الأحد، 16 مارس 2025

السدود الصغيرة ..حل مستدام، إنعاش الزراعة المعيشية، وتعزيز التنمية في دائرة أكنول .. بقلم : ناجية روجي



بقلم : ناجية روجي

تُعد دائرة أكنول من المناطق المتميزة في المملكة، إذ تنبع منها مياه ثلاثة من أكبر الأحواض المائية: ملوية، سبو، والأحواض المتوسطية. 

ورغم هذا الغنى المائي، تعاني المنطقة من نقص حاد في الموارد المائية، خاصة مياه الشرب ومياه الري، بسبب موجات الجفاف المتتالية. وعلى الرغم من مساهمتها في تغذية العديد من السدود الكبرى التي تزود المدن والمناطق الفلاحية التابعة لهذه الأحواض، فإن سكان دائرة أكنول أنفسهم يواجهون تحديات كبيرة في الحصول على المياه.

تعتبر الحلول البنيوية لتثمين مياه الامطار عامة وإنشاء سدود صغيرة في دائرة أكنول خاصة، حلولا استراتيجية لابد منها لضمان توزيع أكثر عدالة للموارد المائية وتحقيق التنمية المستدامة. وبفضل "حق المنبع (Droit d’eau à l’amont)"، الذي يمنح الأولوية للمناطق التي تنبع منها المياه للاستفادة منها، يمكن لهذه السدود أن تلعب دورًا محوريًا في توجيه الموارد المائية نحو المناطق التي تحتاجها. إضافة إلى ذلك، فإن هذه السدود، التي تتناسب مع طبيعة المنطقة الجبلية، ستسهم في تخزين مياه الأمطار والسيول وتوجيهها نحو الأراضي الزراعية والتجمعات السكنية، مما يحد من تأثير فترات الجفاف الطويلة.

سيؤدي بناء هذه السدود إلى تحسين إمكانية إيصال المياه إلى مختلف أنحاء دائرة أكنول عبر مشاريع مهيكلة بتكاليف أقل مقارنة بالسدود الكبيرة، مع تحقيق فوائد كبرى للسكان. فوفقًا للإحصاءات الرسمية، انخفض عدد سكان المنطقة من 63,720 نسمة في 1994 إلى 37,805 نسمة في 2024، أي بتراجع يقارب 40%، والذي يتراوح بين 30% و50% على مستوى الجماعات.

 ومن الواضح أن غياب بنية تحتية مائية كافية، سواء لمياه الشرب أو الري، خلال هذه العقود التي شهدت غالبًا مواسم جفاف متتالية، كان له تأثير مباشر على الهجرة نحو المدن، مما جعل الحاجة إلى حلول محلية أمرًا ملحًا.

إن تعميم السدود الصغيرة في أرجاء دائرة أكنول سيكون له تأثير إيجابي على المدى البعيد، حيث ستوفر هذه السدود مصدرًا مستدامًا للمياه للزراعة المعيشية، التي تعد نشاطًا أساسياً للعديد من الأسر في المناطق القروية. فتأمين مياه الري المنتظم، حتى في فترات الجفاف، سيعزز الإنتاج الفلاحي المحلي، ويدعم الاكتفاء الذاتي، ويوفر فرص دخل إضافية للسكان.

إضافة إلى ذلك، ستمثل هذه السدود حلاً حيويًا لإعادة إنعاش قطاع تربية الماشية، الذي شهد تراجعًا كبيرًا في المنطقة، حيث يعد توفر المياه عنصرًا أساسيًا في استدامة تربية المواشي، سواء للاستهلاك أو للبيع، مما يساهم في تحسين مستوى معيشة الأسر القروية.

أما على مستوى مياه الشرب، فستساعد السدود الصغيرة في توفير المياه الصالحة للشرب للعديد من الدواوير التي لا تشملها المشاريع الكبرى، مثل مشروعي اسفالو وباب لوطا. وبفضل مشاريع صغيرة وفعالة، يمكن تجاوز التحديات التي تفرضها الطبيعة الجبلية للمنطقة، والتي تجعل إنشاء البنية التحتية التقليدية مكلفًا جدًا للدولة. وتعاني العديد من الدواوير في جماعات دائرة أكنول من نقص حاد في مياه الشرب، مما يزيد من معاناتهم اليومية على المستويين الصحي والاقتصادي.

علاوة على ذلك، سيكون لهذه السدود الصغيرة تأثير مباشر على نجاح مشاريع التشجير قيد الإنجاز، ضمن إطار مشروع PRODER، حيث ستضمن توفير مياه الري المنتظمة لمساحات كبيرة من أشجار اللوز المغروسة حديثًا، مما يزيد من فرص نجاح هذه المشاريع واستمراريتها بعد انتهاء فترة تنفيذها.

وختاما، تبرز أهمية السدود الصغيرة باعتبارها حلولًا متكاملة، تساهم في توفير المياه الصالحة للشرب، دعم الزراعة المعيشية، إنعاش تربية الماشية، وتحسين المستوى المعيشي للسكان. ومن هذا المنطلق، يتضح أن هذه السدود ليست مجرد خيار، بل ضرورة لضمان تحقيق التنمية المستدامة في دائرة أكنول، وتعزيز استقرارها البيئي والاجتماعي.