بقلم : عبد الإله بسكمار
ليست شوفينية ولا نظرة ضيقة للأمور ولأحداث التاريخ، وليست
إضرابا متعمدا عن باقي مناطق وجهات وقبائل الوطن وتجمعاته والتي ساهمت
جميعها في الكفاح الوطني ضد الاستعمار الفرنسي والإسباني والدولي، ولكن لا
بد في سياق الأحداث الراهنة التي يشهدها المغرب أن نلجأ للتاريخ بين الفينة
والأخرى، بمحطاته الدامية، بفترات استقراره وإشعاعه وحتى بأكاذيبه وأوهامه
أحيانا فالأخطاء جزء من المعرفة بما هي تصحيح لها.
وهناك مناطق عديدة في
وطننا المغربي لم تنل حظها ولو نسبيا في مجال الأحداث الوطنية الكبرى ومنها
قبيلة كزناية المجاهدة والتي تقع شمال إقليم تازة في قلب الريف الأشم ومن
مراكزهاالحضرية: أكنول - تيزي وسلي - أحد جبارنة - بورد وعدد كبير من
الدواوير والمداشر المنبثة هنا وهناك حول الجبال والتلال ومساقط المياه،
كاولاد زيان- اولاد طيار- أهل أزرو – اولاد حدو- عين الحمرا – اولاد مغارة-
بوحازم – اولاد سيدي عيسى – العرقوب – تاغيلاست، ويعتمد أهل المنطقة
بالأساس على موارد العمالة المغربية المهاجرة وأنشطة اقتصادية أخرى غير
منظمة ولامقننة، إضافة إلى فلاحة معاشية وبعض الأشجارالمثمرة كالزيتون
واللوز الذي تشتهر به دائرة أكنول على المستوى الوطني.
نبغ من هذه القبيلة العديد من الرجال والعلماء والفضلاء
والمجاهدين والمجاهدات الكزنايين نذكر على سبيل المثال لا الحصر: الشاعر
الطبيب أبا العباس احمد بن شعيب الجزنائي التازي في العصر المريني المتوفى
سنة 749 هحرية ( كان طبيبا وكاتبا لدى السلطان أبي سعيد المريني بفاس )
وقد ترجم له إخباريو الفترة كإسماعيل بن الأحمر وابن الخطيب ومن المحدثين
ترجم له عبد الله كنون، وهناك أيضا سميه عمربن عبد الرحمان الجزنائي صاحب
كتاب "زهرة الآس في بناء مدينة فاس " وعلي الجزنائي وفي العصر الحديث هناك
العديد من الأعلام المنتمين لهذه القبيلة المجاهدة نذكر على سبيل الأمثلة
لا الحصر: الفقيه عبد السلام العرقوبي - المجاهد الشيخ الحسن بن حموش
الزكريتي وأبناؤه الأشاوس وخاصة عبد الله وعبدالسلام - المجاهد عبد القادر
اشطاطو الجزنائي - الفقيه عمر أبرقي - المجاهد البطل قائد الهجوم على بورد
في 02 أكتوبر1955الفقيه الحاج عبد العزيز أقضاض الدوائري - عبد السلام
أقضاض وعلي بوطاهر اٌقضاض والغابوشي ( أو الغربوشي) العجوري التاغلاستي
والمجاهدة الشهيدة تيوي فاطمة بنت احمد ( كانت تخفف آلام جرحى جيش التحرير
وتهيء الطعام للمجاهدين واستشهدت تحت قصف الطائرات الفرنسية في 12 أكتوبر
1955) ) والمجاهد ادريس والعوش ومنهم الكاتب المحقق محمد بن عمرالعزوزي
الجزنائي والكاتب الروائي الأخ الفاضل عمر الصديقي وغيرهم كثير.
كانت قبيلة كزناية من التجمعات التي أيدت حركة الجيلالي بن
ادريس اليوسفي الزرهوني ( بوحمارة في الكتابة التاريخية الرسمية ) على أساس
الجهاد وطرد الأجانب من المنطقة، لكن حينما بدأ الروغي يتفاوض مع الإسبان
حول مناجم الريف اعتبارا من سنة 1906حلت القبيلة كسائر قبائل منطقة تازة كل
ماربطها بهذا الفتان الذي ادعى أنه الإبن الاكبر للمولى الحسن ( الأول )
أي مولاي امحمد وبالتالي عد من بين المطالبين بالعرش خلال هذه الفترة
الكالحة من تاريخ المغرب .
انخرطت قبيلة كزناية في حرب التحرير الشعبية التي قادتها أسرة الخطابي في الريف المجاهد وتحت لوائها ولواء قائدها محمد بن عبد الكريم الخطابي ومعه كل قبائل الريف وخاصة بعد معركة أنوال المجيدة في 20 يوليوز 1921( أظهار أبران بأمازيغية المنطقة ) التي تعرض فيها الجيش الإسباني الاستعماري لهزيمة تاريخية مذلة أدت إلى مقتل وجرح وأسرأزيد من عشرة آلاف جندي وضابط إسباني وانتحار قائد جيشهم الجنرال المتنطع المغرور سيلفيستر .
قاومت قبيلة جزناية التغلغل الاستعماري الفرنسي والإسباني
معا وهذا شيء فريد لم يسبق له مثيل في التاريخ، اللهم إذ استثنينا ملحمة
شيخ المجاهدين الريفيين المغاربة محمد بن عبد الكريم الخطابي ، ولو توقف
التاريخ ليسجل الملاحم لأعياه التسجيل والتدوين، فقد شاركت قبيلة جزناية في
حرب التحرير الريفية المغربية كما شاركت قبائل أخرى من جهات مغربية متعددة
( نشير فقط إلى مشاركة الزعيم الصحراوي المجاهد محمد بلمامون الشنجيطي في
معركتي انوال وجبل العروي ولقائه بالزعيم الخطابي عند هذا الجبل ) مثلما
ساهمت باقي قبائل منطقة تازة في المقاومة الريفية كالتسول والبرانس ومطالسة
واستمرار مقاومة قبائل بني وراين إلى الجنوب (ما سماه الفرنسيون La tache
de Taza بقعة تازة ) وحتى نهاية سنة 1926 أي عبر قمم الأطلس المتوسط
الشمالي على سبيل المثال لا الحصر .
سجلت قبيلة جزناية عبر أراضيها ورجالها ملاحم وانتصارات ضد الفرنسيين وعبر الريف وتلال مقدمة الريف وحتى حوض مسون في الفترة الفاصلة بين هجوم المجاهدين الريفيين نحو الجنوب ( أبريل 1925 ) حيث تم فتح عدة جبهات ضد الاستعمار الفرنسي ومن المواقع الهامة التي تكبد فيها الفرنسيون خسائر جسيمة : البيبان وباب المروج بالبرانس وسلاس وبولجراف، وأطبقت قوات الريف على مدينة تازة ( وهنا يشير بعضهم إلى استخدام الأسلحة السامة ) حيث بدات فرنسا تجلي مستوطنيها من المدينة ، ولم تعد تفصل المقاومة الريفية عن فاس إلا مسافة 25 كيلومترا، فاضطرت فرنسا أمام هذا الوضع الخطيرإلى حشد أزيد من 250 ألف جندي وضابط فرنسي واللفيف الأجنبي والمجندين المغاربة ( ضد إخوانهم للأسف الشديد )إضافة إلى 150 ألف من الجنود والضباط الإسبان في الجبهة الشمالية، كما استعانت فرنسا ببعض القواد والأعيان الخونة امثال القايد المذبوح (والدالجنرال المذبوح قائد محالة انقلاب الصخيرات إلى جانب الكولونيل اعبابو ) والقايد عمار داحميدو، وكان الأول هو المسؤول عن فتح ثغرة أما القوات الفرنسية في منطقة دار المذبوح فذبحه الريفيون جراء خيانته حسب بعض الروايات، ومن ثمة سمي بالمذبوح وهو أيضا ينتمي لقبيلة كزناية لكن المقصود هو الفرع الخائن، وهذه أصبحت من بديهيات الحروب عموما، فهناك المناضلون والمجاهدون المخلصون وهناك في المقابل الخونة عبركل زمان ومكان، ونذكر هنا كنموذج هزيمة القايد عمار داحميدوأمام المقاومة عند محاولته استرجاع تيزي وسلي يوم 31 أكتوبر 1925 وأعقب المجاهدون الجزنائيون هذا النصربهجوم مضاد كاسح يوم 17 نونبر طاردوا خلاله فلول الجيوش الاستعمارية حتى مشارف تازة، طبعا بقية أحداث تلك الفترة باتت معروفة من هجوم كاسح لقوات الاستعمارين الفرنسي ( من الجنوب ) والاسباني من الشمال جبهة الحسيمة وقاسيطة ثم ميضار )....انتهاء باستسلام قائد الثورة الريفية في 25 ماي 1926ونقله إلى تازة وفاس ثم الدار البيضاء فجزيرة لا رينيون .
اما الثورة التي اندلعت بعد نفي المغفور له محمد الخامس وانطلاق عمليات الفداء في المدن بعد البوادر الكبرى لتراجع المد الاستعماري كهزيمة فرنسا أمام ألمانيا ومذلتها المهينة في معركة ديان بيان فو في ماي 1954، فقد شاركت فيها قبيلة كزناية وعلى نحو طلائعي وميداني بالدرجة الأولى ( وبتنسيق شيوخها وقادتها مع كل من عبد الناصر وعبد الكريم الخطابي وقيل أيضا مع جبهة التحرير الجزائرية مما أدى إلى أشكال من الاتباس وسوء الفهم والتفاهم بين هذا الطرف أو ذاك كان من ضحاياه المرحوم عباس المسعدي ) وقد لا تسعف هذه السطور في رصد الملحمة منذ بدايتها في 02 أكتوبر 1955 وحتى عودة محمد الخامس في 17 نونبر 1955 وندائه من أجل إيقاف إطلاق النار، ولذلك سنعود لها لاحقا بحول الله، وتبقى من أبرز محطاتها معارك بورد ( مقتل أربعة جنود وأسر آخرين وغنم 92 بندقية مع إحراق مقر الحاكم العسكري ) معركة بين الصفوف ( اعتراف فرنسا بمقتل 50 من حنودها وضباطها ) اجدير – تيزي ودرن –تيزي أنتلايدا –بوزينب – تالتونشت نجم هعنها استشهاد عشرات المجاهدين ومقتل وجرح المئات من الجنود والمجندين ...لتجد القبيلة نفسها ومعها إقليم تازة عرضة للنسيان والإهمال والفساد السياسي والإداري حتى السنوات الأخيرة وكنموذج فالكثيرون يعلقون آمالا حول مشروع الطريق السريع تازة - الحسيمة لفك العزلة وتحريك التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالمنطقة.