يواجه الريف، مجموعة من المشاكل الهيكلية العميقة، والتي أدت إلى هجرة كبيرة وتدهور في الوضع الاقتصادي والاجتماعي.
أهم هذه المشاكل هي:
* نزيف الرأسمال البشري: هجرة الشباب المتعلمين والمنتجين أدت إلى فقدان المنطقة لأهم ثرواتها.
* تراجع قيمة العمل والإنتاج: أصبح العمل الإنتاجي (الزراعة والحرف) أقل جاذبية مقارنةً بفرص الهجرة، مما أدى إلى تدهور الأنشطة الاقتصادية التقليدية.
* عدم فعالية الهجرة في تحقيق التنمية: لم تساهم تحويلات المهاجرين في إحداث دينامية اقتصادية مستدامة، بل انحصرت آثارها في قطاع العقار والاستهلاك.
* انقطاع الأجيال: تضاءل ارتباط الأجيال الجديدة من المهاجرين بالوطن الأم، مما يقلل من احتمالية مساهمتهم في تنميته.
حلول عملية للمشاكل لا يمكن حل هذه المشاكل بالتركيز على المهاجرين أو تحويلاتهم، بل يجب أن تنبع الحلول من الداخل، بالتركيز على إحياء المنطقة نفسها وخلق بيئة جاذبة للاستثمار والعيش.
1. تحفيز الاستثمار الإنتاجي
* إنشاء صناديق استثمار محلية:
يمكن إنشاء صناديق استثمارية صغيرة، بالشراكة بين الدولة والقطاع الخاص، لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة في قطاعات حيوية مثل الزراعة البيولوجية، الصناعات الغذائية التحويلية، والسياحة البيئية. هذا النموذج يضمن أن الأموال تستثمر في مشاريع تخلق فرص عمل وقيمة مضافة حقيقية.
* تقديم حوافز ضريبية وجمركية:
يجب أن تُقدم حوافز للشركات التي تستثمر في الريف وتوظف العمالة المحلية، مما يشجع على نقل الأنشطة الاقتصادية إلى المنطقة.
* تسهيل الوصول إلى التمويل:
يجب تبسيط إجراءات القروض البنكية للشباب والمقاولين الصغار، مع ضمان وجود آليات دعم فني لمساعدتهم على إنجاح مشاريعهم.
2. تطوير الرأسمال البشري
* توجيه التعليم نحو المهارات المطلوبة:
يجب أن تركز برامج التكوين المهني في الريف على المهارات التي تخدم اقتصاد المنطقة، مثل التقنيات الزراعية الحديثة، التسويق الرقمي، وإدارة المشاريع السياحية.
* ربط الشباب بالفرص المحلية:
يمكن إنشاء منصات إلكترونية أو مراكز محلية تربط الشباب المتخرجين بالشركات والمشاريع الموجودة في المنطقة، مما يقلل من شعورهم باليأس ويدفعهم للبحث عن فرص عمل محلية بدل الهجرة.
* تشجيع ريادة الأعمال:
إطلاق برامج لدعم المشاريع الناشئة (startups)، بالتركيز على الابتكار في القطاعات التقليدية، مثل استخدام التكنولوجيا لتحسين الإنتاج الزراعي أو تسويق المنتجات الحرفية.
3. إحياء قيمة العمل والإنتاج
* حملات توعية لتعزيز ثقافة العمل:
يجب أن تسلط الضوء على قصص نجاح الأفراد الذين حققوا استقلالية مالية ونجاحاً في مشاريعهم الخاصة داخل الريف، مما يعيد للشباب الثقة في إمكانية تحقيق الذات دون الحاجة للهجرة.
* دعم المنتجات المحلية:
إنشاء علامات تجارية محلية للمنتجات الريفية (مثل زيت الزيتون، العسل، المنتجات الحرفية) وربطها بالأسواق الوطنية والدولية. يمكن للمهرجانات والمعارض المحلية أن تلعب دوراً كبيراً في الترويج لهذه المنتجات.
* إعادة تأهيل الأراضي الزراعية:
دعم المزارعين الصغار بالمواد (بذور، أسمدة) والخبرة الفنية لاستعادة الأراضي المتدهورة وتحويلها إلى أراضٍ منتجة، على غرار ما كان يفعله الفلاح الريفي.
4. إشراك الجالية المغربية في الخارج (بشكل مختلف)
* استهداف الاستثمار بدلاً من التحويلات:
بدلاً من انتظار تحويلات فردية، يمكن تشجيع المغاربة المقيمين بالخارج على الاستثمار الجماعي في مشاريع كبرى في الريف، مثل إنشاء مصانع صغيرة أو فنادق.
* الاستفادة من الخبرة المهنية:
يمكن إنشاء منصة تتيح للمغتربين تبادل خبراتهم المهنية مع نظرائهم في الريف، سواء عبر mentorships أو ورش عمل عن بعد، مما يساهم في نقل المعرفة دون الحاجة للعودة الدائمة.
باختصار، الحلول تكمن في إعادة الاعتبار للعمل المنتج، تحفيز الاستثمار الهادف، وتطوير الرأسمال البشري في المنطقة، مما يجعلها قادرة على مواجهة تحديات الهجرة والتهميش، وتخلق مستقبلاً أفضل لأبنائها على أرضها.