بقلم : محمد بودهان
سارع بعض المعلّقين إلى التهليل بالقمع الذي واجهت به السلطة المركزية الإسبانية، يوم فاتح أكتوبر 2017، الشعبَ الكاطالاني لمنعه من إجراء استفتاء حول الانفصال عن إسبانيا.
مستدلّين به على أن إسبانيا إذا كانت، وهي التي لا يشك أحد في ديموقراطيتها واحترامها لحقوق الإنسان، قد لجأت، مع ذلك، إلى المقاربة الأمنية ضد الكاطالانيين، فلماذا نلوم الدولة المخزنية عندما تصرّفت بنفس المقاربة لقمع الريفيين الذين خرجوا للمطالبة بمستشفى وجامعة؟
فهذا تصرّف لا يتنافى إذن مع الديموقراطية وحقوق الإنسان، كما تشهد على ذلك ما فعلته إسبانيا الديموقراطية والمحترمة لحقوق الإنسان، يوم فاتح أكتوبر 2017. وهذا استدلال ومقارنة يراد الاستنتاج منهما أن المقاربة القمعية التي تنهجها السلطة المخزنية بالريف منذ 26 ماي 2017، هي ممارسة ديموقراطية لا إخلال فيها بالقانون ولا بحقوق الإنسان.
حقيقة أن المقارنة بين منطقة كاطالونيا ومنطقة الريف مغرية بشكل لا يُقاوم. فهناك بالفعل تشابه كبير في علاقة المنطقتين بالحكم المركزي، وخصوصا في عهد فرانكو بالنسبة لكاطالونيا وفي عهد الحسن الثاني بالنسبة للريف. فكلتاهما عانتا من اضطهاد الحكم المركزي وعقابه الجماعي. ومع ذلك فلا مجال للمقارنة بين ما قام به المخزن الإسباني بكاطالونيا يوم فاتح أكتوبر 2017، وما يقوم به المخزن المغربي في الريف منذ 26 ماي 2017. وحتى نبرز الفرق بين الاثنين، سنناقش المقاربتين الأمنيتين بناء على ما يدعيه الطرفان، الإسباني والمغربي، أن تلك المقاربة شرعية وقانونية لأنها مجرد تطبيق للقانون وفرض لاحترامه.
ـ عندما قرّر المسؤولون الكاطالانيون إجراء استفتاء حول انفصال كاطالونيا عن الدولة الإسبانية، وإقامة دولة مستقلة عنها ذات سيادة كاملة، فإنهم يخرقون بذلك الفصل الثاني من الدستور الإسباني الذي يقول: «يقوم الدستور على الوحدة المتأصلة للأمة الإسبانية، كوطن مشترك وغير قابل للتجزئة لجميع الإسبانيين، ويعترف ويضمن حق الحكم الذاتي للقوميات والجهات التي تتشكل منها إسبانيا، والتضامن في ما بينها». فإجراء هذا الاستفتاء هو إذن خروج عن الدستور (الوحدة المتأصلة للأمة الإسبانية، كوطن مشترك وغير قابل للتجزئة لجميع الإسبانيين) الذي صادق عليه، يوم 3 نونبر 1978، جميع الإسبانيين بما فيهم طبعا الكاطالانيون. فتدخّل المخزن الإسباني لمنع هذا الاستفتاء هو تدخّل شرعي من أجل فرض احترام الدستور، لا غير، ولم يكن من أجل منع التظاهر السلمي ولا حتى منع الدعوة إلى الانفصال عن إسبانيا.
أما الريفيون فقد خرجوا في تظاهرات سلمية، بعد طحن الشهيد محسن فكري، يطالبون بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. فهل في هذه المطالب خرق للدستور أو القانون؟ هل هناك نص في الدستور أو أي قانون آخر يمنع المطالبة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وبإنشاء مستشفى وجامعة؟ وبناء عليه يكون التدخّل الأمني لقوات المخزن لقمع الريفيين واعتقال ومحاكمة النشطاء الذين رفعوا تلك المطالب، تدخّلا غير شرعي لأنه مخالف للنصوص الدستورية والقانونية، مما يجعل منه اعتداء أولا على الريفيين، واعتداء ثانيا على الدستور والقانون.
ـ لم يتدخّل المخزن الإسباني لمنع استفتاء فاتح أكتوبر 2017 إلا بعد أن أصدرت المحكمة العليا (الفيدرالية) قرارها الذي قضى أن الاستفتاء غير دستوري، وبالتالي يجب منعه فرضا لاحترام أحكام الدستور. ولهذا انصب التدخل الأمني على نقطة محددة، وهي الحيلولة دون إجراء الاستفتاء، ولم يتعدّ ذلك إلى منع التظاهر السلمي أو المناداة بالانفصال. تدخل السلطات كان إذن تنفيذا لقرار قضائي.
اما تدخّل المخزن المغربي فلم يكن تنفيذا لأي قرار قضائي يأمر بمنع المطالبة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وببناء مستشفى ومدرسة، بل كان قرارا "بوليسيا" لوزارة الداخلية، والتي ستلجأ، بعد ذلك، إلى استعمال القضاء لإضفاء شرعية زائفة على تدخّلها القمعي في الريف. فالتدخّل القمعي للمخزن الإسباني في كاطالونيا جاء بعد تدخّل القضاء. أما التدخّل القمعي للمخزن المغربي بالريف فسبق تدخّل القضاء. التدخل القمعي، في الحالة الإسبانية، تابع للقضاء الذي أمر به لمنع إجراء الاستفتاء. أما في الحالة المغربية، فالتدخل القمعي هو الأول والأصل، ثم يتبعه القضاء لمحاكمة وإدانة من يحيلهم عليه هذا التدخّل.
ـ بالنسية للحالة الإسبانية، كان الهدف من التدخل القمعي هو فقط منع إجراء الاستفتاء، تنفيذا لقرار قضائي. ولهذا لن تعقبه حملة اعتقالات ومحاكمات، انتقامية وعقابية، في حق الشعب الكاطالاني. أما في الريف، فلم يكن هدف التدخل القمعي هو فقط منع التظاهرات السلمية المطالبة بتوفير مستشفى وجامعة، بل كان ذلك مجرد مبرر للهدف الحقيقي الذي كشفت عنه الحملة المتواصلة، منذ 26 ماي 2017، للاعتقالات والمحاكمات الصورية، والذي (الهدف) هو العقاب والانتقام الجماعي من الريفيين الذين خرجوا يطالبون بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
الخلاصة أن تدخل المخزن الإسباني بكاطالونيا يوم فاتح أكتوبر 2017 لمنع إجراء الاستفتاء، هو تصرف قانوني لا ينتقص شيئا من ديموقراطية إسبانيا ولا من احترامها لحقوق الإنسان. أما ما تمارسه سلطات المخزن المغربي في حق الريفيين، ومنذ 26 ماي 2017، من قمع واعتقالات ومتابعات وفبركة للمحاضر وتلفيق للتهم، فهو تصرف طغياني، جائر وانتقامي، يزيد من استبداد السلطة المخزنية، ويشهد على شططها وتعسفها، ويقدّم الدليل الحي على انتهاكها لحقوق الإنسان.