الثلاثاء، 22 سبتمبر 2015

"تيمزكيدة " أو "المسيد"..منارة في خدمة حفظ القرآن الكريم

قالوا إن أول الغيث القطر وقد يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر، ذلك هو حــال "تيمزكيدة" أو "المسيد" بالمغرب، فقد حققت مؤسسات "تيمزكاديوين" في زمن العسرة ما لم تستطع بعض مدارس اليوم تحقيقه رغم توفر هذه الأخيرة على إمكانيات هائلة وحديثة.

إنها بنايات متواضعة بوسائل اشتغالها وأطرها لعبت أدوارا رائدة في الحفاظ على الهوية  في زمن تكالبت فيه  القوى الاستعمارية على الأمم الضعيفة، وهذا هو سر بقاء المسيد أو "تيمزكيدة" في سماء بوادي وحواضر المغرب مستمرة في خدمة كتاب الله تعالى ما استمر الزمن.

 بنيت في عهودها السابقة بالطوب والحجارة  على شكل منشآت متواضعة وسط الحومة في المدينة أو المدشر، إنها المسايد ومفردها "مسيد" الذي ترادفه لفظة "الجامع" لدى كافة المغاربة أو "تيمزكيدة" لدى الأمازيغ، وهو مقر لمؤسسة اجتماعية تربوية لتعليم القرآن الكريم ،كما يعتبر المسيد أول بناية تربوية اجتماعية يلجها الأطفال في مدن المغرب لقراءة وحفظ كتاب الله تعالى وتنشئة الأطفال وغرس القيم الخلقية في نفوسهم.

ونظرا لتوالي الاهتمام بكلام الله تعالى يسارع أهل البوادي خصوصا في المناطق الجبلية إلى إلحاق أبنائهم في وقت مبكر بالمسيد لتثبيت  قيم الاسلام وترسيخها  في أذهانهم.

ويتولى "الفقيه " أو "الطالب" تحفيظ كتاب الله تعالى، كما يفتي ويعظ وينصح ، إنه الشخص الذي يحظى بالاحترام والتقدير في أرجاء الحومة أو المدشر وهو مرجع الساكنة في كل صغيرة وكبيرة.

يجلس الصغار متربعين على الحصير ويزينون أصوات حناجرهم بالقرآن الكريم، ويقعد الفقيه قبالتهم ويحرص على تنبيههم على الانكباب على ألواحهم، وكل صباح يخط لهؤلاء على ألواحهم ما تيسر من الذكر الحكيم عملا بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم  الذي قال :" بلغوا عني ولو آية ".

وما زالت العديد من المناطق الجبلية بالمغرب تتمسك بالسير العادي لهذه المباني التي يرون فيها هويتهم الدينية والوطنية، غير أن أدوارها  اقتصرت اليوم على تعليم وتحفيظ القرآن الكريم بوسائل بسيطة كالألواح الخشبية والصمغ .

وكان الفقيه يعيش بما تتفضل به ساكنة الدواوير من زرع وحبوب وزيوت كما أن أعيان القبيلة والجاليات كانوا يكرمون الفقيه ويحسنون إليه مما شجع العديد من هؤلاء الفقهاء على الاستمرار في أداء هذه المهمة بالبوادي عبر الزمن، هذا مع الاشارة إلى البادرة الطيبة التي  قامت بها وزارة الأوقاف في السنوات الأخيرة حيث خصصت منحا لهؤلاء الفقهاء وكذا للمؤذنين تشجيعا لهذه الفئة وتقديرا للأدوار التي يقومون بها للحفاظ على هذا اللون من التعليم.

وتطور بعض هذه المسايد خصوصا في المدن  وأصبحت تكنى بالكتاتيب القرآنية كما استفاد بعضها من الثورة المعلوماتية التي ساعدتها على تطوير أدائها في بعض الجوانب.

قال أحد الفقهاء الذين لهم تجربة طويلة في التدريس بـ " تيمزكيدة"   إن خصوصية " تيمزكيدة"  في الثقافة المغربية لها ما يميزها  إذ لا يمكن أن نقارن المسايد المغربية بأخرى في بعض البلدان  - وإن كانت هناك  بعض نقط الالتقاء – إذ كان دورها في بلدنا إلى عهد قريب شاملا  لا يقتصر فقط على تحفيظ كتاب الله تعالى  بل كذلك تقديم خدمات اجتماعية  لأهالي القبيلة ".


أما الأستاذ (ا.ع) 50 سنة  فيرى أن دور " تيمزكيدا" أو المسيد  لا يمكن أن نعوضه بمؤسسة أخرى، إذ كان هذا المبنى العتيق يرمز إلى دلالات كالتواضع وهجرة الملاهي في سبيل استظهار كتاب الله ، وقد تبين من خلال الدراسات الحديثة أنه رغم التطور الحاصل في الوسائل وطرق التدريس، إلا أن عنصر التحفيظ  والاستظهار قد بدا ناقصا لدى جيل اليوم نظرا لتشعبات الدراسات، ومن تم يكتفي التلميذ أو الطالب بالمختصرات، عكس تدريس" تيمزكيدا" التي تتفرغ للقرآن الكريم حيث ينكب الفقيه بكل حزم على أن يستظهر متعلموه كتاب الله كاملا.

لعب المسيد أو "تيمزكيدا"  في الماضي  بالعديد من دواوير الجنوب دورا هاما في الحياة الاجتماعية  لدى الأهالي  ففيه يتصالح المتخاصمون ويفض فيه السكان نزاعاتهم  قبل أن يلجوا مباني السلطات، بل كان هذا المبنى المتواضع قبل عقود خلت تحرر فيه عقود البيع والشراء والزواج من قبل الفقيه، حيث يتوج ذلك بالدعاء للزوجين بدوام العشرة وبالذرية الصالحة، و يعتبر هذا الدعاء في ذلك الوقت بمثابة إشهار في القبيلة بزواج فلان بفلانة.

انخرط المسيد بجنوب المغرب في توجيه أبناء المجتمع المغربي إبان الاستعمار الفرنسي بضرورة مناهضة المعمر، ففي المسيد تمرر الخطط عقب الصلاة بين أبناء المنطقة لمواجهة مخططات فرنسا، مما دفع هذه الأخيرة  تلجأ إلى خلق  بدائل  وتشييد مدارس تابعة لها ببعض المناطق، حيث أرستها هناك كقنوات تسرب فيها أفكارها وخلفياتها من جهة و تعمل على  إضعاف تأثير المسيد أو" تيمزكيدا"  في واقع المواطنين من جهة ثانية.