالريبوبيلك او الريفوبليك باللهجة الريفية.

والحال ان الريفوبليك باتت تعني بنظر الكثيرين مرادفا لنهاية السلطة المركزية للمخزن، بالرغم من أن المخزن لم يكن في حقيقة الأمر، استقراره بالريف بأحسن حال مما كانت عليه باقي جهات المملكة. وبرأي آخرين، كانت الريفوبليك تعني الجمهورية، أي الفوضى واللانظام في قاموسهم السياسي الخاص. مع ما تعنيه اللفظة في ثقافتهم القبلية كل لحظة سانحة ومواتية للانتقام من عدو الأمس وانتزاع ممتلكاته.

ابتدأت حقبة الريفوبليك زهاء سنوات 1890 حينما تحول إبقيون من صيادين مسالمين إلى قراصنة أشداء امتدت أياديهم من عرض شواطئ المتوسط إلى البواخر الفرنسية والإيطالية والبرتغالية والإسبانية (355:1976 هارت Hart) ولما ضاق الإسبان ذرعا بهذه الممارسات اللامشروعة، فإنهم راحوا يبلغون تظلمهم إلى السلطان مولاي عبد العزيز الذي بعث إلى إبقيون برسله خمس مرات يدعوهم فيها أن يضعوا حدا لهذه الممارسات. لكن من غير طائل ولان الإحراج لم يكن هينا، فقد أعد السلطان عدته وهيأ “محلة” أوكل بزمام أمورها لأحد أبناء عمومته، مولاي أبو بكر، متوجها إلى عين المكان بمعية ذراعه الأيمن، البشير بن بوشتى البغدادي، أحد الرؤوس الداهية المقربة من السلطان، وبفضل دهاء هذا، استطاع بوشتى البغدادي أن يمحق قبيلة إبقيون ويدخل بالتالي في الفضاء الأسطوري لهذه الجهة بأكملها، باعتباره رجل سياسة شرس وقائد عسكري لا شرف له ولا اخلاق.

إبان حقبة الريفوبليك، ظلت تتقاطر على الريف أسلحة وذخائر من كل العيارات. فقد استطاع هارت (365-364، 1976 ,Hart) أن يتعرف على خمس أنواع منها على الأقل:

” إنه لمن المهم أن نشير إلى وجود – وفي هذا المستوى المبكر – خمس أنواع من البنادق واسعة الإنتشار عند بني ورياغل: 1) زيدان أو المصونة، والمعروفة أيضا باسم بوشفر، وهي أقدم البنادق في الريف، 2) ما شوكة أو أحادية الطلقة، عموما من الطراز الأمريكي رمينغتون 1860 Remington وقد تكون أيضا من الطراز الفرنسي كرا1874 Gras، وهي ثاني أقدم نوع: 3) ثار بعين أو ثلاثية الطلقة (بالإضافة إلى خرطوش رابع داخل خزانة البندقية، وهي من الطراز الفرنسي ليبل كارابين Lebel Carabine 1890 ثاخمسيت، أو خماسية، أو خماسية الطلقة، وهي من الطراز الألماني ثم الإسباني لاحقا، من عيار موزرMauser 1888 وأخيرا 5) نجد ثاتسعيث وهي ثمانية الطلقة بالإضافة إلى الخرطوش المحفوظ داخل الخزانة من الطراز الفرنسي ليبل Lebel 1886، وهذا النوع الاخير، كان هو العيار الأكثر شعبية على الإطلاق، ولم يبدأ في إدخاله إلى بني ورياغل إلا قبيل سنوات فقط من 1921.”



من الطبيعي أن ظاهرة مثل هذه لا يمكنها سوى أن تسهم بشكل فعال في وضع التوازنات التقليدية والنظام السائد آنئذ موضع التساؤل، وهكذا باتت العشائر والقبائل التي اعتادت فيما مضى أن تضطلع بدور سياسي ريادي في المنطقة، باتت إذن بين عشية وضحاها مرغمة على الدخول إلى منطقة الظل إزاء عشائر وقبائل أخرى تقوت بفضل عتادها الحربي وراحت تحدد معالم خارطة سياسية جديدة للمنطقة، لهذا الاعتبار شرعت اللفوف القديمة (التحالفات القبلية) في التفكك بينما بدأت أخرى في التشكل والكون.



فصحيح أن الريف ظل منذ عهد بعيد فضاءا للسيبة إزاء الحكم المركزي، هذا الذي كانت سلطته السياسة أصلا موضع تساؤل لاعتبارات عدة تتمثل أساسا في استشراء الرشوة والزبونية مع العمال (الولاة)، أثقل كاهل الفقراء والمعوزين بالضرائب، ضعف المخزن في مواجهة الأطماع التوسعية للقوى الأوربية المسيحية، عدم اهتمام الحكم بتنمية الإقليم، وهلم جرا…. بيد أنه بالرغم مما قيل، قد يكون من الوهم أن يحاول أي كان أن يعتبر حقبة الريفوبليك بمثابة تعبير صارخ عن وضعية السيبة، فخلال هذه الحقبة، لم يكتف مختلف الفرقاء المتنازعين بمناهضة المخزن التقليدي فحسب، هذا الذي يظل على كل حال مؤسسة بعيدة عنهم جغرافيا، وإنما شرعوا في تغيير النظام السياسي القائم آنئذ.

إن النظام السياسي القبلي السائد بالريف على حساب سلطة المخزن منذ عهد بعيد، هو نظام معقد يقوم على مفهومي التمثيلية والتعادلية (انظر، كون ،1931 108-96 ، Coon) أما التمثيلية السياسية فقد كانت على الشكل التالي:
على مستوى الدشر: يجتمع الممثلون، ” النواب ” في مجلس الدشر، أشت بقين ندشر، والذي يعنى بالقضايا اليومية داخل ” مقاطعتهم”.
على مستوى الإقليم نجد مجلس الكبار، أشت بقين إمقران، والذي يتكفل بشؤون الإقليم ، ويحمل أعضاء هذا المجلس إسم أمغار (الكبير بمعنى المستشار).
على مستوى القبيلة، نجد مجلس المستشارين، أكراو ن إمغارن، والذي يعنى بدراسة كل القضايا التي تهم القبيلة.

وتجدر الإشارة ها هنا إلى وجود تمثيلية أخرى لم تكن تجتمع سوى إبان قيام خطر خارجي محدق، ونقصد أكراو ن إمغارن إمقران او مجلس كبار المستشارين الذي يوجد على مستوى كونفدرالي عالي.

كان مجلس الدشر، يخبرنا كون ( 97: 1931، Coon )، يتشكل من فتيان مراهقين يعهد إليهم بإدارة الشؤون المحلية، بينما يتشكل مجلس الكبار من مستشارين يتكفلون بأمر إدارة شؤون الإقليم، مع حقهم في الاجتماع داخل مجلس القبيلة,

إن قيام حقبة الريفوبليك يمكنه أن يعزى أيضا إلى إحدى الخصوصيات النفسية للإنسان الريفي: ثاغنانت، أو العناد بكل حرية وبساطة، فكم من صراعات قبلية وتطاحنات عشائرية اشتعل لهيبها لأسباب تافهة، وكم من أرواح ذهبت ضحية هذا النوع من التفكير في هذا السياق، لنستمع إلى كون ( 312: 1951 Coon ) ، وهو يروي قصة شخص مصاب بمرض استسقاء الرأس قتله أحد المحاربين لأن الفضول حمله على رمي رأس المريض برصاصة كي يعرف كيف يشتغل دماغه:

” ذات مرة خلال أحد النزاعات المحلية، اطلق محارب رصاصة في رأس شخص مناوئ له مصاب بمرض استسقاء الرأس، لا لأن الشخص المذكور كان خطيرا، وإنما فقط ليعرف ما بداخل رأسه، وهكذا وبعد مخاطرة فعلية، استطاع المحارب أن يتخطى كومة مكشوفة متأهبا للتراجع حاملا معه الجمجمة الغريبة إلى مدرس القرية الذي تكفل بتضميدها، بعدها أدخل المحارب أصبعه داخل الجمجمة وأخرج منها سائلا معينا وتذوقه بطرف لسانه وقال :” إنه مالح بعض الشيء”، ثم ذهب الجميع عائدين إلى القتال“.
 

بروز قائد : ابن عبد الكريم الخطابي

ولد ابن عبد الكريم بأجدير سنة 1882 في عشيرة آيت خطاب من قبيلة بني ورياغل والتحق منذ نعومة أظافره بالكتاب القرآني حيث حفظ عن ظهر قلب المائة وأربعة عشرة سورة من القرآن.

بعدها بعثه أبوه رفقة أخيه الأكبر إلى مليلية إلى مدارسة إسابنية تعلم فيها التاريخ والجغرافيا والرياضيات والآداب فضلا عن التعاليم الكاثوليكية، لاحقا حينما أنهى دراساته بمليلية، التحق بفاس حيث الملحق العربي بجريدة مليلية التلكراما دال ريف el Telgrama del Rif، وعين خلال نفس العام كاتبا بمكتب الشؤون الأهلية تحت قيادة العقيد الإسباني كابرييل مورالس Gabriel Morales، وفي سنة 1914، عين قاضي القضاة بمليلية وسنة بعد ذلك أصبح رئيسا لتحرير الجريدة المذكورة.

لم يلبث ابن عبد الكريم أن تنبه بسرعة إلى مرامي بوحمارة المتطلع الى السلطة و الامامة وخطورة أطماعه في الريف، فعاد إلى أجدير وأهاب بوالده وبقبيلته آيت ورياغل أن يتجندوا ويتحدوا في وجه هذا المدعي الذي يهدد بغزو الريف وبيع خيراته المعدنية للقوى الأوربية من أجل أغراضه الشخصية.

” لم يكن الإخوة عبد الكريم يمتلكون أية سلطة رسمية في بني ورياغل إذا ما كانوا قضاة ولا من إمغارن، وحدها مهارتهم وتجربتهم وخبرتهم في التنظيم هي التي أعطتهم هذا التفوق الفعلي، وما وصلوا إلى الزعامة سوى بمحض قوة الشخصية وسلامة التفكير، فابن عبد الكريم لم يكن مجرد قديس (مرابط) يقود الجهاد ويعد بالجنة- وإنما كان ايضا قائدا محليا امتدت مطامحه إلى بناء دولة وطنية، وقد كان الريفيون يطيعون أوامره لأنهم يعتقدون بخصاله الثلاث الضرورية توفرها في كل قائد فعلي : الجرأة و الشجاعة على احتواء الأشياء بشكل سريع.”
 هذا، ويجدر التذكير هنا بأن ابن عبد الكريم قد تم توشيحه غير ما مرة في مقابل ما أسداه من خدمات للإدارة الإسبانية، ففي سنة 1913، وشح بدرجة ”فارس في ركاب الملكة ازابيل الكاثوليكية” بخصوص هذا التوشيح، يشير بنيل (50: 1986 ؛
Pennel) إلى أن هذا الالتفاتة تكتسي طابعا ساخرا، مادام مطامح الملكة إزابيل كانت تروم السيطرة على شمال إفريقا، بينما كانت مطامح ابن عبد الكريم تغشي طرد المحتل الإسباني.


وقبل هذا التوشيح كان ابن عبد الكريم قد حصل على ميداليتين أخريين من قبل الإسبان. يتعلق الأمر بميدالية “الاستحقاق العسكري” في مارس 1912 التي خولت له الحصول على منحة، ثم “ميدالية إفريقيا” في اكتوبر من نفس العام، وبرأي ابراهيم كريديا (36:1986)، فإن هذه التشريفات إنما كانت على قدر ما يكنه ابن عبد الكريم من إعجاب لإسبانيا.

ومهما يكن، وبخلاف ما هو معتاد، لم يحصل ابن عبد الكريم على اعتراف بني عشيرته بقيادة في اعقاب معركة عسكرية كيفما كانت، مادام أنه لم يكن لحدود تلك اللحظة قد قاد ايا منها، وإنما جاءه الاعتراف بفضل تربيته وحكمته وذكائه (انظر أشتاتو : 192-187/1991ِChtatou :)، هذا دون أن ننسى حسه القيادي ألمرهف. إن مجموع هذه الخصال هي التي أهلته لكي يصبح “شريفا” لا تعوزه البركة، وهذا ما كرسته ورسخته أولى انتصاراته العسكرية على الإسبان.



بني ورياغل : تنظيم سياسي نموذجي

من الأكيد أن الحنكة السياسية تعد إحدى أهم المميزات الشخصية لابن عبد الكريم الذي كان يبحث عن المساندة اللامشروطة من طرف قبيلة آيت ورياغل. وهكذا، عمل على كسب ثقة ذويه واحترامهم بالتدريج، الشيء الذي ينم عن حسه الدقيق كرجل قيادي منهجي ومنظم، فقد شرع في البدء بعائلته الصغيرة، ثم الأهل المقربين وصولا إلى العشيرة فالقبيلة كخطوة أولى نحو تعبئة قبائل الريف الأوسط.

ولكي يستنفر قوى أيت ورياغل لمعانقة برنامجه، كثيرا ما صرح بأن أرضهم تختزن من الموارد المعدنية ما لا يعد ولا يحصى ، وهذا ما يفسر تكالب الأطماع الإسبانية على المنطقة، لذا حث إلى الجهاد ضد الكفار.

وحتى يأخذ نداؤه الجهادي هذا كل مغزاه وفحواه، نبه إلى أن النزاعات القبلية المعهودة والتي تعود إلى بقايا عهد الريفوبليك تعتبر ممارسات ممنوعة، فهي ” حرام” بالنظر إلى حكم الشريعة الإسلامية، بعدها ، بادر إلى وضع حد لأسلوب الحق (ديون الدم)، وشيئا فشيئا، بدأت الصراعات القبلية تتوقف وأخذت تحالف اللفوف القبلية تتفكك وتنحل. عن هذا الموضوع، يكتب وولمان ( 81:1969، Wolman):

” إن آل عبد الكريم لم يكونوا ليغفلوا أن قيام تنظيم سياسي دائم وقوي يعتبر ضرورية حتمية إن هم والريف عموما رغبوا في البقاء، ولهذا المبتغى، استخدموا بذكاء نظام تحالفات اللفوف كلما كان ذلك في صالحهم مثلما عمدوا إلى تعطيله كلما شكل لهم مصدر ازعاج، فعلى المستوى المحلي، كانوا يتعاملون أساسا مع اللفوف بتعيين قواد تتساوى رتبهم، على رأس كل لف، ضامنين بذلك وحدة الانسجام والمساندة.”

وحتى وهو يعلن الحرب على بنيات حقبة الريفوبليك، لم يذهب ابن عبد الكريم أبدا إلى حد الحماس بتنظيم التمثيلية الأمازيغية، بل إنه على العكس قد عمل على تقويتها من خلال تعيينه إلى رتبة قائد، لكل أمغار موجود على رأس لف بيد أن الجدة في هذا التنظيم هو أنهم كانوا كلهم مسؤولين أمامه، هو من يمثل السلطة المركزية. هم من الفوا فيما مضى أن يكونوا رجالا أحرارا في جميع تصرفاتهم، إن هذا الصنف من الرافضين قد أبعدهم ابن عبد الكريم شيئا فشيئا وانتهى بمحاصرتهم، وقد تكرر هذا الإجراء لاحقا فوق أراضي باقي القبائل مثل مرنيسة مع الحاج أحميدة (بنيل 1986 :9 Pennel) ، أو في كزناية مع الحاج بقيش (هرت, 1976، Hart).

إن مثل هذا التنظيم الإداري للتراب يحتاج ضرورة إلى قيام جيش يحميه ويوفر له سبل الحياة، فبعد الخطوة الحاسمة، عمل ابن عبد الكريم على خلق جيش نظامي وعصري، يلعب فيه ذووه دور النواة الصلبة، فالأمر هنا يتعلق إذن بجيش نظامي وحرس شخصي اعتمد عليه ابن عبد الكريم كثيرا، بل إنه كان السند الذي دافع عن حكمه في أحلك اللحظات وأقساها) بنيل, 1986 Pennel, ).

بيد أن قيام مثل هذا الجيش النظامي ما كان ليأتي على حساب الحركة والتي كانت هي الجيش الاحتياطي والتي أوكل إليها ابن عبد الكريم، إبان الحرب، بأصعب المهام.

بقي لحسن الحظ سير هذا التنظيم الإداري والعسكري الى أن يتدبر ابن عبد الكريم أمر الموارد المالية، من أجل هذا الهدف، فرض مجموعة من الضرائب نذكر منها ضريبة الجهاد، والتي كان يؤديها كل رب عائلة : ثاغاغات.

كان الحكم في هذه القبيلة – الأمة يتمحور حول آيت خطاب. فمن جهة نجد الاب الذي كان يلعب إلى هذا الحد أو ذاك دور الأب الروحي لهذه الدولة المتشكلة، وهناك محمد، الرئيس اللاحق للدولة الريفية، ثم امحمد، المهندس الشاب العائد مؤخرا من إسبانيا بديبلوم في الجيولوجيا، والذي يلعب دور المستشار والوزير الفعلي للمالية والاقتصاد وما عدا هذا الثالوث الحميمي، كان هناك خطابيون آخرون وشخصيات من بني ورياغل، بيد أن وظائفهم لم تكن قد تحددت بعد بوضوح.



تكون الدولة العصرية: 1923-1922

في أعقاب أولى انتصاراته العسكرية على الإسبان وخصوصا بعد معركة أظهر أبران (انظر أشتاتو, 195- 194:1991 Chtatou,) لسنة 1921، طفق اسم ابن عبد الكريم يملا افق كل قبائل الريف التي بادرت ترسل إليه وفودا تهنئه وتقدم له البيعة. والبيعة بما هي إجراء بالغ الرمزية في الشريعة الإسلامية قد أعطى للقائد شرعية سياسية ودينية أيضا.

في هذا السياق، يشير بنيل،( 123:1986،Pennel) إلى ان البيعة المعروضة على ابن عبد الكريم في ثاني فبراير 1923 لا تمت بصلة إطلاقا لمثيلتها المعروضة على السلطان، ذلك أن الأولى لم تكن تتضمن أي شرط على الإطلاق، فالمسألة كانت إذن تتعلق بوثيقة سياسية تؤكد الشرعية السياسة والدينية للزعيم الريفي.

بعد البيعة صار ابن عبد الكريم يحمل لقب الأمير، ويؤكد بنيل (125:1986 Pennel) بأن حمل هذا اللقب لم يكن يتعارض البتة والشرعية النظرية، للسلطان ما دام أن الأمير عبد القادر قد حمل هذا اللقب من قبل:

” إن مطالبة عبد القادر بلقب أمير المؤمنين يقدم لنا نقطة هامة للمقارنة مع تطلع ابن عبد الكريم للخلافة من خلال البيعة، فمن الواضح من تاريخ استعمال لقب أمير المؤمنين في إفريقيا الشمالية خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، بأن لا عبد القادر ولا ابن عبد الكريم كانا يرومان خلق تحدي ما في وجه الشرعية النظرية لسلاطين المغرب: فهما لم يكونوا على أي حال معنيين بالمستوى النظري للأشياء، ذلك أن استعمال ألقاب مثل أمير المؤمنين كان يعني برأيهما أن المناطق الخاضعة لحكمهما تستلزم منهما مسؤولية الجهاد، والدفاع عن قيام الشرع وتحديد العلاقة مع ما يحدث خارج الحدود.”

هذا ويخبرنا هارت, ( 376:1976، Hart ) بأن قيام الدولة الريفية الفتية قد تم مع فاتح فبراير سنة 1923 باسم“الجمهورية الريفية”. بيد يعتقد بنيل،( 134-133: 1986 Pennel) ، أن التسمية في حد ذاتها تشير إلى مدى ارتباط ابن عبد الكريم بمفهوم الحداثة، ولو أن هذا الاسم على ما يبدو ما كان باستعمال واسع من قبل الريفيين، فهؤلاء كانوا يورثون اسم الجبهة الريفية، لإيمانهم بضرورة تحرير كامل التراب الوطني من نير الاستعمار الأوربي.

كثيرة هي المراجع التي تتحدث عن وجود هيئة تشريعية في الدولة الريفية إبان حكم ابن عبد الكريم غير أن وظائفها واختصاصاتها ظلت غير محددة المعالم، فمجلس الامة برأي بنيل ( 129-128: 1986 Pennel ) لم يعمل منذ قيامه سوى على المصادقة على تعيينات ابن عبد الكريم لمختلف المسؤولين في حكومته وأنه حتى وهو يمارس استقلاليته، ظل لبقا جدا في علاقته بالأمير.

ولعل هذا ما حدا بهارت (376: 1976، Hart ) لأن يركز على حقيقة مفادها أن الهيئة المذكورة ما كانت سوى “أكروا” من نوع كبير هذه المرة، في حين ينبه بنيل (129 : 1986 Pennel) إلى أن مجلس الأمة كان يضطلع بدور هام:

” إن قرارات مجلس الأمة لتفيد بوجود عنصر من الأخذ والعطاء بين ابن عبد الكريم ومجموع مسانديه، فلئن كان القرار النهائي بين يديه، فمن الواضح أنه كان ملزما بالانتباه لنصائح أتباعه ورغباتهم، فعلى أي حال ما كان من الهين عليه أن يختار بمحض معرفته الشخصية كل شخص يعينه في هذا المنصب أو ذاك.”

يذكر عبد الرحمان اليوسفي (91:1976) بأن البغدادي، الكاتب الشخصي للأمير، قد أخبره بوجود دستور مكتوب من أربعين فصلا كان مودعا مع مجموعة أخرى من الوثائق بمدرسة أجدير التي أضرم فيها الإسبان النيران.

وعموما، كانت الدولة الريفية على عهد ابن عبد الكريم تتركب من الهيئات التالية:
الرئاسة : يعتبر الأمير هو رئيس السلطة التنفيذية والقائد الأعلى للقوات المسلحة والزعيم الروحي للأمة:أمير المؤمنين.
المجلس الوطني: أو مجلس الأمة ويتكون من أعضاء يمثلون مختلف القبائل يعهد إليهم بمهمة التشريع.
الحكومة: إنها الهيئة المعنية بتطبيق برنامج الدولة والمكلفة بالسهر على تطبيق قوانين المجلس وكانت الحكومة، تتشكل من الوظائف التالية:
خليفة الأمير
وزير المالية
وزير الخارجية
وزير الحرب
وزير الداخلية
وزير العدلية
وزير الأملاك
مفتش البحرية
قاضي القضاة
القابض
ناظر الأحباس
المتصرف
المسؤول على مالية الجيش
قائد المشور
رئيس أمن الأمير

وإلى جانب الوزراء وكبار موظفي الدولة ممن عرضنا لوظائفهم سابقا، كان ابن عبد الكريم محاطا بمجموعة من المستشارين، فحتى وإن كان دور كبار موظفي الدولة غير محدد بوضوح مثلما يذهب إلى ذلك هارت (380: 1976Hart,)، فمن البين أيضا أنهم كانوا يحظون بالكثير من التقدير، فالحكومة الأولى تحت ابن عبد الكريم، كانت تتكون من رجال أكفاء كل في مجال تخصصه، أخذوا على عاتقهم مسؤولية وضع البنيات والأسس الأولى لقيام دولة عصرية تكون جبهتها الداخلية قوية وموحدة حتى يتسنى لها مواجهة العدو. ومثل هذه الحكومة كانت تتشكل على النمط التالي (انظر اليوسفي (93:1976)):
امحمد الخطابي (اخ ابن عبد الكريم): الممثل العام الأمير
أزراقان : وزير الخارجية
أحمد بودراع: وزير الحرب
القايد اليزيد: وزير الداخلية
عبد السلام الخطابي: وزير المالية
لفقيه الزرهوني: وزير العدل
 

ومن غير شك، يمثل الجيش عنصرا بالغ الاهمية في كل عملية لبناء دولة حديثة، إذ هو ضامن استمرارية المؤسسات والساهر على احترام الدستور وتطبيق القوانين، فمن موقع إيمانه بأن “الحركة” مهما بلغت كفاءتها في بعض الأحيان، تظل مع ذلك عاجزة عن الاضطلاع بمهمة حرب حديثة وطويلة الأمد. عمد ابن عبد الكريم منذ البدء إلى خلق جيش نظامي محترف، وأوكل بمهمة تنظيمه إلى مجموعة من الخبراء الريفيين والأجانب من ضمنهم على الخصوص الألمان والإسبان.

إن هذا الجيش الذي يطلق عليه اليوسفي (96:1976) اسم الجيش الشعبي، كان يتكون من الريفيين الذين يتم تجنيدهم في أسواق مختلف القبائل.

كان يجري تجنيد نصف الساكنة من الذكور البالغين ما بين 16 و 50 سنة في كل قبيلة لمدة أسبوعين في المعدل، وهكذا كان نصف الشعب يشتغل في الوقت الذي كان فيه النصف الآخر يقود الحرب. كانت الفيالق المجندة تلتحق بالرباط (المخيم) حيث يجري تدريبها وتسليحها. اما تنظيم الجيش الشعبي فقد كان يخضع للتراتبية التالية : قائد لكل 1000 نفر، وقائد 500، وقائد 25، وقائد 12.

إن تنظيم جيش ابن عبد الكريم كان إذن على النمط الأوروبي، إذ كانت القوات ترتدي زيا عسكريا تزينه شارات تحدد لكل محارب صفه في التراتبية العسكرية، وهكذا، كان العقيد مثلا يضع عمامة حمراء تتخللها ثلاث خطوط إن كان قائد طابور وخطان إن كان قائد 100، وخط واحد إن كان قائد 50، ونصف خط لقائد 25. ولا خط إن كان قائد 12 رجلا. أما الجنود العاديون فكانوا يضعون عمامات خضراء بينما كان الجنود المسلحون بالرشاشات يحملون عمامات سوداء، (انظر بنيل، 131: 1986 ،Pennel ).

وتجدر الإشارة هنا إلى أن أهم ما يميز هذا الجيش، بل و يجعل منه بالتحديد جيشا حديثا هو انضباطه وطاعته لأوامر رؤسائه داخل التراتبية العسكرية، وهذا أمر نادر ما عرفته جيوش السلطان ومختلف حركاته.

إلى جانب الحكومة والجيش، كانت جمهورية الريف الفتية تمتلك راية حمراء تتوسطها شارة بيضاء تحمل نجمة سداسية وهلال (بنيل، 133:1986 Pennel) بخصوص هذا الموضوع، يرى اليوسفي (97:1976) بأن اللون الأحمر هنا يشير إلى انغراس الريف داخل الأمة المغربية والتي يتقاسم معها حمرة الراية. أما الهلال فهو برأي قدماء المحاربين في كزناية، يمثل الريف لدار الإسلام وارتباط الريفيين بالجهاد ضد الغزاة الأوربيين.
 

الإدارة الترابية:

إدراكا منه بأن قيام أي نظام سياسي يستلزم انغراسه الإداري طول المجال الترابي، عمل ابن عبد الكريم على تثبيت سلطته في مجموع بلاد الريف، معتمدا في ذلك على خبرة رجاله وحسهم التكتيكي الدقيق، وهكذا، بدأ يهيب بمختلف رؤساء القبائل و يدعوهم إلى مبايعته، فمن استجاب لأمره عينه قائدا بمقتضى ظهير، أما من عارض سلطته فقد عزله في البداية وانتهى في الأخير إلى سجنه وحبسه .

وبينما كان ابن عبد الكريم يسبح بالحداثة على المستوى الوطني، فإنه على المستوى المحلي لم يجرؤ على ملامسة البنيات التقليدية، وهذا ما يذهب إليه اوتسكاي (18:1960 Outskai ) لأسباب مغايرة:

” لئن كان تنظيم السلطة المركزية للجمهورية قد تم وفق صيغة غير معروفة آنئذ بالريف، فإن السلطات المحلية قد بقيت كما هي، ذلك أن تفجير الحرب ضد إسبانيا في البداية ثم ضد فرنسا في وقت لاحق، ما كان ليسمح بخلق تحولات عميقة قد تفضي إلى تغيير البنية القبلية”.



تماشيا مع هذا المنطق ، كانت أسماء الإدارات هي نفس الأسماء التي يتبعها المخزن السلطاني منذ أمد بعيد، فقد سمي رؤساء القبائل قواد (مفرد قائد)، وعين زعماء العشائر شيوخا (مفرد شيخ)، وعهد لكل بالمسؤولية الكاملة لمجال اختصاصه.

ولمعرفته الأكيدة بالمزاج الريفي، ذاك الذي يجعل من تقلب ولاءات القبائل والعشائر أمرا واردا في كل آن وحين، قرر ابن عبد الكريم خلق مراكز للمراقبة العسكرية (محكمات) ترتبط ببعضها البعض في شكل حلقي وصولا إلى مقر الإدارة العسكرية العامة في آيت قامرا فوق تراب بني ورياغل، كانت هناك آنئذ محكمتان كبيرتان، الأولى في المزمة والثانية، أقشاب امغار، على أراضي تمسمان تتحدد مهمتها في الدفاع عن الجبهة الشرقية.

كانت كل محكمة تقع تحت سلطة الباشا أو القائد العسكري الذي يعينه الأمير شخصيا، وكل محكمة تتحكم في سير مجموعة من المحكمات الصغيرة التي تدور في فلكها.

ولكي يضمن شروط اشتغال أفضل لهذا التنظيم الإداري، بادر ابن عبد الكريم إلى شق الطرق وربط القبائل بعضها ببعض، في البداية، كانت لعملية بناء الطرق هذه تأثيرات نفسية بالغة على القبائل، لكنها أيقنت أن تمردها قد يجر عليها وابل رصاص جيش الأمير فاستسلمت ورضخت لسلطته، غير أن ما تجدر الإشارة إليه هو أن بناء هذه الطرق كان لها جملة من الإيجابيات لعل أبسطها هي أنها قد سمحت بفك العزلة عن مجموعة من القبائل والمناطق التي ظلت محاصرة ومعزولة.
 لقد كان إدخال الهاتف واحدا من أهم المستجدات وأكبرها في تسهيل الإدارة الترابية، إذ كانت خطوط الهاتف تربط أجدير بمختلف مراكز القيادة في الريف وبلاد جبالة، في هذا السياق، يشدد بنيل،(141: 1986، Pennel) على أهمية الهاتف عند ابن عبد الكريم في عملية إدارته المباشرة للتراب قائلا:
” إن المراقبة التي كان يوفرها التلفون لموظفي ابن عبد الكريم كانت تكتسي أهمية بالغة، فكلما كانت السلطة الريفية تمتد نحو مناطق جديدة، كانت خطوط الهاتف سرعان ما تتبعها، فلم تكن (هذه الخطوط) بنظر الأهالي تمثل فقط وسائل لضمان استمرارية حكم ابن عبد الكريم، بل كانت تمثل أيضا رمزا لسلطته، وفي سنة 1924 حين تمردت قبيلة غمارة، هب المتمردون مسرعين إلى قطع خيوط الهاتف المؤدية إلى داخل الريف.”


لقد سمح الهاتف بقيام بيروقراطية بالغة التعقيد يتواجد مركزها العصبي في أجدير عاصمة ابن عبد الكريم، وكانت مهمة هذا الجهاز البيروقراطي تتمثل أساسا في تركيز السلطة بين يدي الزعيم.

غير أن أهم الأسباب التي سنحت للأمير بإدخال تنظيم إداري فعال للتراب تظل من غير شك هي جملة الإصلاحات التي أدرجها، والتي نذكر منها :
حظر النزاعات القبلية والحروب الدموية،
الاعتراض على استخدام اللفوف،
استبدال الأحكام العرفية (ازرف) بحكم الشريعة.

ويرى هارت (389: 1976، Hart) بأن الإصلاحات التي أدخلها ابن عبد الكريم لا يمكن حصرها في تلك التي أشرنا إليها، بل إنها في الحقيقة تمس وتمتد إلى مجموع مؤسسات المجتمع الريفي، ولا غرو فقد أفتى الأمير بإلزامية أداء الصلاة خمس مرات في اليوم، وأمر بتقليص مدة الاحتفال بالزواج من سبعة إلى ثلاثة أيام، ومنع تناول الكيف إلخ..

أما بنيل (141،1986 Pennel,) فيرى بأن فرض الشريعة لم يكتف فحسب بإعطاء مزيد من العمق للشرعية السياسية للنظام، بل وساهم أيضا في تقوية النظام الاجتماعي وترسيخ سلطة الأمير ولا غرابة، فلكي يكون بمقدور ابن عبد الكريم أن يخوض حربه التحريرية في أحن الظروف، كأن من اللازم عليه أن يترك من ورائه جبهة داخلية قوية ومتحدة، وما كان لهذا الأمر أن يتأتى إلا بوضع حد لجو الفوضى والنزاعات التي ميزت حقبة الريفوبليك.

لهذا المبتغى، عمل على منع كل الممارسات التي اعتبرها قبلية، دونما أن يمس مع ذلك بمؤسسة القبيلة، بل عمد على العكس من ذلك إلى إدراجها ضمن نظامه الاجتماعي الجديد القائم أساسا على حكم الشريعة الإسلامية.
 

خلاصات

يعتبر ابن عبد الكريم الخطابي واحدا من القادة العسكريين والزعماء السياسيين القلائل في العالم الثالث، من أثاروا فيما مضى ومازالوا يثيرون لحدود الآن الكثير من التعاطف والتقدير في العالم أجمع، خصوصا عند أولئك الذين صارعهم بشراسة، الإسبان والفرنسيون.

إن أسباب هذا الاهتمام بشخصية ابن عبد الكريم متعددة ومتنوعة، لكن مردها يعود أساسا إلى :
الحس التنظيمي الحديث للحقل السياسي:

فقد استفاد ابن عبد الكريم كثيرا من تجربته السياسية داخل الإدارة الإسبانية، ومكنه من مراكمة خبرة فيها برهن من خلالها للقوى الاستعمارية بأن ما كانوا ينعتون ازدراء بالأهالي، قادرين على وضع أسس وبنيات سياسية فعالة لا تقل قوة مثيلاتها الغربيات، واثبت أنها قادرة على الاشتغال حتى في اللحظات الأكثر صعوبة وقسوة (خلال حربه ضد قوتين استعماريتين شرستين: اسبانيا و فرنسا)، لهذا مع العلم ان البنيات المذكورة قد جاءت لتحل محل نظام قبلي موغل في القدم لم تفلح في تغييره أي سلالة مغربية منذ مجيء الإسلام.
وضع بنيات سياسية حديثة :

لقد أولى ابن عبد الكريم ما يلزم من حزم وصرامة لإدخال تعديلات وإصلاحات على النظام السياسي في الريف، من خلال وضع الأسس لبنيات ثابتة وقارة تقوم أساسا على مفاهيم الديمقراطية والتمثيلية والمسؤولية والعدل، صحيح أن مشروعه السياسي الإصلاحي قد اصطدم في البداية مع جملة من المشاكل الجديدة الناجمة عن العناد الذي يميز العقلية القبلية الريفية، لكن حسه القيادي هدأ من روع الخصوم وأفلح حسه التنظيمي في إقناع المناوئين حتى ينضموا إلى قضيته.
الحداثة والتقليد:

على عكس ليوطي Lyautey، المقيم العام الأول للحماية الفرنسية بالمغرب، الذي عمل على خلق نظام سياسي أوروبي موازي للمخزن في محاولة توفيقه بين عنصري الحداثة والتقليد، استطاع ابن عبد الكريم أن يجمع بين الإثنين بكل مهارة وإتقان، فحتى وهو يضع أسس النظام السياسي الحديث، كان يثبت السلطة التقليدية للزعماء القبليين، بل خلق جيشا نظاميا وحديثا ما كان له أن يغفل دور الحركة في الاضطلاع بمهام عسكرية خاصة، هو ما جعل الجميع يجد لنفسه موطئ قدم ضمن هذا النظام السياسي.
الزعامة:

بدءا من رؤيته السياسية، مرورا بإنجازاته العسكرية وانفتاحه على العالم، وحسه الدقيق في تحديد الأولويات، …. كل هذه المزايا القيادية جعلت من ابن عبد الكريم زعيما سياسيا منقطع النظير، أو لم يكن هو من فجر حركة تصفية الاستعمار في العالم حتى أنه بات مصدرا استلهام للعديد من القادة العسكريين والسياسيين في العالم الثالث؟
الإصلاحات

لقد كان ابن عبد الكريم بالتأكيد رجلا إصلاحيا من الطراز الرفيع فقد سمحت رؤيته السياسية وفكره الثاقب بإدخال جملة من الإصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الكبرى استطاعت أن تضع، لفترة من الزمن، بلدا كالمغرب على طريق التنمية والتقدم، فهذه الإصلاحات قد وضعت حدا لمجموعة من الممارسات المشينة مثل الصراعات القبلية وديون الدم كما حدت من أساليب التبذير مثل تلك التي تتعلق باحتفالات الزواج التي كانت تمتد أحيانا إلى عدة أسابيع.