الأحد، 11 فبراير 2018

اَزْرُو نْثْسْرِيثْ ، أو أسطورة العروس .. بقلم : ادريس احمادوش


بقلم  ادريس احمادوش

حكت لي جدتي ذات مرة عن ماض عريق دفنه الأجداد ولم يسأل عنه أو نسيه أو تناساه الأحفاد ..! لكن اليوم سننبش معا ذلك المدفون .. 

وندونه في الأرصاد قالت كان هناك في قديم الزمان بدوار تامجونت بقريتنا بورد، حسب حكاية أجدادنا، شاب وسيم ينحدر من عائلة محترمة وأصول أمازيغية .

قد صار في أعين والديه شابا يافعا ناضجا، لاتنقصه سوى زوجة ليؤسس معها أسرة صغيرة وبعد تفكير في الأمر قرر والداه أن يزوجاه بشرط أن تكون الفتاة من منطقتهم! ولم يبق له سوى أمر واحد وهو أن يختار هو من يرغب فيها عروسة له .. إلا أن الشاب لم يكن متحمسا لهذه الفكرة كثيرا وفي يوم من الأيام، ذهب بحصانه إلى نبع ينضح بماء عذب يسمى بـ ” عين الأربعاء ” ( ” ثَارَا نْجابْعْ ” أو ثَارَا نْرابْعْ ” بلهجتنا الريفية .

ولا زال هذا النبع جاريا إلى يومنا هذا ! ) حيث اعتاد أن يأتي بحصانه ليشرب منه . وكالعادة خلص الشاب حصانه من لجامه ليتسنى له الشرب فراح هذا الأخير ينهل من ماء العين لكن سرعان ما انتبه الشاب إلى أن حصانه قد توقف عن الشرب وشرع في الشخير والنخير والكرير وخبط الأرض بحوافره وهو ينظر إلى صاحبه ويحرك رأسه بتوتر شديد وبصهيله المتقطع والمتحشرج كان يبدو وكأنه يستعطفه ويطلب مساعدته . فأسرع الشاب إلى تفقد الأمر حيث فتح فم الحصان فتبين من أن هناك شعر عالق بلسانه حيث التف حوله مما أزعج هذا الحصان المسكين وعرقل عملية شربه .

فقام بسله وفكه بحرص وهدوء .. فإذا هو شعر أسود لامرأة لم يسبق له أن رأى شعرا أنثويا بجماله وطوله من قبل ..!!! وفي تلك اللحظة بالذات خطر بباله أمر زواجه فأخذ يتساءل من قد تكون صاحبة ذلك الشعر ..! فمن يدري ؟! لعل حصانه قد دله على عروسته ..!! ودون إطالة تفكير ، أقسم أنه لن يتزوج سوى صاحبة الشعر الطويل حتى وإن كانت أخته ..!!!!!!!

ثم عاد على وجه السرعة إلى بيته ليطلع ذويه على الأمر الذي أيده البعض واستغربه البعض الآخر . أما والده فكان يرى أن الأهم هو كيف يمكنهم العثور على صاحبة الشعر ! فأكد الشاب أن السبيل إلى ذلك هو قياس طول شعر كل فتيات المنطقة بدون استثناء .. ومن كان شعرها بطول الشعر الذي عثر عليه في النبع فتلك هي من ستكون زوجته وما كان من أبويه إلا أن وافقا على طلبه الغريب على الفور وأعطيا الأمر ببدء البحث عن هذه الفتاة المغمورة التي غسلت شعرها في ” عين الأربعاء ” ! . 


فهما لا تهمهما طريقة البحث عن الفتاة بقدر ما يهمهما العثور عليها ! انتشر الخبر بسرعة في المنطقة كلها ثم راحت الفتيات تتسابقن في تهيئ أنفسهن بدهن ومشط شعرهن لتطويله أملا في الظفر بالشاب الوسيم الذي تتمنى كل واحدة منهن أن يكون من نصيبها حتى وإن كانت لم تذهب لتلك العين قط !! وبدأ المكلفون بأمر البحث بإخضاع كل الفتيات لعملية القياس المعلومة .

دام البحث أياما إلا أنه لم يسفر عن أية نتيجة فرغم تفقد بيوت المنطقة بالكامل ، لم يعثر على أي أثر للفتاة المبحوث عنها .. ولم يبق سوى بيت واحد لم يخضع للبحث ..!! إنه البيت الذي يعيش فيه الشاب مع أسرته ..!!!!! ولم يجرأ أحد على ذكر ذلك لأهل الشاب لتفادي مصيبة وشيكة .


لكن الشاب ، بعد أخذ ورد ، حسم الأمر بكونه عازم على ألا يحنث قسمه فطلب منهم القيام بفحص شعر من يوجد من الإناث في بيت أهله ..!!! فتم ذلك على مرآى الجميع .. فتعرفوا أخيرا عن الفتاة المغمورة فكانت الصاعقة ..! إنها أخته .. الفتاة الجميلة الطويلة الشعر فالشعر شعرها لونا وطولا وجمالا ..! كانت تعرف منذ البداية أنها هي من يرغبها شقيقها شريكة لحياته دون أن يعلم أنها صاحبة الشعر المجهولة ..!! لأنها تعلم أنها هي من قصدت العين في ذلك اليوم لغسل شعرها الغزير الطويل ولم تنتبه لما تساقط من شعرها في الماء كي تقوم بجمعه ودسه بعيداعن أنظار الوافدين على العين .

ثم كيف لها أن تعرف بأن الصدفة ستقود شقيقها في اليوم نفسه إلى تلك العين ويقرر ما قرره ..؟!!! فلزمت الصمت حتى لا يفتضح أمرها فيعجل هذا الشاب بتنفيذ قراره ..!! أما وقد صار لدى الجميع معروفا أنها العروس المفترضة لشقيقها ، فقد أصبح ذلك موضوع رفضها ورفض أبناء القرية واستنكارهم لما فيه من تعارض مع الأعراف والتقاليد وكل الأديان وموضوع صراع مع الشاب الذي يصر على الوفاء بالوعد الذي قطعه على نفسه واحترام قسمه والذي انتهى به الأمر إلى فرض وجوده وجعل أهله يذعنون لرأيه رغبته. وفي جو يتأرجح بين كونه مدعاة للحزن و للفرح قاموا بإقامة العرس على ما جرت عليه العادات والتقاليد فجرى الحفل بشكل عادي بكل طقوسه ..!

ولما جاء يوم اختتام الحفل الذي تُزَفُّ فيه العروس إلى العريس وهي تعتلي ظهر حصانه في موكب من الأهازيج والزغاريد تم تحضير وتزيين العروس لكن ما أن حمل العريس عروسه ووضعها وثبتها على سرج الحصان ، كما يُمْليه التقليد المتداول عندنا منذ القدم ، حتى حدثت المعجزة التي لم تكن في الحسبان أو ربما تمناها الكثير بما فيهم العروس إذ رفعتها قوة خارقة من على مطيتها إلى الأعلى في الهواء قبل أن تطير بسرعة البرق أمام ذهول الجميع في اتجاه الصخرة العظيمة وتقسم الصخرة إلى شطرين ثم تختفي بشكل غريب ..!!!! .. وكأن الحدث غضب إلهي جاء يؤكد استحالة إتمام هذه الزيجة ..!!